الرئيس اللبناني أمين الجميل
بيروت – جورج شاهين
أفرج الأرشيف الوطني البريطاني عن وثائق ومراسلات بين رئيسة الحكومة البريطانية مارغريت تاتشر وبعض زعماء العالم في العام 1983، الذي شهد تجديد فترة انتخاب تاتشر رئيسة للحكومة بعد انتخابات عامة تلت الانتصار البريطاني في جزر فوكلاند واستعادتها من الارجنتين. و
شهدت السنة صراعاً بين قادة الاتحاد السوفيتي اثر وفاة الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف قبل شهور وتولي يوري اندروبوف المنصب في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 1982، مما أثر في محادثات التسلح بين الشرق والغرب.
وعربياً شهد العام، وتتمة للغزو الإسرائيلي للبنان منتصف السنة 1982، إرسال قوات دولية بقيادة أميركا إلى لبنان والهجوم الانتحاري الذي شنه شخصان مرتبطان بــ "حزب الله" على ثكنة المارينز وأخرى للقوات الفرنسية في بيروت في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 1983، مما تسبب في مقتل241 أميركياً و58 فرنسياً وستة مدنيين والانتحاريين اللذين قادا شاحنتين محملتين بأطنان من المتفجرات.
و يذكر أنه منذ 16 أيلول/ سبتمبر 1982 وبعد وقوع مجزرة صبرا وشاتيلا، التي استهدفت الفلسطينيين المدنيين بعد انسحاب قوات منظمة التحرير من لبنان، انشغلت الحكومة اللبنانية ومعها الجامعة العربية ودول العالم الغربي بمحاولة تشكيل قوة متعددة الجنسيات تساعد الحكومة اللبنانية على بسط سيطرتها على مختلف الاراضي اللبنانية، ومن ثم اقناع اسرائيل بسحب قواتها من لبنان، تمهيداً لسحب القوات السورية من الشمال والبقاع الوسط والشمالي، حيث بدأت تتجمع قوات غريبة فلسطينية وايرانية بتشجيع من الرئيس السوري الذي كان يعتبر البعد اللبناني مجالاً حيوياً لسياسته في المنطقة، وليساوم الاسرائيليين في اي تسوية مقبلة.
وكان أمين الجميل رئيسا للجمهورية اللبنانية في حينه وهو الذي تسلم الرئاسة اللبنانية بعد انتخابه في 21 ايلول / سبتمبر 1982 بعد اغتيال شقيقه المنتخب بشير الجميل في 14 ايلول / سبتمبر العام 1982 ، كلف السيد شفيق الوزان بتشكيل حكومة جديدة، التي صدرت مراسيمها في 7 اكتوبر 1982 وتسلم فيها الدكتور ايلي سالم منصب نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية. واشار في البيان الذي تلاه أمام النواب، طالباً ثقة المجلس النيابي الى ان هدف حكومته وهاجسها الاول، وهدفها المركز، يظل، إكمال تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي واخراج سائر القوى غير اللبنانية من ارضه، فإسرائيل قد هاجمتنا، اخترقت حدودنا، حلت في مناطقنا، وبلغت عاصمتنا، وهي، وان كانت قد جلت عن بعض الامكنة، فلا تزال تحتل أجزاء كبيرة من وطننا، على الرغم من قرارات الامم المتحدة، ومجلس الامن الدولي، وعلى الرغم من انقضاء خمسة شهور على الاجتياح.
ولم يُشر البيان صراحة وبالاسم الى القوات السورية او الفلسطينية او حتى عناصر الحرس الثوري، التي بدأت تتجمع في البقاع. وتحدث البيان عن جولة الرئيس أمين الجميل في العواصم الكبرى التي زارها وطلب ايفاد قوات متعددة الجنسيات الى لبنان، لمساعدته في الشهور الست الأولى على استعادة سيادته وتمتين ديموقراطيته.
وفي وثائق رئاسة الحكومة البريطانية تقرير يتضمن محضر لقاء بين السيدة مارغريت تاتشر ووزير الخارجية اللبناني ايلي سالم في 10 كانون الأول / ديسمبر 1982، ومع أن تاتشر لم تقطع اي تعهدات للوزير اللبناني الزائر، الا انها طلبت فور انتهاء اللقاء اعادة النظر فيما قررته الحكومة سابقاً عدم ارسال اي قوة، ولو رمزية الى لبنان، للعمل ضمن القوات متعددة الجنسية، على الا يزيد عدد هذه القوة على 100 عنصر، يمكن سحبهم من قوات بريطانية تتمركز في قبرص.
ووفق الوثيقة، التي ارسلت نسخة عنها الى وزارة الخارجية، طلبت تاتشر عقد اجتماعين في شان الأمر مع كل من وزير الدفاع ووزير الخارجية .
وجاء في التقرير أن نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية اللبناني إيلي سالم افتتح الحديث مع السيدة تاتشر بعدما سلمها رسالة من الرئيس اللبناني أمين الجميل، وقال «اننا معجبون في لبنان بتأييدك الشديد للحرية والقضايا العادلة، واعجب لبنان بكيفية تعاملك مع أزمة فوكلاند وكيف حررتها ممن احتلها».
وأشار الوزير، وفي حضور السفير اللبناني خليل مكاوي الى انه «للمرة الأولى في تاريخ البلاد اصبح للبنان حكومة وزعيم شاب يعمل 20 ساعة يومياً. ان لبنان كان يؤمن دائماً بالديموقراطية، لكنه عانى سابقاً من حكومات ضعيفة ودمرت بناه عبر سلسلة من التدخلات الفلسطينية والاسرائيلية.. نحن اليوم في طريقنا الى بناء لبنان قوي، سيزيد عدد جيشنا الى 60 الف رجل من ثلاثين الفاً، وسنضاعف حجم قوى الامن الداخلي.. ان الحكومة ستحكم ولن تفاوض اي طرف مسلح او مع المجرمين».
وتحدث عن بقاء ثلث الأراضي اللبنانية تحت السيطرة الإسرائيلية، وعن أن الحكومة اللبنانية ترى أن انسحاب كل القوات الأجنبية أمر مطلوب، لأن بقاء الاسرائيليين سيؤجج الخلافات الطائفية ويمنع تحرير باقي الأراضي اللبنانية من القوات السورية التي تسيطر على ثلثي لبنان.
واتهم الوزير سالم سورية بإحضار قوات ايرانية الى لبنان «التي بدأت تغيير معالم بعلبك وتركيبتها الاجتماعية، مما يعني أن انسحاب القوات الأجنبية أولوية للبنان». وقال «لا يمكن الانتظار ستة شهور، لأنه بعد هذه الفترة سيصبح الأمر متأخراً، خصوصاً اذا بدأ الاسرائيليون انشاء مستوطنات ومستعمرات في الجنوب.
كما تحدث الوزير عن الحاجة الى دعم سياسي والى مساهمة بريطانية، ولو رمزية، في القوات المتعددة الجنسيات لمساعدة لبنان في اعادة بناء الدولة.
وفي المقابل ذكرت تاتشر الالتزامات البريطانية الكبيرة من آسيا الى الشرق الاوسط، خصوصاً في الخليج وسيناء وقبرص، وقالت إن التزامات فوكلاند كبيرة. و أعربت عن القلق البريطاني من الانغماس في صراعات غير متوقعة محلية وإقليمية خصوصاً مع الوجود العسكري الاسرائيلي والسوري والفلسطيني .
وشددت على ان الحكومة البريطانية تؤيد جهود الحكومة اللبنانية كي تنسحب القوات السورية والاسرائيلية من لبنان، وقالت "إن الأمر يحتاج إلى وقت، ويستلزم مفاوضات شاقة ومكثفة قد تتجاوز فترتها ستة شهور".
وأكد سالم على أن إعادة بناء الجيش بسرعة عبر ضم عناصر الميليشيات اليه سيساعد في ملء الفراغ الذي سينتج عن انسحاب الاسرائيليين والسوريين. وقال «ان لبنان لن يكون ثانية مركزاً للإرهاب، ولن تعود قوات منظمة التحرير ثانية الى لبنان، وان الـ7 آلاف مقاتل فلسطيني في الشمال يجب انسحابهم بسرعة .
وتدخل السفير مكاوي قائلاً إن لبنان كان بلداً مستقراً بين 1943 و1975، وأن الاضطرابات الأخيرة كانت قوى أجنبية تغذيها.
وقالت تاتشر "إن الاسرائيليين يؤسسون لأمر واقع في الجنوب، وبريطانيا تعارض السياسة الاسرائيلية في جنوب لبنان".
وحضّ سالم على أن تساهم بريطانيا على الاقل بقوة رمزية لفترة ثلاثة شهور واذا لم يظهر تحسن في الوضع تسحب لندن قوتها بهدوء، مشدداً على اهمية دعم الديموقراطية في لبنان.
وقال الوزير اللبناني "إن مختلف الميليشيات بدأت تسلم أسلحتها ما عدا فئة واحدة وعدت بالتخلي عن السلاح بعد الانسحاب الفلسطيني الكامل من الأراضي اللبنانية".
وأضاف "إن لبنان يساهم بدوره في ابعاد النفوذ السوفيتي عن الشرق الاوسط عبر بناء دولة لا يؤيد ابناؤها الحكم التوتاليتاري".
و أشارت تاتشر إلى أنها لن تعد بشيء اليوم، بل ستدرس الأمر للمساهمة ولفترة محدودة جداً. ووفق الوثيقة دام اللقاء نحو 50 دقيقة وبأكثر من 20 دقيقة على الوقت المقرر.
وجاء في برقية من السفير البريطاني في بيروت، سبقت اللقاء، موجز عن نشاط الحكومة اللبنانية لاستحضار قوات أجنبية الى لبنان، ضمنها السفير معلومات عن الوزير سالم ونشاطه السابق وعن زوجته فيليس سالم الاميركية الجنسية، وقال «انها التقت الوزير عندما كان يدرس في واشنطن، وهي كانت تعمل في وزارة الخارجية الاميركية».
وقال السفير إنها عادت الى لبنان ودرست في الجامعة الاميركية لتحصل على ماجستير في الفلسفة، وهي تتحدث العربية بطلاقة وتفهم جداً في الشؤون اللبنانية.
وجاء في رسالة بتاريخ 21 كانون الأول / ديسمبر 1982 من داوننغ ستريت الى وزارة الخارجية أن تاتشر لا ترى فائدة حالياً للاتصال مع الاسرائيليين والسوريين والفلسطينيين لاستكمال انسحابهم من لبنان.
وكان وزير الخارجية في حين فرنسيس بيم أبلغ السفراء البريطانيين في المنطقة في 17 كانون الأول/ ديسمبر الاستعداد للاتصال بالفرقاء الثلاثة في شأن الانسحاب من لبنان.
يشار الى ان مراسلات ظهرت بين الوثائق تفيد بأن وزيري الداخلية والدفاع كانا يتحفظان عن اي مشاركة بريطانية، ولو رمزية، في القوة المتعددة الجنسيات في لبنان «بسبب تعقيدات الموقف هناك".
أرسل تعليقك