أبرزت المبايعة السريعة للأمير (الملك الأن) سلمان بن عبد العزيز خادماً جديداً للحرمين الشريفين وعاهلاً للمملكة العربية السعودية، ومن ثم تعيينه الأمير مقرن بن عبد العزيز ولياً للعهد تنفيذاً لأمر الملك الراحل عبدالله، ومن ثم مبايعته أيضاً، دحضاً للتكهنات الكثيرة حول مسار قيادة أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، ورسالة تطمين واضحة للشعب السعودي والعالمين العربي والغربي.
ومن المتوقع أن يستمر الملك السعودي الجديد في نهج أخيه الراحل، خصوصاً أنه بارع في إدارة التوازن الدقيق للمصالح الدينية والقبلية والأميرية، التي تحدد السياسة السعودية، مع الحفاظ على علاقات جيدة مع الغرب.
كان نبأ رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز حدثاً عالمياً تناقلته كل وسائل الإعلام في المعمورة. ويأخذ موقع “العرب اليوم” جولة في أبرز ما تناقلته الصحف الغربية عن وفاة “ملك الإنسانية” كما يلقب والرجل الذي تزعم الأمتين العربية والإسلامية لعقود.
لندن تنكس علمها فوق المباني الحكومية
ذكرت جريدة "الدايلي ميل" أن حكومة لندن قامت بتنكيس علمها فوق المباني الحكومية وكذلك كنيسة ويستمنستر. وجاء الأمر من وزارة الثقافة والإعلام والرياضة أمس لخفض الأعلام فوق المباني الحكومية كعلامة احترام الملك. وأعلن قصر "باكنغهام" أن الأمير تشارلز سوف ينضم لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون في رحلته المتجهة الى المملكة العربية السعودية اليوم السبت، لتقديم التعازي شخصيًا جنبًا إلى جنب مع مجموعة من زعماء العالم.
وصرح رئيس الوزراء السابق توني بلير أن الملك الراحل "كان محبوبًا من قبل شعبه وسنفتقده بشدة. أنا أعرفه جيدًا وأقدره كثيرًا. وعلى الرغم من اضطرابات الأحداث في المنطقة من حوله، فإنه لا يزال حليفًا مستقرًا وسليمًا، وكان صبورًا ومحدثًا ماهرًا”.
أما ملكة بريطانيا فقالت إن "الملك سوف يُذكر لفترة طويلة من قبل جميع الذين يعملون من أجل السلام والتفاهم”. ولفتت الصحيفة إلى إشادة الرئيس الأميركي ب "اعتقاد الملك عبدالله الراسخ والعاطفي بأهمية العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية".
ماذا فعل الملك عبد الله تجاه المملكة العربية السعودية؟
من جانبها، أعدت جريدة "الإندبيندت" تقريراً يتضمن ما حققه الملك عبد الله بن عبد العزيز للمملكة العربية السعودية في مختلف نواحي الحياة. فتحدثت عن الإصلاح الاجتماعي مشيرة إلى أن كثيرون كانوا ينظرون إلى "الملك، الذي رفض أن يلقب بـ"جلالتكم"، نظرة المصلح الوديع، ويرجع له الفضل في محاولة تحقيق التوازن بين التقاليد والحداثة”. وبينت أنه عمل "دفعة محدودة لحقوق المرأة، وفي عام 2011 أصدر مرسومًا يقضي بالسماح للنساء بالتصويت والترشح في الانتخابات البلدية عام 2015”.
وتقدر نسبة النساء السعوديات الائي يعملن خارج بيوتهن اليوم بحوالي 10 و 25%، كما تفتح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا أبوابها للرجال والنساء.
كما لفتت الصحيفة إلى قيادته القوية فأوضحته أنه "كان هناك رد فعل سريع للملك عبد الله في مواجهة ثورات الربيع العربي التي كانت تحدث في سوريا ومصر، ولعب دورًا رئيسيًا في دعم قادة الدول المجاورة, ولعب دورًا رائدًا في دعم الحكومة المصرية عام 2012، وأيضًا ضد الثورات ضد الرئيس السوري بشار الأسد”. وبيّنت الصحيفة "إعلان مفتي الجمهورية، أعلى سلطة دينية في البلاد، أن الإسلام يمنع احتجاجات الشوارع”. كما تحدثت “الإنديبندنت” عن صداقة الملك الراحل عبدالله مع زعماء العالم مشيرة إلى تمتعه ب"صداقة حقيقية ودافئة مع باراك أوباما، وكان يوصف بأنه أكثر زعيم عربي مؤيد للغرب”. ولفتت إلى تصريح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأنه "يشعر بحزن عميق لسماع نبأ وفاته”. وأضاف كاميرون أن "الملك عبد الله سوف يذكر بسبب خدمتة للمملكة لسنوات طويلة، ولالتزامه بالسلام وتعزيز التفاهم بين الأديان". كما آمِل كاميرون "بصدق استمرار العلاقات الطويلة والعميقة بين المملكتين، وأنه من الممكن مواصلة العمل لتعزيز السلام والازدهار في العالم".
وتابعت الصحيفة تقريرها بالقول أن المللك عبدالله "سمح بوجود انتقادات مهذبة له ولأسرته، وأشرف على إنشاء صفحة “فيسبوك"، التي تسمح للمواطنين بتقديم شكاواهم".
العائلة المالكة وبساطة الجنازة
ذكرت صحيفة "الغارديان" أن دفن الملك عبدالله جاء في طقوس بسيطة. فالجثة كانت ملفوفة في كفن بسيط مع عدم وجود أي أعلام أو تشريفات، وتم دفنه في قبر بلا علامة لتجنب خطر أن يصبح مزارًا”. وحضر الجنازة ملوك وأمراء وزعماء دول ووفود عديدة، وحتى إيران التي تعتبر ألد منافسي المملكة أرسلت وزير خارجيتها لحضور الجنازة وتقديم التعازي.
وبشكل عام، تضيف “ لغارديان” فقد حاز انتقال السلطة في السعودية درجات عالية من اهتمام الخبراء المتابعين, فصرح الخبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن "أنتوني كوردسمان” أنه "ليس هناك ما يدل على أن الملك الجديد أو أولياء عهده لن يدعموا بشكل مستمر الخبراء المتخصصين وصفوة المتعلمين ورجال الأعمال في المملكة السعودية. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد أي مؤشر خطير للاضطرابات الشعبية أو السخط في الأجهزة الأمنية السعودية".
الملك الجديد وسياسة النفط
من ناحيتها، ذكرت جريدة "نيويورك تايمز” بأنه "من غير المحتمل أن يغير الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز السياسة النفطية".
وأكد محللون أن موت الملك عبدالله لن يمنع المملكة من الحفاظ على المستوى العالي لإنتاج النفط، بالرغم من الانخفاض الحاد في أسعاره. ويعلن مراقبون أنه وعلى المدى الطويل "لن يكون من السهل التخلي عن نتائج سياسة المملكة العربية السعودية، وذلك بإجماع قادة المملكة وخبراء الطاقة”.
وصرح نائب الرئيس وعضو مجلس التنفيذي السابق لشركة "أرامكو” السعودية (شركة النفط الوطنية) سداد الحسيني أنه لا يوجد أي سبب على المدى القريب لتعديل موقف المملكة.
وتعد المملكة العربية السعودية الأكثر تأثيرًا من بين 12 عضوًا ل"أوبك" لأنها إلى حد بعيد أكبر منتج للنفط، والوحيدة التي لديها القدرة على تغييرالناتج بشكل كبير لتؤثر على الأسواق. وفي كانون الأول/ ديسمبر، أنتجت المملكة العربية السعودية نحو 9.6 مليون برميل بشكل يومي، بانخفاض طفيف عن الشهر السابق، ولكن لا يزال يشكل نحو 10% من الإجمالي العالمي.
وأشار الحسيني إلى أن "المملكة شرحت موقفها بالتفصيل للحفاظ على حصة إنتاجها من النفط في اجتماع "أوبك" في تشرين الثاني/ أكتوبر في فيينا، وأنه من المرجح أن تنتظر على الأقل عدة أشهر لترى تأثير سياستها”. وأضاف أنه "من غير المرجح أن تعكس المملكة سياسة قد أعلنتها للتو مع النتائج التي لا تزال تتطور".
ولفتت “نيويورك تايمز” إلى إعلان الملك سلمان بن عبدالعزيز في خطاب تلفزيوني يوم الجمعة, أن "المملكة لن تغير الحال وسوف تحافظ على السياسات الصحيحة التي تتبعها منذ تأسيسها”. وكان قد بدا "مؤيدًا للسياسات الحالية للنفط في خطاب ألقاه نيابة عن شقيقه الراحل في وقت مبكر من هذا الشهر.
وارتفع سعر خام برنت، المعيار الدولي، إلى ما يقرب من 2% إلى 49،45 دولار للبرميل في التعاملات الصباحية أمس، ما عكس حالة عدم يقين لدى التجار حول استمرارية السياسة السعودية. ولكن السوق محى الكثير من هذه المكاسب بعد أن صرح الملك الجديد أن السياسة سوف تظل دون تغيير، فانخفضت الأسعار نحو 60% منذ حزيران/ يونيو وسط وفرة الإنتاج وتباطؤ الطلب العالمي.
وصرح محلل شؤون الشرق الأوسط في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى "سيمون هيندرسون" أنه "من المرجح أن يتم عقد مقاليد السلطة، بما فيها التحكم في سياسة النفط، من قبل مجموعة من المستشارين يتم تشكيلهم الآن حول الملك".
وأضاف هيندرسون، كما نقلت “نيويورك تايمز” أن الملك سلمان بدأ بتحضير مجموعة مستشاريه التي يتوقع أن تضم عدداً من أبنائه. وقد عيّن ابنه محمد بن سلمان رئيسًا للديوان الملكي ومستشارًا خاص به, بدلًا من كبير مستشاري الملك عبدالله "خالد التويجري”. ومن المرجح أن يكون إبن الملك شخصية محورية جنبًا إلى جنب مع الإبن الأخر عبد العزيز، المسؤول الكبير في وزارة النفط.
وصرحت وكالة الأخبار السعودية الرسمية, أن وزير النفط علي النعيمي، الذي يشغل منصبه منذ 19 عامًا، وكان كبير دعاة سياسة المملكة في الحفاظ على حصتها في السوق، سوف يبقى في منصبه.
ويبدو أن السعوديين وغيرهم من منتجي الخليج العربي مقتنعين بأن قطع إنتاجهم في السوق المتخمة بالإمدادات يفيد فقط المنتجين الأخرين. ويستغرق موقف السعودية والخليج وقتًا طويلًا لإحداث هزة بين منتجي النفط، والتي قد تقوي موقف منتجي النفط منخفض التكلفة في منطقة الشرق الأوسط.
وتابعت “نيويورك تايمز” التي أفرغت حيزاً كبيراً للحديث عن موضوع النفط والمملكة، فنقلت تصريح المحلل في شركة " Energy Aspects " في لندن "ريتشارد مالينسون” الذي يتوقع "أن تظل السياسة النفطية السعودية متسقة في عهد الملك سلمان, في حين أنه في حدود سلطته إجراء تغييرات جذرية عكس السياسات الحالية، ولكن لا توجد مؤشرات في الوقت الحالي تفيد أنه قد يفعل ذلك".
وقامت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة، بتعديل إنتاجها للحفاظ على توازن الأسواق وتثبيت الأسعار في حدود 100 دولار للبرميل. ولكن لإنخفاض الأسعار في الصيف الماضي، رفض السعوديون وأعضاء "أوبك" الخليجين التدخل، والمساهمة في الإنخفاض الحاد.
وأشارت الصحيفة إلى أنباء عن أن النعيمي (79 عامًا)، أخبر أصدقائه انه يفضل أن يتقاعد ويقضي بعض الوقت في مساعي أخرى مثل دوره كرئيس لجامعة العلوم والتقنية التي سميت بسم جامعة عبدالله، ولكنه لم يتقاعد بناء على طلب الملك الراحل. وتعد وفاة الملك عبدالله الوقت المناسب لتغير قادة النفط في المملكة، على الرغم من أنه لا يوجد مرشح واضح لخلافة النعيمي.
وبيّنت أنه يوجد دلائل تذكر بأن النعيمي يواجه تحديات على المدى القريب. فرجل النفط السعودي، يجب أن يكون لديه مزيج نادر من المعرفة والدهاء السياسي لإدارة العائلة المالكة والدوائر الأخرى في المملكة. وبالنسبة لإنخفاض أسعار النفط، ففي حين أن المنتجين الخليجيين قد يكون لديهم أصول احتياطية كبيرة للتخفيف من الإنخفاضات الحادة للدخل، فسوف يتم تقليص حصة بعض الدول مثل فنزويلا وإلى حد أقل الجزائر وإيران ونيجيريا إذا استمرت أسعار النفط في الإنخفاض.
أرسل تعليقك