كلفت الحكومة الجزائرية الجيش والقضاء إنهاء أعمال العنف التي اندلعت قبل ثلاثة أيام بين العرب والأمازيغ في منطقة غرداية في الجنوب، التي أسفرت عن أكثر من 20 قتيلًا وعشرات الجرحى، وإحراق مراكز تجارية ومنازل وسيارات في مدينة القرارة.
واتخذت هذه الأحداث الدموية أبعادا وطنية حملت الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على عقد اجتماع طارئ مساء الأربعاء، مع رئيس الوزراء عبدالمالك سلال، ونائب وزير الدفاع الوطني قائد أركان الجيش الوطني الشعبي أحمد قايد صالح. وإثر الاجتماع كلف الرئيس بوتفليقة قائد المنطقة العسكرية الرابعة، التي تتبعها ولاية غرداية، بـ"الإشراف على عمل مصالح الأمن والسلطات المحلية المعنية من أجل استتباب النظام العام والحفاظ عليه عبر ولاية غرداية"، وفق بيان للرئاسة.
كما كلف بوتفليقة رئيس الوزراء بـ"السهر بمعية وزير العدل على أن تتكفل النيابة العامة بسرعة وبحزم بكل خروقات القانون عبر ولاية غرداية، لاسيما المساس بأمن الأشخاص والممتلكات".
إلا أن صحيفة "لا تريبون" ذكرت أن "الأزمة هي وجه من الوجوه التي تعبر عن أزمة الدولة الوطنية التي لم تعمد إلى الاستفادة من خصوصية المناطق، بل تجاهلت أشكال التنظيم الذاتي المتوارثة عبر الأجيال".
وشنت أجهزة الأمن الجزائرية أمس حملة بحثا عن المتورطين في أحداث العنف المذهبية بين العرب (المالكيين) والأمازيغ (الإباضيين)، التي شهدتها ولاية غرداية، لاسيما يومي الثلاثاء والأربعاء، كما كشفت مصادر إعلامية عن أن مصالح الأمن أوقفت 27 شخصا للاشتباه بتورطهم في هذه الأحداث.
وذكرت مصادر إعلامية محلية أنَّ النائب العام أصدر أمرًا بتوقيف الناشط كمال فخار وأتباعه، المحسوبين على الأمازيغ لاحتمال ضلوعهم في هذه الأحداث، وأنه تم الشروع في ملاحقة المحرضين على العنف عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
من جهته، أكد رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال أن الدولة بكل مؤسساتها "ستكون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه المساس بأمن وسلامة مواطنيها، ولكل من يحاول المساس بوحدة البلاد واستقرارها"، وذلك في أول تعليق له على أحداث العنف المذهبية التي شهدتها مدينة غرداية.
وأضاف سلال في رسالة نشرها عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أنَّ "الدولة الجزائرية، وعلى رأسها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، تتابع بكل اهتمام وعن قرب مجريات هذه الأحداث الأليمة وآثار هذه التصرفات غير المسؤولة الغريبة على مجتمعنا المسلم والمتسامح، والمتشبع بروح التكفل والإخاء التي تحلى بهما على مر العصور".
وسيطر هدوء حذر، أمس الخميس، على ولاية غرداية، بعد يومين من أحداث العنف الدامي، حيث أكدت مصادر محلية أنَّه لم يتم تسجيل أي تجاوزات أو أحداث عنف ليلة الأربعاء والخميس، رغم أن الخوف لا يزال يسيطر على السكان. في حين أشارت مصادر محلية إلى أنه لم يلاحظ أي انتشار لأفراد الجيش، رغم أن الرئيس بوتفليقة كلف الجيش باستتباب الأمن والحفاظ عليه في غرداية من خلال الإشراف على عمل المصالح الأمنية والسلطات المحلية المعنية.
من جانبها، حملت المعارضة في الجزائر الحكومة مسؤولية الأحداث "الخطيرة" التي تشهدها مدينة غرداية على خلفية الصدامات العنيفة بين العرب والأمازيغ، إذ أكد رئيس حركة "مجتمع السلم" المحسوبة على التيار الإخواني عبد الرزاق مقري، أنَّ ما يحدث في ولاية غرداية أمر خطير للغاية، وأنَّ الفتنة في مدينة القرارة التي سجل بها أكبر عدد من القتلى، وبعض المناطق الأخرى بلغت مستوى ينذر بعواقب وخيمة على سلامة المواطنين وعلى وحدة البلد برمته، لافتا إلى أن غياب السلطة في هذه المنطقة أمر غير مفهوم، وأن بقاء الاقتتال لساعات طويلة بين الجزائريين دون تدخل من الأجهزة الأمنية أمر غير مستساغ.
وناشد مقري السلطات الرسمية أن تقوم بواجبها لإيقاف الفتنة، والعمل على إنهائها كلية وحدها، أو بالتعاون مع كل من يستطيع أن يقدم شيئا للمساعدة، داعيا سكان المنطقة جميعا إلى التعقل والتروي.
ومن جانبه؛ أشار رئيس الحكومة الأسبق، المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية العام 2014، رئيس حزب "طلائع الحريات" ـ قيد التأسيس ـ علي بن فليس إلى أنَّه يتابع بقلق كبير تحول منطقة غرداية إلى بؤرة توتر حقيقية وأزمة خطيرة، محملا المسؤولية لـ"الشغور في السلطة، وعدم شرعية المؤسسات وافتقادها المصداقية وعدم ثقة المواطنين بها".
وذكر بن فليس أنَّ أزمة غرداية الخطيرة كان يجب التكفل بها على أعلى مستوى في الدولة منذ مدة، موضحا وجود تقاعس غير مقبول وغير مسموح بالنظر لضخامة آثار هذه الأزمة على الوحدة الوطنية والأمن الإقليمي.
بدورها، دعت زعيمة حزب العمال اليساري لويزة حنون، الحكومة إلى تغيير طريقتها في التعاطي مع أزمة غرداية، والتحرك بشكل عاجل من أجل "وضع حد للانزلاقات الخطيرة"، مشيرة إلى أنَّ "الحديث عن حل أمني فقط للأزمة أثبت محدوديته، لاسيما مع تزايد العنف"، ودعت السكان إلى التعقل.
ويرى رئيس حزب "الجبهة الوطنية الجزائرية" موسى تواتي، أنَّ الوضع قي غرداية ناجم عن عدم قدرة الدولة على التكفل بمشاكل كل الجزائريين، مشددًا على أنَّ المشكلة في غرداية ليست مذهبية أو عرقية وإنما اقتصادية. فيما أوضح رئيس حزب "رئيس جيل جديد" سفيان جيلالي، أن مأساة غرداية كانت متوقعة منذ مدة.
أرسل تعليقك