يواصل الجيش الإسرائيلي عمليّاته العسكريّة في منطقة رفح جنوب قطاع غزة دون أن يواجه قتالا مباشرا، إلا فيما ندر، وفقا لروايات شهود عيان بأنّ مسلّحي حركة حماس لا يظهرون علنا لملاقاة القوّات الإسرائيليّة.أحد الشهود قال "كأنّ الأرض ابتلعتهم" مشيرا إلى المسلحين الفلسطينيين في رفح، التي يتنقل فيها الجيش الإسرائيلي من مكان إلى آخر دون إنجازٍ حقيقيّ، بعدما وضع هدفا مسبقا هو تدمير أربع كتائب لحركة حماس هناك.
لكن يبدو أنّ تلك الكتائب التي تحدّث عنها الجيش الإسرائيليّ قُسّمت إلى مجموعات صغيرة ولا تعمل بشكل جماعّي، وهو الأمر الذي جعل مسألة القضاء على أفرادها مهمة أكثر صعوبة أمام الجيش الإسرائيلي.
يأتي هذا في وقتٍ يواصل فيه الجيش الإسرائيلي غاراته الجوية المكثّفة بحثا عن نصر منشود وتحقيق أهداف الحرب المتمثّلة في القضاء على حكم حماس في القطاع.
ووفقا لشهودُ عيان ما زالوا موجودين في رفح، فإنّ الجيش الإسرائيليّ يعمل بتخبّط في المدينة "ويبحث عن هدف ليس موجودا على الأرض".
أحد الشهود أشار إلى أنّ مسلّحي حماس يظهرون فجأة ويشتبكون مع الجيش الإسرائيليّ وربّما يقصفون آلياته أو يستهدفونها بعبوات ناسفة.
الورقة الأخيرة
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد ترك رفح كورقة أخيرة لمساومة حركة حماس من أجل إبرام صفقة لتبادل الأسرى والمحتجزين وفق معايير تحددها إسرائيل.
لكنّ إصرار الحركة على شرط وقف الحرب دفع نتنياهو إلى استخدام تلك الورقة الأخيرة، وهو يدرك أنّه إذا استنفدها لن يجد ما يقوله للإسرائيليين بعدما يفرغ من العمل العسكري في رفح دون أن يحقّق أهداف الحرب المنشودة.
الجنرال الإسرائيلي المتقاعد يسرائيل زيف اعتبر في تحليل نشره موقع القناة 12 في هيئة البثّ الإسرائيليّة أنّ إسرائيل "تغرق في وحل غزة ولا تعرف كيف تخرج منه" قائلا إنّ حماس لم تعد تولي أهميّة للدفاع عن الأرض، وبالتالي أصبح القتال ضدها من الممكن أن يستمرّ لسنوات دون هدف.
زيف، الذي صبّ جام غضبه على حكومة نتنياهو واتهمها بأنّها لا تعرف كيف تُدير أمورها، قال إنّ "وضع العنف داخل قطاع غزّة وعدم القدرة على جلب المساعدات الإنسانيّة وتوزيع الغذاء يزداد سوءا".
أضاف "غزّة باتت مثل الصومال في أفضل حالاتها؛ وقد تمّ نهبُ معظم المساعدات الإنسانيّة؛ وتُعاني قطاعات كبيرة من السكّان من نقص الخدمات الأساسيّة. الأمم المتّحدة نفسها تُلقي بمسؤوليّة الفوضى المتزايدة بين سكان القطاع البالغ عددهم 2.5 مليون نسمة على إسرائيل، باعتبارها القوّة المحتلّة".
واعتبر أنّ "وهم رئيس الوزراء (نتنياهو) بإمكانيّة السيطرة على الوضع المتدهور من دون اتخاذ أيّ قرار لن يتحقّق" قائلا إنّ الجيش الإسرائيلي تُرك له العنان في غزّة للقتال وفق أهواء الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
كما حذّر زيف من أنّ ما يفعله نتنياهو في غزّة سيؤدّي إلى تعميق أزمة الثقة مع الولايات المتحدة وتآكل العلاقات مع مصر، التي من غير المرجّح أن تتعاون في ضرورة مراقبة محور فيلادلفيا.
حرب عصابات
وقال زيف "جنُودُنا يتحرّكون في أزقّة رفح بحثا عن النصر. ولا يُمكن حتّى وصف السيطرة على رفح واحتلالها بأنه إنجاز تكتيكي كبير؛ فمعظم مسلّحي حماس لا يُقاتلون؛ هم تسللوا وسيعودون مع النازحين العائدين".
أضاف "الأنفاق التي تمّ تفجيرها ستُجدّد بعد رحيل الجيش الإسرائيلي، ومجموعة الأسلحة والأنفاق بأكملها لا تستحقّ الثمن الذي دفعته إسرائيل مقابل ذلك".
وحول تغيير حركة حماس تكتيكها القتالي، قال زيف إن "حماس صامدة؛ وقد انتقلت بالكامل إلى أسلوب حرب العصابات. ما يحدث في رفح دليل على أنّ المواجهة على الأرض فقدت معناها... ليس لدى حماس نقصٌ في الوسائل القتاليّة التي تُمكّنها من القتال ضدنا بهذه الطريقة حتى لسنوات عديدة".
وعلى الأرجح، فإنّ حركة حماس تعوّل على أنّ الأيّام القادمة ستشهد تخفيفا للعمليّات العسكريّة في قطاع غزة إلى الحدود الدُنيا في ظلّ الاعتقاد بتكثيف القتال جبهة جماعة حزب الله اللبنانيّة، حيث قال نتنياهو يوم الأحد الماضي إنّ المعارك مع حماس في رفح تقترب من نهايتها.
وقال زيف "السنوار متفائلٌ جدّا بالتصعيد في الشمال؛ لقد أصبح حلمه بحرب إقليميّة أقرب من أيّ وقت مضى؛ كما أنّ فرصة التوصّل إلى صفقة رهائن ثنائيّة تتضاءل؛ وفي تقديره، فإنّ الوقت يعمل لصالحه. ولهذا السبب، فهو ليس في عجلةٍ من أمره لوقف إطلاق النار".
أضاف "أيّ تقدّم في المفاوضات مع إسرائيل سيواجَه عراقيل بمطلب آخر وهكذا؛ فالسنوار لا مصلحة له الآن في إعطاء مكافأة لنتنياهو بإطلاق سراح الرهائن، وبالتأكيد لا مصلحة له في وقف التصعيد في الشمال وفي الضفة الغربية أيضا كما يبدو".
ويرى زيف أنّ إسرائيل غارقة في حرب "بلا أيّ اتجاه" وليس لديها خطّة أو أهداف قابلة للتحقيق، أو حتّى استراتيجيّة للوصول إلى أهدافها في الجنوب أو في الشمال، محذّرا من أنّ إسرائيل تنجرف نحو تصعيد إقليميّ "دون حسيب أو رقيب".
وقال إنه لا يجب القبول بقرارات تدفع إسرائيل إلى حربٍ أخرى أكثر خطورة في لبنان، حيث من المرجّح أن تقود الحرب في الشمال إلى حربٍ إقليميّة شاملة بمشاركة مباشرة من إيران ووكلائها.
المكابح الأميركية
وتحاول الولايات المتّحدة الضغط على المكابح لمنع إسرائيل من الانجراف نحو حرب في لبنان قد تتحوّل إلى حرب إقليميّة.
ونقلت هيئة البثّ الإسرائيليّة أمس الاثنين عن رئيس أركان الجيش الأميركي الجنرال تشارلز براون قوله إنّ واشنطن ستجد صعوبةً في مساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها في حالة نشوب حرب واسعة النطاق ضد جماعة (حزب الله) كما كان الحال مع الهجوم الإيرانيّ في أبريل نيسان الماضي.
وشدد براون خلال لقاء مع وزير الدفاع الإسرائيليّ يوآف غالانت على أنّ الهجوم الإسرائيلي على لبنان كفيل بأن يزيد خطر نشوب صراع واسع النطاق "من شأنه أن يجرّ إيران والميليشيات الشيعيّة التي تموّلها".
وقال براون إنّ "الأصعب جدا هو إنشاء نظام دفاعيّ فعّال ضد صواريخ جماعة حزب الله والصواريخ القصيرة المدى التي يتمّ إطلاقها بشكل منتظم وروتينيّ على إسرائيل".
واعتبر أنّ الاحتمالات تتزايد بأن تختار إيران الدخول في صراع مباشر مع إسرائيل في حال نشوب حرب بين الجيش الإسرائيلي وجماعة حزب الله، مشيرا إلى أن إيران ستميل أكثر إلى الانضمام للحرب إذا شعرت أن الجماعة اللبنانية معرّضة للخطر.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
«حماس» تطلق سراح إسرائيلية وطفليها بعد احتجازهم في غزة
مقتل فلسطينيين في هجوم للمستوطنين في الضفة الغربية
أرسل تعليقك