عناصر من الجيش التونسي
عناصر من الجيش التونسي
تونس ـ أزهار الجربوعي
كشف محامي موقوفين تونسيين في قضايا إرهاب، الحقوقي التونسي أنور أولاد علي لـ"العرب اليوم" أن ما لا يقل عن خمسة عناصر من الذين كشفت وزارة الداخلية عن هوياتهم لتورطهم في عمليات إرهابية، قد أفرج عنهم القضاء، وهو ما اعتبره "أخطاء وخروقات إجرائية فادحة" وقعت فيها الحكومة التونسية بسبب تسرّعها في
اتخاذ قرار حظر تنظيم "أنصار الشريعة" الجهادي، الذي اعتبره استجابة لضغوط فرنسية وأميركية، في حين اتهم حقوقيون الحكومة بتجاوز صلاحياتها والتعدي على السلطة القضائية من خلال التصريح بأسماء متهمين مازالوا يتمتعون بقرينة البراءة إلى أن يثبت القضاء إدانتهم، محذرين من عقوبات جماعية غير عادلة.
ولئن اعتبر المحامي أنور أولاد علي أن وزارة الداخلية التونسية نطقت بجزء من الحقيقة فيما يتعلق بتورط عناصر في قضايا إرهاب وتسريب أسلحة واغتيالات سياسية من خلال تمرير شهادات واعترافات موثقة، إلا أنه استنكر ما وصفه، "تسرّعا في إصدار أحكام على أشخاص لم يقل فيهم القضاء كلمته الفصل".
وكشف محامي عدد من الموقوفين في قضايا إرهاب وعضو "لجنة الدفاع عن القضايا العادلة"، أن عددا من المحامين يدرسون فكرة اللجوء للقضاء للطعن في قرار الحكومة التونسية القاضي بحظر تنظيم "أنصار الشريعة" السلفي الجهادي وتصنيفه في خانة "الحركات الإرهابية".
واعتبر المحامي أن الاعتراض على قرار الحكومة يأتي من باب الخشية في السقوط في اتهامات بالجملة وتسليط عقوبات جماعية جائرة، وهو ما وصفه بـ"الخطير".
وقال المحامي أنور أولاد علي، إن الحكومة التونسية باعتبارها سلطة تنفيذية تعدّت على السلطة القضائية، بعد إقدامها على فضح أسماء متهمين لم تثبت إداناتهم بعد، والحال أن قضاياهم مازالت متداولة عند القضاء، متسائلا "ماذا سيكون موقف الحكومة ووزارة الداخلية في صورة حكم القضاء بعدم سماع الدعوى وتبرئة بعض الأسماء التي نشرتها وأعلنت عنها دون أن تراعي الحرمة المعنوية والحياة الخاصة لمتهمين مازالوا يتمتعون بقرينة البراءة إلى أن يثبت القضاء عكس ذلك؟".
وانتقد أولاد علي الندوة الصحافية التي قدّمت خلالها وزارة الداخلية تبريرات لقرار الحكومة إعلان تنظيم أنصار الشريعة "تنظيما إرهابيا"، مؤكدا أنه تخللتها العديد من "الأخطاء الفادحة"، حيث كشف لـ"العرب اليوم" أن ما لا يقل عن خمسة عناصر من الذين كشفت وزارة الداخلية عن هوياتهم لتورطهم في عمليات إرهابية، تم الإفراج عنهم من قبل القضاء، ثلاثة منهم يوم الندوة الصحافية وهم أحمد بن رحومة وعبد الله بن عزيزة وماهر عكاري، فيما تم الإفراج عن اثنين آخرين في وقت سابق.
واعتبر عضو لجنة الدفاع عن "القضايا العادلة" المحامي أنور أولاد علي، أن هذا التسرّع الذي أوقع الحكومة في أخطاء جسيمة، يعود أساسا إلى تدخل أطراف أجنبية، معتبرا أن حظر تنظيم أنصار الشريعة السلفي الجهادي برمته، جاء بإيعاز أمريكي فرنسي، إلى جانب ضغوط داخلية ، مشيرا إلى أن هذا الإجراء جاء تحت ضغوط خارجية غربية ترفض التيارات السلفية والحركات الجهادية، مستشهدا في هذا الصدد بتصنيف أميركا لقنوات إعلامية وحركات مقاومة على غرار "حماس الفلسطينية" في خندق التنظيمات"الإرهابية".
وقال محامي عدد من المتهمين التونسيين في قضايا إرهاب، أنور الحاج علي "وضع الحكومة الداخلي ليس بخير، ونعتقد أنها أرادت تعويم الأزمة السياسية التي تعيشها عبر تشتيت الأنظار عنها وحث الرأي العام على التركيز على الإرهاب، وهو ما سهّل بعض القوى الداخلية والخارجية التي استغلّت وضع الحكومة الهش والمرتبك لتمرير ضغوطها وأجنداتها".
ولم يستبعد عضو "لجنة الدفاع عن القضايا العادلة"، فرضية وجود اختراق مخابراتي أجنبي لتنظيم أنصار الشريعة السلفي الجهادي، لافتا إلى أن تونس عاشت انفلاتا أمنيا عقب ثورة َ14 كانون الثاني/يناير 2011، فسحت المجال أمام دخول جهات استخباراتية أجنبية وعربية على رأسها الموساد الإسرائيلي.
وانتقد حقوقيون تونسيون إعلان الحكومة تصنيف تيّار أنصار الشريعة السلفي "حركة إرهابية"، مستنكرين كشف وزارة الداخلية عن أسماء متهمين لم تثبت إدانتهم قضائيا، حيث قالت رئيسة مكتب "هيومن رايتس ووتش" في تونس آمنة قلالي إن وزارة الداخلية من خلال كشفها عن هويات الأفراد المتورطين في الإرهاب تجاهلت قرينة براءتهم، مؤكدة أن أي عنصر يشتبه في ارتكابه جريمة لا يمكن اعتباره مذنبا قبل أن يحكم عليه من قبل المحكمة.
واعتبر رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء أحمد الرحموني أن تصنيف الحكومة "أنصار الشريعة" كمنظمة إرهابية لا يعاقب أعضاءه، وأضاف الرحموني أن هذا التصنيف هو "تصنيف سياسي وإداري غير ملزم المحكمة"، وفق قوله.
واعتبر المرصد التونسي لإستقلال القضاء أن حظر تنظيم أنصار الشريعة، ستكون له تداعيات محسوسة على عدد من الحقوق الأساسية كحق الاجتماع وحق التنقل والملكية مع احتمالات التجاوز والخلط بين الممارسات الدينية وأعمال العنف، محذرا من استعمال التصنيف الإرهابي كأداة زجرية للأفراد والمنظمات لمنعها من التجمع أو التواصل لينتهي الأمر إلى مجموعة من العقوبات الجنائية خارج إطار المشروعية والمحاكمة العادلة.
واعتبر مرصد استقلال القضاء، أن اتهام أنصار الشريعة بالتورط في علاقة مع تنظيم القاعدة وبالضلوع في اغتيال المعارضين التونسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، "استباقا للتحقيق وحلولا محل القاضي المُتعهد بكل ملف وتجاوزا للسلطات المقررة نظريا للقضاء وخرقا لسرية التحقيقات".
ولاحظ رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء والقاضي التونسي السابق أحمد الرحموني ما وصفه بـ" التطور السريع" في موقف الحكومة تجاه "انصار الشريعة" خصوصا وأن رئيس الوزراء التونسي علي العريّض، رفض منذ ثلاثة أشهر وصم جماعة أنصار الشريعة بـ"الإرهاب".
وأمام هذا الكم الهائل من الانتقادات الموجهة للحكومة ووزارة الداخلية بخرق سرية الأبحاث والتعدي على صلاحيات السلطة القضائية، يرى مراقبون أن الحكومة تسعى إلى تعويم الأزمة السياسية وتشتيت الأنظار عن مطالب المعارضة الداعية إلى إسقاطها، في حين يرى آخرون أنها تقايض بقاءها في السلطة عبر مبايعة القوى الغربية من خلال تجريمها للتنظيمات الإسلامية التي تثير قلق الغرب، في حين يحذر حقوقيون من إعادة تونس إلى مربع القمع والتضييق على الحريات والأحكام الجائرة والإيقافات التعسفية المبنية على الظنون والنوايا والانتماءات الجماعية لا الأخطاء الفردية.
أرسل تعليقك