وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفليد
لندن ـ سليم كرم
دعا الكاتب الصحافي والخبير الأمني البريطاني ريتشارد نورتون إلى محاكمة على خلفية تورطه في تكون مليشيات شيعية مسلحة في العراق ساهمت في التعجيل بالحرب الأهلية التي شهدتها العراق. هذا و قال نورتون في مقاله الذي نشرته صحيفة "الغارديان البريطانية" "إنه
إذا كان هناك في الماضي شكوكًا طويلة بشأن ما إذا كان ينبغي محاكمة رامسفيلد أمام محكمة جنائية دولية، فإن الدليل الأخير الذي يقول بأنه طلب من المحارب الأميركي القديم الذي كان متخصصًا في التخطيط للحروب القذرة وخاصة في أميركا الوسطى ، وذلك للمساعدة في تكوين مليشيات طائفية شيعية شريرة ووحشية في العراق ، يكفي لأن للقضاء على عليهما معا للأبد ونهائيًا".
وتشير نتائج التحقيق الاستقصائي الذي أجرته صحيفة "الغارديان" إلى أن دونالد رامسفيلد قام باختيار الكولونيل غيمس ستيل وهو محارب قديم ومحنك في القوات الأميركية الخاصة، كي يساعده في إنشاء وتكوين جماعات شبه عسكرية بهدف قمع حركات المقاومة السنية المتزايدة في العراق .
وكان غيمس ستيل يخضع مباشرة لإشراف رامسفيلد. وقد قام بتكوين تلك الجماعات شبه العسكرية من المليشيات الشعيية، كما قام بإنشاء مراكز اعتقال حيث كان يتم فيها تعذيب المعتقلين العراقيين.
و يضيف نورتون في مقاله "إن معرفة دونالد رامسفيلد والمسؤولين في البنتاغون بما كان يحدث بدقة في مراكز الاعتقال ليست هي المسألة الوحيدة التي يثور بشأنها الجدل كما أنها ليست هي المسألة الرئيسة في الأمر . ولو أن دونالد رامسفيلد كانت لديه مجرد خطة بسيطة لما كان ينبغي عمله بعد غزو العراق، لما كانت هناك حاجة لإنشاء وتكوين مثل هذه المليشيات، وربما لم تكن هناك المقاومة السنية".
وفي ضوء انتقادات الخارجية الأميركية بشأن مسؤولية التخطيط لمرحلة ما بعد الغزو الأمريكي، فإن أول جريمة في حق دونالد رامسفيلد هي فشله في تحمل أي مسؤولية بنفسه، إن رد فعل رامسفيلد السيئ السمعة تجاه أعمال السلب والنهب التي انتشرت في بغداد والتي تجسدت في مسرحية أميركية بعنوان (Stuff Happens) ، يعكس أكثر ألوان ما يسمى بالرضا المعيب. ففي الأدلة الواردة بتحقيق تشيلكوت ، نسب الجنرال السير جون كيزلي الممثل العسكري البريطاني في بغداد آنذاك ، إلى رامسفيلد قوله "إن الهجمات التي وقعت عام 2004 كانت عمل يقوم به "مجموعة من الأفراد الذين لا يتوقع لهم النجاح".
و يواصل الخبير الأمني البريطاني "إن قررات رامسفيلد السرية قد كشف النقاب عنها الآن"، وتشير إلى ذلك الرضا لم يكن سوى شيء من البلاغة واللغة المنمقة الطنانة.
إن فشل رامسفيلد في تحمل مسؤوليات قوة الاحتلال ، التي كانت ممثلة في القوات الأميركية والبريطانية ، على المستوى القانوني وعلى مستوى الممارسة على أرض الواقع ، كان بمثابة انتهاك واضح وصريح للالتزامات الواردة باتفاقيات جنيف، و إن قيام رامسفيلد بتعيين بول بريمر رئيسا لما كان يسمى آنذاك بسلطة التحالف المؤقتة ، اي حاكما مدنيا أميركيا للعراق ، وما اتخذه من قرارات لإقصاء أعضاء حزب البعث العراقي وحل الجيش العراقي، إنما يضاعف حجم الجريمة التي ارتكبها حيث تسبب في إحداث فراغ هائل وخطير في العراق وهو الفراغ الذي شغله كم متجانس ومتنوع من المجرمين والمتمردين والمليشيا الشيعية التي كشفت عنها صحيفة "الغارديان" البريطانية أخيرًا.
و يشار أنه قام بعض من أفراد هذه المليشيا الشيعية بمهاجمة وقتل جنود بالقوات البريطانية في البصرة والذين كانوا هم أنفسهم جزء من ضحايا الفشل في تبني اي خطة تتمتع بقدر من المسؤولية أو التماسك بشأن ما كان ينبغي فعله بعد الغزو.
و يواصل الكاتب البريطاني ريتشارد نورتون "إنه علم من قيادات العسكرية رفيعة المستوى في أعقاب الغزو مباشرة أنهم يعتقدون بوجود أدلة كافية تسمح بمحاكمة رامسفيلد وزمرته، يذكر أن الأدلة الواردة في تحقيق شيلكوت وكذلك في كتب السيرة الذاتية وكافة تقارير لجان مجلس العموم البريطانية ، كانت جميعها تتضمن انتقادات قوية لكل من رامسفيلد وبريمر.
وبعد ذلك ، فإن السؤال المقبل الذي سوف يطرح نفسه بإلحاح هو : "ما هو مدى تورط الحكومة البريطانية وتوني بلير بصفة خاصة في هذه المسألة؟ إن كبار مستشاريه العسكريين وكبار المسؤولين في الحكومة البريطانية، كانوا قد أعربوا عن غضبهم واستيائهم تجاه رامسفيلد والبنتاغون، وكان هذا الغضب والاستياء في بداية الأمر على المستوى الشخصي ولكنه اخذ شكلا علينا فيما بعد. وربما أبدى كل من بلير ووزير خارجيته جاك سترو وزير دفاعه جيوف هون ، آنذاك غضبهم واستيائهم أيضا . ولم يكن باستطاعتهم آنذاك أن ينطقوا بشئ من الانتقاد للحكومة الأميركية حتى ولو كانت لديهم ادلة دامغة.
وعلى أي حال ، فإن دونالد رامسفيلد كان هو المسؤول آنذاك ، وكان مسموحا لها بعمل ما كان يحلو له ، بصرف النظر عن التزاماته التي يحتمها عليه القانون الدولي ، وبصرف النظر عن كان يمكن أن يقوله المسؤولين في بريطانيا أقرب حلفاء أميركا.
أرسل تعليقك