تستمر المواجهة وهي إلى تصعيد في لبنان رغم محاولة "تنفيس" الحراك الشعبي، ففي البرلمان حوار الضرورة في محاولة لاستيعاب الشارع المنتفض على واقع أليم، وفي المحيط متظاهرون أمام تحدي الحشد يؤكّدون أن الحوار بلا جدوى، وأن التجربة السابقة خير دليل على ذلك، وأن المتحاورين غير مؤهلين لتوفير الحلول للمشكلات القائمة.
وإذا كان الداعون إلى التظاهر والاعتصام يعوّلون اليوم على حشد إضافي توفره هيئة التنسيق النقابية للحراك المدني في الشارع، فإن اتصالات سياسية حاولت أمس "سحب" هذا الدعم من طريق الضغط على مكونات الهيئة، تلك التي خضعت سابقًا لإرادة السياسيين فأخرجت النقابي حنا غريب من صفوفها، وسكتت عن مطلبها الأساس وهو سلسلة الرتب والرواتب.
ودعت جهات عدة إلى التظاهر وجوب المحافظة على الأمن، وعدم توفير غطاء لأعمال شغب محتملة، ومع ظهور تفهّم متكرّر لمطالب المتظاهرين، ورسم وزير الداخلية نهاد المشنوق وقائد الجيش العماد جان قهوجي الحدود المسموح بها للحراك، فرأى الأول أن "بيروت تشهد حراكًا مطلبيًا لحل أزمات الكهرباء والمياه والنفايات"، مؤكدًا أن "حق التظاهر مكرس في الدستور اللبناني"، لكنه أكد أنه لن يتردد "في أمرين أولهما صد محاولة شيطنة قوى الأمن الداخلي والإصرار على التعدي على عناصرها، وثانيهما حماية المتظاهرين السلميين وحماية الأملاك العامة والخاصة".
وأطلع قهوجي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على موقف الجيش من مجريات التحركات الشعبية، وأفاد: "الشعب نزل إلى الشارع ليقول إنه موجوع ويجب أن يبقى التعبير تحت سقف القانون".
وجمع الحوار الوطني الثلاثاء قوى "8 آذار" ظهرًا، و"14 آذار" مساء، لتوحيد المواقف من الجلسة الأولى التي تعقد ظهر الأربعاء، وأفادت المصادر بأن الرئيس نبيه بري سيكون شريكًا في حل أزمة النفايات مع رئيس الوزراء تمام سلام الذي تسلّم الثلاثاء تقريرًا عن مشروع الحل من وزير الزراعة أكرم شهيب.
وأوضحت المصادر أنه من المرتقب أن يصدر عن الحوار موقف يكون بمثابة التغطية السياسية لحل النفايات بما يتلاقى ومطالب المتظاهرين، وفيما قدم الوزير شهيب التقرير الذي أعده إلى سلام وضمنه كل الاقتراحات، يبدو أنه فوجئ بالكلام الذي صرّح به العماد ميشال عون بعد ظهر الثلاثاء عن وجود خطة متكاملة لديه في موضوع النفايات تستبق ما سيعرضه، علما بأن الوزير العوني الياس بو صعب أبلغ شهيب لدى الاطلاع على خطته أنها خطة التيار بالذات في اللامركزية وإعطاء المجال للبلديات.
وأفادت معلومات بأن الرئيس سلام سيعرض الخطة في مستهل جلسة الحوار من أجل الحصول على موافقة الأطراف، بينما أكد الوزير شهيب أنه سيكون منفتحًا على كل الاقتراحات والتعديلات انطلاقًا من أن الأهم هو التوصل إلى حل.
وبعد اكتمال عقد المتحاورين الـ16 ومساعديهم، سيلقي بري كلمة استهلالية يركز فيها على الجدوى من هذا الحوار، ويسأل عن البديل في ظل الشروط والشروط المضادة التي بدأت بالتصاعد مسابقة آثار العاصفة الرملية التي اجتاحت مختلف المناطق.
ويتوقف بري عند دخول بعض الأفرقاء في حلبة من المزايدات، كأن الجميع يتحضرون للنزول إلى مباراة وتسجيل نقاط على الفريق المنافس، وسيعرض العماد عون موضوع انتخاب رئيس مباشرة من الشعب، أو إجراء انتخابات نيابية على أساس النسبية المطلقة، وتنتخب السلطة الجديدة رئيسا للبلاد، ويتسلح عون بالحشد الذي لاقاه إلى ساحة الشهداء الجمعة الماضي، وبعد إدلائه بآرائه سيترك مهمة المتابعة للوزير جبران باسيل.
وكان تصعيد في المواقف استبق الجلسة، فنواب "المستقبل" رأوا أن "حزب الله التيار الوطني الحر يعطلان الاستحقاق الرئاسي، وأن مرتبة حزب الله في الفساد تفوق كل التصورات"، أما العماد عون فأردف: "تمنى أن لا نجبر للعودة مرة ثانية إلى الشارع وعلى الأرجح سنعود وحينئذ تكون الدعوة لجميع اللبنانيين والطوائف، ونتمنى على المسؤولين الذين سنجتمع بهم أن يكونوا فهموا الحديث وأكيد فهموا لأنهم شاطرين، وأن نسير بهذا الحوار لننتج دولة لا مزارع مجيرة لأشخاص".
وتوجّه رئيس حزب "الكتائب" سامي الجميل إلى الرئيس سلام: "دولة الرئيس نقول لك إذا لست قادرًا على ضرب يدك على الطاولة فنحن غير مستعدين لأن نكون شهود زور في حكومة غير قادرة على نزع النفايات، وجود الحكومة أصبح شبيها بغيابها فإما أن نسير بالخطة التي وضعتها لجنة النفايات ونرفعها صباح الأربعاء من الشارع وإما بقاؤنا بها لن يعود له أي مبرر".
وعشية الحوار الوطني، اتصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالرئيس تمام سلام ليناقش معه الخطط المتعلقة باجتماع مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان المقرر عقده على هامش دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 30 أيلول / سبتمبر في نيويورك.
وأكد كيري لسلام دعم أميركا القوي والمستمر لجهوده الرامية إلى دفع التوافق السياسي رغم التحديات التي تواجه لبنان، كما أكد له استمرار التزام أميركا استقرار لبنان وأمنه واستقلاله.
وبحث الوزير الأميركي ورئيس الوزراء اللبناني أيضًا في الحاجة إلى انعقاد مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت ممكن بما يتفق والدستور اللبناني والميثاق الوطني.
في غضون ذلك، سيطرت العاصفة الرملية على لبنان منذ مساء الاثنين، وسجلت ثلاث وفيات و1724 حالة اختناق استنادًا إلى بيان لوزارة الصحة العامة، الأمر الذي دفع وزيري الصحة والتربية إلى إعلان إقفال دور الحضانة والمدارس الأربعاء، استتبع بقرار لرئاسة الوزراء اعتبار هذا النهار عطلة في المؤسسات الرسمية تجنبًا لمزيد من حالات الاختناق التي غصت بها المستشفيات.
وأعلنت مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت الدولي، أن مصدر العاصفة هو الحدود العراقية - السورية، وأنها ستستمر الأربعاء وتنحسر الخميس، مشيرة إلى أنها لم يشهد لها مثيل منذ ربيع عام 1998، والتي كانت أشد من التي تعصف الآن ومن مصدر مختلف.
وحذرت مصلحة الأرصاد الجوية المواطنين في المناطق الشمالية والبقاعية من الرؤية السيئة ودعتهم إلى البقاء في أماكن محمية نسبيًا من الغبار.
أرسل تعليقك