الرئيس الأميركي باراك أوباما
واشنطن ـ يوسف مكي
يوازن الآن بين عدد من الخيارات المتعلقة برد الفعل الأميركي تجاه ما يعتقد بأنه هجوم بأسلحة كميائية في سورية، كما يعكف فريق من معاونيه في الأمن القومي الأميركي على دراسة إمكانية تكرار نموذج الغارات الجوية التي شنتها قوات الناتو في كوسوفو كخطة محتملة للتعامل مع الوضع
في سورية بدون الحاجة إلى تفويض من الأمم المتحدة.
وفي ضوء احتمال قيام روسيا باستخدام حق النقض الفيتو يمنع مجلس الأمن الدولي من اتخاذ إجراء ضد سورية ، يبدو أن الرئيس الأميركي يفكر جدياً ما إذا كان من الأفضل تجنب الأمم المتحدة، وذلك على الرغم من تحذيره من أن هذا الخيار سيتطلب ائتلافاً دولياً ضخماً وقوياً، بالإضافة إلى مبررات قانونية.
ويقول أوباما في حديث أدلى به إلى قناة "سي إن إن" في أول تصريحات إعلامية له بعد هجوم الأسلحة الكميائية الذي شهدته سورية، أنه في حالة قيام الولايات المتحدة بشن هجمات على دولة أخرى بدون تفويض من الأمم المتحدة وبدون دليل واضح تملكه في يدها فإن ذلك من شأنه أن يثير تساؤلات حول ما إذا كان ذلك يتماشى مع القانون الدولي وما إذا كانت الولايات المتحدة لديها التحالف والائتلاف اللازم لعمل ذلك.
ووصف أوباما الهجوم الكميائي بأنه حدث ضخم وجلي ويثير القلق بشدة كما اعترف بأن الوقت أمام الأمم المتحدة محدود كي تستجيب لذلك، ولكنه قال أن مفتشي الأمم المتحدة بحاجة إلى تحديد ما إذا كانت الأسلحة الكميائية قد استخدمت بالفعل.
وكان أوباما قد اجتمع صباح السبت، مع مستشاريه للأمن القومي الأميركي لمناقشة الوضع في سورية، وقال مسؤول في البيت الأبيض "إننا بصدد العمل بمنتهى التروي والتأني حتى نتمكن من اتخاذ قرارات تتوافق مع مصالحنا القومية ومع تقديراتنا لما يمكن أن يحقق أهدافنا في سورية".
وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" أن كوسوفر تمثل سابقة واضحة لأوباما، حيث أن المدنيين يتعرضون للقتل في سورية كما أن روسيا على علاقات طويلة الأمد بالسلطات الحكومية المتهمة بتلك الانتهاكات. وكان الرئيس بيل كلينتون في عام 1999 قد استخدم موافقة دعم الناتو ودواعي حماية السكان المدنيين لتبرير 78 يوماً من الغارات الجوية في كوسوفو.
ونسبت الصحيفة إلى أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية قوله "إن سابقة كوسوفو كانت أحد الموضوعات التي يتم نقاشها في اجتماعات البيت الأبيض المتواصلة حول الأزمة في سورية ، كما يناقش المسؤولون كذلك ما إذا الغارات العسكرية سيترتب عليها نتائج وعواقب عرضية غير مقصودة يمكن أن تخل باستقرار الدول المجاورة مثل لبنان أو يؤدي إلى مزيد من تدفق اللاجئين السوريين إلى كل من الأردن وتركيا ومصر.
وقال مصدر رسمي أميركي أن هذه الخطوة لا ترتقي إلى القول بأن البيت الأبيض يضع المبررات القانونية للقيام بعمل في سورية، لاسيما وأن الرئيس الأميركي لم يتخذ بعد أي قرار في هذا الشأن.
وفي البحر المتوسط أبقى قائد البحرية الأميركية الإقليمي على سفينة حربية إلى جوار أخرى لا تبعد كثيرا عن سورية. ويقول مسؤولون في البنتاغون أن القرار لا يعكس أي أوامر محددة من الإدارة الأميركية، إلا أن المدمرتين تحملان على ظهريهما صواريخ توماهوك وأسلحة بعيدة المدى التي يمكن إطلاقها على أهداف في سورية في حال إذا ما قرر الرئيس الأميركي القيام بعمل عسكري ضد سورية.
ويوم الجمعة الماضي دعت الحكومة الروسية الرئيس السوري بشار الأسد إلى السماح لمفتشي الأمم المتحدة بزيارة المناطق التي تعرضت للهجوم الكميائي في شرق العاصمة دمشق. لكن دبلوماسيين أجانب وأميركيين قالوا أن تلك الخطوة من جانب روسيا لا تعكس تحولاً عن موقفها الداعم للأسد أو تغييراً في موقفها الرافض لاتخاذ عقوبات ضد سورية من خلال مجلس الأمن الدولي.
وكان بيان لوزارة الخارجية الروسية قد حمل قوات المعارضة السورية مسؤولية توفير الوصول الآمن للموقع الذي شهد واقعة الهجوم الكميائي، وفي بيان ثاني ألمح الروس إلى اعتقادهم بأن الهجوم كان بالفعل عملاً تحريضياً قامت به قوات المقاومة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية أن هناك المزيد من الأدلة التي تشير إلى أن هذه العمل الإجرامي يحمل طبيعة استفزازية وتحريضية واضحة وصريحة وقال أيضا أن الحديث هنا يدور حول تصرف كان مخططا له من قبل.
وأثنى المتحدث الروسي على ترحيب حكومة الأسد بعضوة بعثة الأمم المتحدة الخاصة في سورية كارلا ديل بونتي، والتي أشارت في آيار/مايو الماضي بأن المقاومة السورية قد استخدمت الأسلحة الكميائية، كما اتهم المتحدث المعارضة السورية بعدم التعاون مع تحقيقات خبراء الأمم المتحدة. ولم يصدر عن الحكومة السورية أي تعليق ،الجمعة،.
وكانت شبكة "سي بي إس" قد نسبت ،الجمعة، إلى مسؤولين في الإدارة الأميركية قولهم أن الاستخبارات الأميركية رصدت نشاطاً في المواقع المعروفة بأنها مواقع الأسلحة الكيماوية في سورية قبل وقوع هجوم الأربعاء ويعتقد بأن هذا النشاط ربما كان إعداداً للهجوم.
ويقول ويليام هيغ وزير الخارجية البريطاني، إنه يدرك أن هناك البعض في العالم من يقول بأن هذا العمل إنما هو نوع من التآمر قامت به المعارضة في سورية ولكنه أعرب عن اعتقاده بأن ذلك احتمال ضئيل للغاية ولهذا فهو يعتقد بأن قوات الأسد هي من ارتكبت الهجوم الكميائي.
ولم يتحدث هيغ عن استخدام القوة ضد سورية مثلما تحدث نظيره الفرنسي، ولكنه وصف ذلك العمل بأنه عمل لا يمكن للعالم الإنساني المتحضر أن يتجاهله.
يذكر ان قرار كلينتون بالقيام بعمل عسكري بالتعاون مع الناتو كان مبرره هو حماية السكان في كوسوفو في ضوء خطورة الوضع الإنساني، وفي حالة سورية فإن إدارة أوباما يمكن أن ترى أن استخدام الأسلحة الكمياوئية قد خلق وضعاً إنسانياً خطيراً وأنه بدون استخدام القوة ضد النظام السوري فإنه من المحتمل أن يقوم ذلك النظام باستخدام تلك الأسلحة من جديد على نطاق أوسع. ويمكن أن تعتمد أميركا في تدخلها العسكري على أساس بروتوكول جنيف الصادر عام 1925 الذي يحظر استخدام الغازات السامة في الحروب.
ويقول دينس روس المستشار السابق لأوباما حول الشرق الأوسط بأن أوباما يريد أن يجهز المبرر القانوني للإجراء العسكري وأن هناك العديد من الطرق التي يمكن القيام بالعمل العسكري بعيداً عن الأمم المتحدة.
أرسل تعليقك