غضب في الشارع التونسي بعد اغتيال المعارض التونسي شكري بلعيد
غضب في الشارع التونسي بعد اغتيال المعارض التونسي شكري بلعيد
تونس ـ أزهار الجربوعي
أكد المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية التونسي، عدنان منصر، مساء الخميس، أن "الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي عقد محادثات مطولة مع زعماء الأحزاب والتيارات السياسية في البلاد، بهدف بحث إمكان تكوين حكومة توافق وطني تحظى بأكبر قدر من التوافق بين الأطراف السياسية وتضم كفاءات في الحقائب التقنية والاقتصادية، فيما صرح القيادي في حزب "النهضة" الإسلامي الحاكم في تونس، زبير الشهودي، بأن "المكتب التنفيذي للحركة صوّت بالغالبية ضد قرار رئيس الحكومة حمادي الجبالي، القاضي بحل الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن جميع الأحزاب، لتسيير أعمال الدولة فيما تبقى من المرحلة الانتقالية "، في خطوة تُنذر ببوادر أزمة وانشقاق بين قيادات الحزب الحاكم في البلاد، بينما قرر الرئيس المنصف المرزوقي تنكيس الأعلام ثلاثة أيام حدادًا على اغتيال المعارض التونسي والأمين العام لحزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحد"، شكري بلعيد.
ومن جانبه، أكد المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية التونسي، عدنان منصر أن "رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي بدأ منذ الأربعاء بإجراء اتصالات ومشاورات مكثفة مع الأحزاب والشخصيات الوطنية".
وأشار منصر إلى أن "رئيس الجمهورية التقى كلًا من زعيم الحزب الجمهوري، أحمد نجيب الشابي، وزعيم التحالف الديمقراطي، محمد الحامدي، إلى جانب زعيم حزب النهضة الحاكم، راشد الغنوشي، ورئيس حركة نداء تونس، الباجي قايد السبسي، فضلا عن رئيس الحكومة حمادي الجبالي، وزعيم حزب العمال حمة الهمامي، كما التقى الرئيس التونسي عددًا من الشخصيات الوطنية المخضرمة، على غرار مصطفى الفلالي ومنصور معلا وأحمد المستيري.
وفي سياق متصل، دعا المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية التونسية، عدنان منصر، خلال ندوة صحافية انتُظمت في قصر قرطاج مساء الخميس، إلى "ضرورة تحييد المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية عن كل التجاذبات السياسية".
وحذر منصر" القوى والأحزاب السياسية السياسية من مغبة الانسياق وراء الاختلافات والتوترات التي قد تخول للبعض دعوة الجيش والمؤسسة الأمنية للخروج عن الشرعية، وهو ما يبرز مخاوف رئاسة الجمهورية من سيناريوهات الانقلاب العسكري التي سبق وأن حرضت عليها بعض الأطراف السياسية والمدنية، إلا أن المؤسسة أكدت دومًا التزامها بالحياد وفي خدمة الوطن.
ومن جانبه، كشف القيادي في "النهضة" زبير الشهودي لـ"العرب اليوم"، عن أن المكتب التنفيذي للحركة رفض قرار رئيس الحكومة حمادي الجبالي القاضي بحل حكومته وتشكيل حكومة تسيير أعمال متكونة من "تكنوقراط" محايدين، تكون مهمتها تنفيذ مخططات التنمية وتأمين ما تبقى من المرحلة الانتقالية الحالية، إلى حين تنظيم انتخابات حرة ونزيهة وشفافة في أسرع وقت ممكن، مؤكدًا أن المكتب التنفيذي صوت بغالبية مطلقة ضد قرار رئيس الحكومة، معتبرًا أن "المشهد السياسي في تونس لم يطرأ عليه ما يستحق إقالة حكومة بأكملها، وإن (النهضة) متمسكة بالتروكيا، وستمضي في استكمال مفاوضات التعديل الوزاري والبحث عن تحالفات جديدة"، حسب قوله.
وقرر رئيس الحكومة التونسية والأمين العام لحزب "النهضة"، مساء الأربعاء، حل حكومته معلنًا عزمه "تشكيل حكومات كفاءات مصغرة، لا تنتمي إلى أي تيار أو فصيل حزبي في البلاد، على أن يلتزم جميع وزرائها ومسؤوليها بعدم الترشح في الانتخابات المقبلة، وستكون مهمة الحكومة الجديدة تسيير الأعمال وتأمين المرحلة الانتقالية والإعداد إلى انتخابات نزيهة وشفافة تحت مراقبة دولية كثيفة".
وقالت مصادر مطلعة لـ"العرب اليوم"، إن "الأجواء السائدة داخل حركة (النهضة) الإسلامية تتجه نحو رفض التنازل عن الحكومة والتمسك بائتلاف الترويكا الحاكم، ورفض تقديم أي تنازلات سياسية لصالح أطراف أخرى، وأن الحركة تجري اجتماعات مغلقة خلال هذه الساعات في غياب أمينها العام حمادي الجبالي، مما قد ينذر ببوادر أزمة وانشقاق بين قيادات الحزب الحاكم في تونس، حيث ترى (النهضة) أن عملية اغتيال المعارض شكري بلعيد، تهدف إلى زعزعة حكمها وإثارة الفتنة في البلاد وتأليب الرأي العام المحلي والدولي ضدها، مؤكدة أنها لن ترضخ للإبتزاز والضغوطات".
من جانبه، أعلن رئيس كتلة حركة "النهضة" في المجلس الوطني التأسيسي، الصحبي عتيق، الخميس، أن "الحركة لا تدعم حكومة تكنوقراط وكفاءات وطنية، وستحرص على الحيلولة من دون تقديمها إلى المجلس الوطني التأسيسي، وأن قرار رئيس الحكومة الذي كان فرديًا ومن دون استشارة قيادات حزبه، يحتاج لتفويض من كتلة الغالبية داخل التأسيسي، الأمر الذي من شأنه أن يمهد لمأزق دستوري".
وقد اختلفت ردود أفعال القوى السياسية في البلاد، بين رافض ومؤيد لقرار الجبالي، الذي يعتزم حل الحكومة، حيث دعا رئيس "حركة وفاء" عبدالرؤوف العيادي رئيس الحكومة إلي الاستقالة، مشيرًا إلى أن "القرار الذي اتخذه كان متسرعًا، ويستوجب التشاور مع كل الأطراف الحزبيـة"، فيما تساءل عن طبيعة "التكنوقراط" الذين يعتزم الجبالي تفويضهم على رأس الحكومة الجديدة وحقيقة انتماءاتهم، في حين عبر الناطق الرسمي باسم حزب التكتل (شريك النهضة في ائتلاف الترويكا), محمد بنور، أن "التكتل سيعمل من أجل دعم ومساندة القرارات التي جاءت في كلمة رئيس الحكومة حمادي الجبالي"، موضحًا أن "قرار تشكيل حكومة كفاءات وطنية يعتبر من متطلبات الوضع الدقيق الذي تعيشه تونس في هذه اللحظات بعد اغتيال شكري بلعيد، وأن له فوائده عدة لاسيما في ما يتعلق بتحييد وزارات السيادة وعهدتها إلى شخصيات مستقلة".
كما أعرب "الحزب الجمهوري" عن تأييده للقرار الذي اتخذه رئيس الحكومة حمادي الجبالي، الرامي إلى حل الحكومة، ورحبَّ بهذا الاعلان الذي "تضمن كل التصورات والمطالب التي اقترحتها المعارضة لتشكيل حكومة كفاءات وطنيـة محدودة العدد، بعيدة عن المحاصصة الحزبية"، داعيًا الجبالي إلى "الإستقالة من الحكومة ومن حركة (النهضة) ضمانًا لحياده واستقلاليته"، في حين اعتبر الأمين العام لحزب "العمال التونسي" حمة الهمامي، قرار الجبالي جاء "متأخّرًا وغير كاف لأنه اتخذ بعد دخول البلاد في منعرج خطير، كما أنه لم يناقش مواطن الفشل ولم يحدد خارطة طريق للحكومة المرتقبة".
يُشار إلى أن رئيس الحكومة التونسية، لا يمكنه حل الحكومة وإقالتها من دون الرجوع إلى المجلس التأسيسي، الذي يملك السلطة التشريعية المخول لها سحب الثقة من الحكومة بتصويت غالبية نوابه، وبذلك فإن الجبالي مخير بين أمرين، وفقًا لما تضبطه فصول القانون المنظم للسلطات العمومية، إما أن يتقدم رسميًا باستقالة حكومته إلى رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي، ليقرر الأخير تجديد ثقته فيه وتكليفه بتشكيل حكومة تُعرض تركيبتها على المجلس الوطني التأسيسي للمصادقة عليها، أما الخيار الثاني، فيتمثل في أن يتقدم كل وزير باستقالته على حدة، ليحافظ حمادي الجبالي على منصبه كرئيس للحكومة، ويتولى تعيين تشكيلة وزارية جديدة استنادًا إلى مبدأ "سد الشغور".
من جانبه، قـرر الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي، بالتوافق مع رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر ورئيس الحكومة حمادي الجبالي، تنكيس العلم الوطني لمدة 3 أيام، ابتداءً من صباح الخميس في المقرات السيادية، حدادًا على اغتيال القيادي البارز في اليسار والمعارضة التونسية شكري بلعيد، الذي تعرض لأربع طلقات نارية قاتلة أمام منزله صباح الأربعاء، في أول عملية اغتيال سياسي تشهدها تونس منذ استقلالها.
على صعيد آخر، قررت فرقة مكافحة الإجرام المكلفة بالتحقيق في حادث اغتيال الأمين العام لحزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحد" شكري بلعيد، الاحتفاظ بالسائق الشخصي زياد الطاهري الذي كان برفقة القتيل، على ذمــة التحقيق، في حين أكدت أحد الشهود العيان أﻧﮭﺎ ﻋﺎﯾﻨﺖ ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻏﺘﯿﺎل اﻟﻀﺤﯿﺔ ﻣﻦ ﺷﺮﻓﺔ ﻣﻨﺰﻟﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻟﺮاﺑﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎرة ﻧﻔﺲها اﻟﺘﻲ ﯾﻘﻄﻦ ﺑﮭﺎ بلعيد، وأنه ﻗﺒﻞ ﻧﺰول ﺷﻜﺮي ﺑﻠﻌﯿﺪ في اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ إﻻ ﺧﻤﺲ دﻗﺎﺋﻖ، ﺑﺪﻗﯿﻘﺔ وﻧﺼﻒ ﻣﺮ ﺷﺨﺺ ﻣﺠﮭﻮل ﻣﻦ أﻣﺎم اﻟﺴﯿﺎرة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨتﻈﺮ ﺑﻠﻌﯿﺪ لنقله ﻛﻜﻞ ﺻﺒﺎح، وﺗﺤّﺪث ﻣﻊ اﻟﺴﺎﺋﻖ، وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ رﻛﺐ اﻟﻀﺤﯿﺔ ﺑﺠﺎنبه وﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻣﺮ ﺷﺨﺼﺎن ﻋﻠﻰ دراﺟﺔ ﻧﺎرﯾﺔ وﻗﺎم أﺣﺪھﻤﺎ ﺑﺈطﻼق رﺻﺎﺻﺔ واﺣﺪة ﻓﻲ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺼﺪر، ﺛﻢ أطﻠﻖ ﺛﻼث طﻠﻘﺎت ﻣﺘﺘﺎﻟّﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺒﻄﻦ.
وﺷّﺪدت اﻟﺼﺤاﻔﯿﺔ أن "اﻟﺴﺎﺋﻖ ﻟﻢ ﯾﺮﺗﺒﻚ، وﻛﺄنه ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ ﺑﻤﺎ ﺳﯿﺤﺪث، ﻷنه ﻟﻢ ﯾﺼﺪر منه أي ﺗﺼﺮف ﯾﺪل ﻋﻠﻰ أنه ﻓﻘﺪ أﻋﺼﺎبه أو ﺗﻔﺎﺟﺄ ﺑﺎﻷﻣﺮ، وأنه ظﻞ ﻛﺬﻟﻚ ﺑﻌﺪ ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻻﻏﺘﯿﺎل، مشيرة إلى أﻧﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ رؤﯾﺔ ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺸﺨﺼﯿﻦ اﻟﻠﺬان ﻛﺎﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺪراﺟﺔ اﻟﻨﺎرﯾﺔ، وﻻ ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﺗﺤّﺪث إﻟﻰ اﻟﺴﺎﺋﻖ ﻗﺒﻞ ﻣﺎ ﯾﻘﺎرب اﻟﺪﻗﯿﻘﺔ وﻧﺼﻒ ﻣﻦ ﻧﺰول ﺷﻜﺮي ﺑﻠﻌﯿﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺎرة، مضيفة "أﻗﻮﻟﮭﺎ وأﻋﯿﺪھﺎ وأﺗﺤّﻤﻞ ﻣﺴﺆوﻟﯿﺘﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ، أﻧﺎ ﻣﺘﺄّﻛﺪة اّن اﻟﺴﺎﺋﻖ ﻣتورط، وﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﯿﺔ".
من جهته، أكد شقيق شكري بلعيد أن حارس البناية التي يقطن فيها الفقيد، تمكن من التعرف على وجوه الشخصين المتورطين في عملية الاغتيال، موضحًا أن إمرأة من أحد ساكني البناية تمكنت من تصوير ما حدث في مقطع فيديو، وأن المعتدين أطلقوا النار تجاه حارس البناية، لكن لم يصبه الطلق الناري.
هذا، وقد وصل جثمان الأمين العام لحزب "الوطنيين الديمقراطيين" إلى منزل والده ظهر الخميس، في منطقة جبل الجلود حيث كان في انتظاره المئات من أنصاره، ومن المنتظر أن تنطلق الجنازة الجمعة، في منتصف النهار من دار الثقافة في اتجاه مقبرة الجلاز، فيما قامت عناصر الأمن والناس بتحية جثمان شكري بلعيد وهو في طريقه من منزله بالمنزه السادس إلى منزل والده، مرددين النشيد الوطني.
وقد تواصلت الاحتجاجات المنددة بإغتيال الزعيم اليساري، في محافظات تونسية عدة، حيث أكدت مصادر أمنية لـ"لعرب اليوم"، حرق مالا يقل عن 10 ومراكز شرطة ومكاتب حركة "النهضة" الحاكمة إلى جانب اقتحام مقر محافظة صفاقس، وقد لجات أجهزة الأمن التونسي إلى تفريق المتظاهرين بقنابل الغاز المسيل للدموع في مدن قفصة والكف وصفاقس والمنستير وفي شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة أثناء مرور جثمان شكري بلعيد.
فيما تواصلت ردود الأفعال الدولية المدينة لعملية اغتيال المعارض التونسي، حيث أكد مصدر مسؤول في وزارة الخارجية القطرية أن "دولة قطر تدين مثل هذه الأعمال الإرهابية والإجرامية التي تستهدف الآمنين"، معربًا عن تعازي دولة قطر و"مواساتها للحكومة التونسية ولأسرة الفقيد وللشعب التونسي الشقيق في هذا الحادث الأليم".
من جانبها، عبرت وزارة الخارجية الجزائرية عن "إدانتها الشديدة لجريمة الاغتيال الدنيئة للمعارض البارز شكري بلعيد صباح الأربعاء في العاصمة تونس"، وجددت موقفها "الرافض لاستخدام العنف بكل أشكاله كوسيلة للتعبير السياسي".
وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، قد دان عملية اغتيال بلعيد، معتبرًا أن "مقتله سيحرم تونس من أحد الأصوات الشجاعة التي تدعو إلى الحرية في البلاد"، معبرًا عن قلق باريس من إمكان تصاعد العنف السياسي في تونس، داعياً إلى احترام المُثُل العُليا التي طالب بها الشعب التونسي في ثورته، فيما وقف نواب البرلمان الأوروبي دقيقة صمت ترحمًا على روح بلعيد.
من جهتها، دانت السفارة الأميركية في تونس اغتيال الناشط اليساري البارز شكري بلعيد، واصفة العملية "بالفعل الشنيع والجبان"، مضيفة أنه "لا مكان للعنف السياسي في خضم مرحلة الانتقال الديمقراطي التي تمر بها تونس"، بينما اعتبرت جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر،اغتيال المعارض التونسي "جريمة" يجب محاصرة مثيلاتها وتطويقها، في حين أعربت "جبهة الإنقاذ" المصرية عن تخوفها من انتقال عدوى الاغتيالات السياسية من تونس إلى مصر.
أرسل تعليقك