هيئة انتخابات في إيران
طهران ـ مهدي موسوي
يتوجه ملايين الناخبين الإيرانيين خلال الشهر المقبل إلى صناديق الاقتراع لاختيار بديل للرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد، الذي سبق وأن حظي بدعم خامينئي خلال انتخابات 2005، والذي فاز أيضًا بفترة رئاسة ثانية العام 2009 في انتخابات وُصفت على نطاق واسع بأنها مزورة، ولا يزال زعيم حزب "الخضر" الذي زعم
أنه الفائز بانتخابات 2009 مير حسين موسوي يخضع للاعتقال المنزلي، أما أنصاره فهم إما بلا قائد ينظمهم أو في السجون أو في المنفي.
ونشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تحقيقًا تناولت فيها موضوع انتخابات الرئاسة الإيرانية المحفوفة بالمخاطر بالنسبة إلى إيران وربما أيضًا بالنسبة إلى العالم، إذ أن المواجهة بين الغرب وإيران بشأن برنامجها النووي والعقوبات الدولية والأزمة الاقتصادية الإيرانية الكارثية والآمال المنعقدة على حدوث تغييرات داخلية، يمكن جميعها ان تتأثر بنتيجة الانتخابات.
وأشارت الصحفية في ذلك إلى صورة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامينئي والتي يتزين بها جدار كبير داخل الوزارة التي يتم فيها تسجيل مرشحي الرئاسة الإيرانية، بالإضافة إلى صورة مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران آية الله روح الله الخميني التي تعلو صورة المرشد الأعلى بقليل، وذلك للتذكير بأن النظام السياسي الذي يحكم الجمهورية الإسلامية التي أسسها سيظل معقدًا وغامضًا إلى الأبد.
وما لم تحدث مفاجآت فإن النظام الانتخابي الإيراني لن يسمح لشخصية معارضة وصريحة بخوض انتخابات الرابع عشر من حزيران/ يونيو.
ومع ذلك، فإن اللحظات الأخيرة لتسجيل مرشحي الرئاسة، السبت الماضي، شهدت الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رافنسنجاني، الذي كان يتمتع بنفوذ وقدرات عملية في السياسة الإيرانية عشرات السنين، وهو يقوم وعلى نحو مثير بقلب كل الافتراضات التي كانت تقول إن المنافسة في الانتخابات سوف تكون فقط بين مرشحين من ذوي التيار المحافظ الثابت على المبدأ.
وتشير امرأة إيرانية إلى مفاجأة الانتخابات وتقول إنه وعلى الرغم من أن الناخب الإيراني يبدو غير مهتم بذلك إلا أنه سوف يتوجه في اللحظة الأخيرة إلى صندوق الاقتراع ويدلي بصوته.
ويظل الخبراء والمراقبون في حالة حيرة حيث يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران صادق زيباكلام "إن هناك الكثير من التساؤلات التي لم تجد بعد إجابة في هذا الشأن".
ويقول الكاتب في دورية الشؤون الخارجية الإيرانية محمد علي شعباني "إن المعركة الانتخابية ليست مجرد معركة من أجل الرئاسة والسلطة، وإنما أيضًا من أجل اتجاه إيران ككل في المستقبل".
وتقوم وسائل الإعلام الرسمية في إيران بالثناء على عملية تنظيم الانتخابات وتصفها بالنموذجية، وتتوقع أن تشهد الانتخابات المقبلة أعلى نسبة تصويت، في محاولة منها لتقديم الدليل على أن النظام الديمقراطي الإيراني يعمل بكفاءة.
ومع ذلك وعلى الرغم من هذا الحماس الإعلامي الرسمي فإن الشارع الإيراني يشهد قدرًا من اللامبالاة بسبب الذكريات المريرة، خاصة الكيفية القاسية التي تم بها قمع المظاهرات الاحتجاجية في أعقاب الإعلان عن فوز أحمدي نجاد العام 2009.
وتتوقع مورفاريد التي تعمل مديرة تأمين أن يتم "تزوير هذه الانتخابات مثلما حدث في السابق"؛ لأنها لا تعتقد بأن أي مرشح يختلف أيديولوجيًا مع خاميني يمكن أن ينجو من تصفيات مجلس الوصاية.
ويوجد هناك مشككون آخرون يقولون إنهم سوف يدلون بأصواتهم لتجنب عقوبة عدم التصويت، ولكنهم سوف يفسدون بطاقاتهم الانتخابية ويجعلونها باطلة.
ويبقى هناك من يقول إن المفاجآت المثيرة التي طرأت أخيرًا قد تحدث تغييرًا حقيقيًا في الانتخابات.
ويحذر أحد المواطنين من أنه ما لم يشارك المعارضون في التصويت فإن النظام سوف يصبح غالبية ويستمر في قيادة البلاد وفقًا لأولوياتهم.
وتعترض فتاة أخرى وتقول "إن ما حدث في الانتخابات السابقة يؤكد على أن الناخبين أمثالها لا أهمية لهن، حيث يتعرضن للضرب والسجن والاغتصاب، مما اضطر البعض إلى مغادرة البلاد"، وتضيف أنها إذا شاركت في التصويت فإنها بذلك تغفر للنظام كل ما فعله.
أما أنصار النظام الحاكم فإنهم يقولون إن من واجبهم مساعدة النظام في الدفاع عن الثورة الإسلامية.
وتضم مجموعة المرشحين كلاً من سعيد جليلي المُوالي والمخلص لخامينئي، والذي كان رئيس وفد المفاوضين الإيرانيين في المحادثات النووية، والوسطي حسن روحاني الذي سبق وتعامل مع الملف النووي، وعمدة طهران محمد باقر قاليباف، والقائد السابق للحرس الثوري، وعلي أكبر ولاياتي الذي كان يومًا ما وزيرًا للخارجية وهو من المحافظين.
ويبقى أيضًا رافسنجاني الذي قرر الترشح في اللحظة الأخيرة، والذي يرجع له الفضل في إقناع الخوميني بإنهاء حرب السنوات الثماني الطاحنة مع العراق.
ويقول السفير الإيطالي في إيران في فترة نجاد الأولى روبرتو توسكانو "إن إيران دائمًا ما تتسم بالغموض؛ لأنها تنأى بنفسها عن البساطة، وفي هذه المرة ستكون الأمور أكثر تعقيدًا وأكثر تناقضًا، فالمرشد الأعلى يطلب رئيسًا تابعًا خانعًا ولكنه في الوقت نفسه في حاجة إلى رئيس قادر على حل بعض المشاكل المستعصية. لقد خاب أمله في أحمدي نجاد".
ويملك خاميني مقاليد الأمور في البلاد، وخاصة أمور الأمن القومي وبالتحديد الملف النووي والملف السوري، وذلك بمساعدة الحرس الثوري وأجهزة المخابرات والسلطة القضائية والسلطة الدينية.
وقام أخيرًا بتحذير الناخب الإيراني، وطالبه بألا يصوت لمرشح يدعو إلى تسوية مع الولايات المتحدة.
ويرى البعض أن الانتخابات ضرورية لدعم ثقة النظام في نفسه خلال المحادثات النووية، حتى يثبت أنه لا يزال قويًا وقادرًا على السيطرة على البلاد.
غير أن أهم ما يثير القلق حاليًا هو الحالة الاقتصادية في البلاد، التي وصلت إلى أسوأ مراحلها منذ نهاية الحرب مع العراق العام 1988.
ويقول موظف إيراني إنه لا يهمه من يكون الرئيس ويؤمن بمشيئة الله، ويأمل في شخص يستطيع حل أزمة البلاد الاقتصادية لأنه ضاق كثيرًا بسبب ارتفاع الأسعار والتضخم.
لكن مورفاريد تصر على ضرورة أن تشهد البلاد تغيرًا سياسيًا فهي تريد رئيسًا قادرًا على التغيير السياسي، حتى ولو لم يحسن الاقتصاد، فهي تفضل رئيسًا ديمقراطيًا غير خبير في عالم الاقتصاد على رئيس غير ديمقراطي وخبير في الاقتصاد.
ويقول محمد كروبي ابن مهدي كروبي "إن الشعب الإيراني يشعر بأن تحسن العلاقات مع أميركا يعني تحسن الاقتصاد"، ويضيف "إن الناس تعاني من ضغوط هائلة ومن نقص الأدوية بسبب العقوبات الغربية".
ويتساءل المراقبون مع اقتراب موعد الانتخابات عن ما إذا كان يمكن لرحيم مشائي حليف نجاد والذي يكرهه خامينئي وأنصاره أن يحصل على موافقة مجلس الوصاية لخوض الانتخابات.
ويتوقع البعض أنه في حال عدم حصوله على الموافقة فإن نجاد سوف ينقلب على خاميني، وربما يكشف أسرار حقيقة ما حدث العام 2009.
ويتساءل البعض أيضًا عما إذا كان رافسنجاني قادرًا بالفعل على المنافسة.
ويظل من الخطأ الاعتقاد بأن هذه الانتخابات فارغة وبلا معنى كما يردد الراديكاليون من معارضي النظام، فقد سبق وأن طرات تغيرات على النظام في عهد رافسنجاني وخاتمي، وعلى الرغم من أن إيران ليست ديمقراطية إلا أنها ليست مركزية تمامًا.
ولا يزال هناك من يدعم النظام ورؤية الخميني بقوة، ويقول إنه عندما يتوجه إلى صندوق الاقتراع فإن أولوياته تنحصر في دعم الثورة الإسلامية والمرشد الأعلى، ثم يأتي بعد ذلك اختيار الرئيس الأنسب لذلك.
أرسل تعليقك