خلت شوارع العاصمة اليمنيّة، بعدما استفاقت على واقع سياسي وأمني جديد، غداة سقوطها الدراماتيكي في قبضة الحوثيين، من أي حضور لسلطات الدولة اليمنية، في ضوء انتشار كثيف لمسلحي الجماعة، الذين شرعوا في جمع غنائمهم من الأسلحة الثقيلة والخفيفة، وإرسالها إلى معاقلهم شمال العاصمة، على الرغم من توقيعهم اتفاق "السلم والشراكة" مع الأطراف الأخرى السياسية برعاية الأمم المتحدة.
وأعلنت السلطات الحكوميّة، الإثنين، عن انتشال أكثر من 200 جثة خلّفها القتال في الأيام القليلة الماضية، فيما غطت شعارات الجماعة وراياتها واجهات المباني الحكومية والجدران، ونشر مسلحوها مئات من النقاط الأمنية في شوارع صنعاء وجنوبها، حيث سيطروا على منزل خصمهم اللواء علي محسن الأحمر، ومنزل القيادي في حزب "الإصلاح" الشيخ حميد الأحمر.
وشوهدت، في ضوء هدوء طاغ في العاصمة اليمنية وحركة خجولة للسكان، عشرات الدوريات التابعة لجماعة الحوثيين وهي تجوب المدينة وتنتشر في محيط المؤسسات الحكومية والوزارات وداخل المطار، كما شوهد أنصار الجماعة يجمعون الدبابات والمدافع والعربات المدرعة والأسلحة الخفيفة من موقع ما كان يعرف بـ"الفرقة الأولى المدرعة"، ومواقع اللواء الرابع، والحماية الرئاسية، والقيادة العامة للقوات المسلحة.
ولم يتبدّد الغموض في شأن الوجهة التي فر إليها اللواء علي محسن الأحمر عقب خسارته المعركة، في حين دعت الجماعة مؤيديها إلى الاحتفال بالانتصار عبر إطلاق الألعاب النارية، كما بشر الناطق الرسمي باسمها محمد عبد السلام بخطاب جديد لزعيمها عبدالملك الحوثي، يذاع مساء الثلاثاء، يواكبه احتفال شعبي.
إلى ذلك، عقد الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، الإثنين، اجتماعًا للحكومة، التي كان رئيسها محمد سالم باسندوة أعلن استقالته، الأحد، لكن رئاسة الجمهورية لم تعترف بها، وقال هادي "تمّ تلافي مزيد من التداعيات بالتوقيع على الوثيقة الوطنية مع الحوثيين، التي تمثل مخرجًا وطنيًا مشرفًا وملائمًا لتجنيب اليمن مزيدًا من التدهور والأزمات".
وحثّ هادي أعضاء الحكومة التي ستتولى تصريف الأعمال حتى تشكيل حكومة جديدة في غضون شهر، على "الاستعداد الكامل واليقظة من أجل الحفاظ على ممتلكات الدولة في الوزارات والمعسكرات والمؤسسات والهيئات الحكومية".
واستقبل هادي سفراء الدول العشر الراعية للعملية الانتقالية، منبّهًا إلى أنَّ "الأوضاع خطيرة"، وأضاف "تم تحاشي المواجهة والحرب لئلا تضطرم نيرانها وتتوسع وتصبح حربًا أهلية شاملة".
واستعرض الرئيس اليمني مضمون الوثيقة التي وقعتها الأطراف السياسية والحوثيون ليل الأحد، بعد مفاوضات ماراثونية أشرف عليها مستشار الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن جمال بنعمر.
وتقضي وثيقة الاتفاق بوقف فوري لإطلاق النار وتشكيل حكومة كفاءات في غضون شهر، وتعيين مستشارين لهادي من جماعة "الحوثيين" و"الحراك الجنوبي"، يتشاور معهم في شأن أعضاء الحكومة المقبلة، على أن يترك للرئيس اليمني اختيار وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والمال.
ونص الاتفاق على خفض إضافي لأسعار الوقود، وتنفيذ الحكومة المقبلة إصلاحات اقتصادية، وإعادة النظر في تشكيل الهيئة الوطنية للإشراف على مخرجات الحوار الوطني.
وتحفّظت جماعة الحوثيين على بنود الملحق الأمني للاتفاق الذي سمي "اتفاق السلم والشراكة الوطنية"، ما ألقى الكثير من الشكوك في شأن جدية الجماعة في التزام بنوده.
ويتضمن الملحق الأمني خطوات إجرائية تكفل انسحاب الجماعة من مناطق عمران شمال صنعاء، وتطبيع الأوضاع فيها، ووضع آلية بمشاركة الأمم المتحدة وكل الأطراف لنزع الأسلحة الثقيلة من الأفراد والجماعات، بما فيها جماعة الحوثيين.
وكان أمين العاصمة عبدالقادر هلال، وهو من الشخصيات المقبولة لدى الحوثيين وأحد المفاوضين المتمرسين، أعلن استقالته، الأحد، احتجاجًا على ممارسات مسلحي الجماعة، مؤكدًا عدم قدرته على تأمين الحماية لسكان صنعاء.
وجاء توقيع وثيقة الاتفاق مع الحوثيين، ليل الأحد، بعد تسارع الأحداث والمواجهات في المدينة في صورة دراماتيكيّة، إثر أربعة أيام من الاشتباكات العنيفة بين قوات الجيش يقودها اللواء علي محسن الأحمر، مدعومة بمسلحين من حزب "الإصلاح"، وبين مسلحي الجماعة، الذين اجتاحوا الأحياء الشمال غربية، والشمالية، في العاصمة، وسيطروا على مقر التلفزيون والمطار ومقر "الفرقة الأولى المدرعة" (سابقًا)، والقيادة العامة للقوات المسلحة، والبنك المركزي.
وفي جدة، أعرب مجلس الوزراء السعودي عن أسفه لما شهده اليمن من أحداث الأحد، مؤكدًا أن هذه الأحداث خطرة وتهدد أمنه واستقراره، مرحّبًا باتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي وقّعته الأطراف السياسية في صنعاء، منوهًا بما عبّر عنه البيان الصادر عن المجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في اجتماع نيويورك، وما أكّد عليه من وقوف مع اليمن ودعمه الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، لجهوده في الحفاظ على الشرعية وحقن الدماء.
وكانت دول المجلس قد عبّرت عن أسفها "العميق وقلقها البالغ من الأحداث الأخيرة في اليمن"، كما رحبت بالاتفاق الذي تم التوصل إليه، متمنية أن يؤدي إلى وقف العنف وتعزيز أمن اليمن واستقراره، وأعربت عن أملها بأن يتجاوز اليمن هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه.
يذكر أنَّ النائب الإيراني علي رضا زاكاني قال، في ندوة في مدينة مشهد الإيرانية، قبل أيام، أنَّ "محللاً سياسيًا أشار إلى أنَّ الثورة الإسلامية تسيطر علی ثلاثة عواصم عربية، وفي القريب العاجل ستسيطر علی صنعاء، ليتم تنفيذ نظام وحدة المسلمين".
أرسل تعليقك