يواجه رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، اختباراً صعباً قد يحدد بقاءه أو رحيله عن السلطة، إذ يستعد البرلمان لجلسة استثنائية، الأحد، تسعى المعارضة من خلالها إلى سحب الثقة من الحكومة، في وقت تزداد الضغوط على الحكومة، في ظل أزمة اقتصادية تشهدها البلاد، والأنباء التي تتحدث عن توتر بين لاعب الكريكيت السابق والجيش.وخسر خان البالغ من العمر 69 عاماً، الأغلبية البرلمانية بسبب سلسلة من الانشقاقات عن حزبه، وبينما يطالبه تحالف للمعارضة بالتنحي، ولكنه تعهد بالكفاح من أجل البقاء في المنصب.
كان من المقرر أن تبدأ مناقشة برلمانية بشأن التصويت ضد خان الخميس، لكن رئيس الجمعية الوطنية "البرلمان"، وهو عضو في حزب خان، أجّل الجلسة على الفور إلى الأحد، وسرعان ما دعت أحزاب المعارضة رئيس الوزراء إلى الاستقالة حتى قبل جلسة التصويت.وقال زعيم المعارضة شهباز شريف، الذي ينتمي لحزب "الرابطة الإسلامية " الذي يقوده شقيقه، رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف، وهو يقرأ اقتراح حجب الثقة في بث مباشر على التلفزيون: "لم يعد رئيس الوزراء يشغل منصبه بعدما فقد ثقة هذا المجلس".
وفي تصريحات أطلقها من البرلمان، قال رئيس حزب الشعب المعارض بيلاوال بوتو زرداري، نجل رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو "أريد أن أقدم لكم (حكومة خان) اقتراحاً بأن تقوموا بخروج مشرف، والخروج المشرف هو أن تستقيلوا اليوم".لكن خان رفض تلك الدعوات، متهماً "دولة غربية"، لم يذكر اسمها، بدعم تحركات سياسية للإطاحة به، وذلك وفق قوله "على خلفية زيارته مؤخراً إلى موسكو لإجراء محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
وقال في خطاب أذاعه التلفزيون الوطني: "لم أقبل الهزيمة في حياتي أبداً. مهما كانت نتيجة التصويت سأتقدم بقوة أكبر".كما يواجه رئيس الوزراء الباكستاني انتقادات متزايدة بشأن أداء حكومته، بما في ذلك إدارة اقتصاد البلاد الذي تأثر بشكل كبير جراء تداعيات وباء كورونا، وتعوّل حكومته على صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة إنقاذ قيمتها 6 مليارات دولار، لدعم احتياطيات العملات الأجنبية المتناقصة.
ولعلّ جلسة "سحب الثقة" المنتظرة ليست التحدي الوحيد الذي يواجه عمران خان، إذ حتى لو نجح في البقاء على رأس الحكومة، سيكون عليه إعادة ترميم علاقته مع الجيش التي شهدت وفقاً لتقارير عديدة، بعض التوترات في الفترة الأخيرة.
وذكرت وكالة "رويترز" نقلاً عن محللين، أن خان لطالما تمتع بدعم الجيش عندما فاز في الانتخابات لمنصب رئيس الوزراء عام 2018، لكنه خسر في ما بعد تفضيل الجنرالات جراء خلافات بشأن بعض القضايا، ما قد يُفقده بعض أوراق القوة التي تمتع بها خلال 4 سنوات في الحكومة.
وبحسب تقرير لمجلة "تايم" بدأ الخلاف بين خان والمؤسسة العسكرية العام الماضي، بشأن اختيار قائد المخابرات الداخلية التي تشرف على الأمن الداخلي، إذ طلب قمر جاويد قائد الجيش تعيين الجنرال نديم أنجوم، إلا أن خان أرجأ الأمر قبل أن يعلن رسمياً دعمه للجنرال فايز حميد الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه حليفه للبقاء في المنصب، لكن بعد مواجهة استمرت عدة أسابيع، مضى قائد الجيش في طريق تعيين مرشحه رئيساً للاستخبارات.
وينص القانون الباكستاني على أن رئيس الوزراء يُعين رئيس المخابرات بناءً على توصية من الجيش، غير أن المعارضة شككت في دوافع خان، إذ اتهم نواز شريف، رئيس الوزراء السابق، الجنرال فايز حميد بتدبير الإطاحة به، عبر تهم فساد عام 2017.
وأشارت المجلة إلى أن خان كسر المحرمات عندما تحدث في تجمع عام عن مناقشة خاصة أجراها مع قائد الجيش خلال وقت سابق، وذلك للرد على مزاعم تدخل الجيش في السياسة.وقالت شايستا تبسم، الرئيسة السابقة لقسم العلاقات الدولية بجامعة كراتشي، إن "ذكر الجيش علناً في المنتديات السياسية هو أكبر خطأ ارتكبته هذه الحكومة".
وأضافت: "خان ووزراء حكومته كانوا يجرون الجيش علناً إلى السياسة، مرددين أقوالاً من قبيل أن الجيش وراءنا، ونتمتع بدعم قائده".وفي أحد الأمثلة على الدعم الذي كان يحظى به خان من المؤسسة العسكرية والأمنية، أشارت المجلة إلى أنه غالباً ما قام ضباط المخابرات باستدعاء بعض السياسيين الذين ينتقدون رئيس الوزراء في البرامج التلفزيونية، ويطلبون منهم التزام الصمت. لكنها أضافت نقلاً عن شخص مطلع رفض الكشف عن هويته، أن الحال تغيّر الآن.
ولطالما شهدت باكستان وهي دولة نووية منذ ثمانينيات القرن الماضي، صراعات بين النخبة السياسية والجيش الذي حكم البلاد لنحو نصف تاريخها، ومع ذلك، فقد تعرض خان لانتقادات شديدة، في ضوء علاقته الوثيقة مع الجيش، حيث وعد بعد فوزه في الانتخابات عام 2018، بالإشراف على "باكستان الجديدة" للتخلص من الفساد والمحسوبية.
مؤامرة أجنبية
في خطابه الخميس، وصف خان محاولات الإطاحة به أنها "مؤامرة أجنبية" تدعمها دولة غربية غير راضية عن زيارته الشهر الماضي إلى موسكو للقاء بوتين.وكان خان قد زار موسكو، والتقى بالرئيس فلاديمير بوتين في اليوم نفسه الذي غزت فيه القوات الروسية أوكرانيا المجاورة.
ولم يذكر خان علناً اسم الدولة التي قال إنها تتآمر عليه، مكتفياً بالإشارة إلى كونها "دولة أجنبية"، ولفت إلى أن حكومته تمتلك "وثيقة رسمية" تثبت المؤامرة.وأضاف: "إنها (الوثيقة) تقول إننا سوف نغفر لباكستان إذا خسر عمران خان تصويت حجب الثقة. ولكن إذا فشل (سحب الثقة)، فسوف يتعين على باكستان أن تواجه أوقاتاً صعبة".
وقبل خطابه، عقد خان اجتماعاً للجنة الأمن القومي (NSC) لمناقشة الوثيقة، التي وصفت بأنها "اتصال رسمي من مسؤول كبير في دولة أجنبية بسفير باكستان في الدولة المذكورة خلال اجتماع رسمي".
وجاء في بيان رسمي عقب اجتماع مجلس الأمن القومي الباكستاني، أن إسلام أباد تُعرب عن قلقها البالغ إزاء الاتصال.
وتابع البيان: "خلصت اللجنة إلى أن الاتصال يرقى إلى (تدخل فاضح) في الشؤون الداخلية الباكستانية، ولذلك سوف تتخذ إسلام أباد خطوة قوية تجاه ذلك البلد".
وفي حديث لـ"الشرق" قال الدبلوماسي الباكستاني السابق جاويد حافظ، إن هناك أنباء حول تلقي رئيس الوزراء عمران خان نصائح من الجيش بتأجيل زيارته إلى روسيا التي سبقت الحرب على أوكرانيا، تفادياً لحساسيات قد تسفر عنها الزيارة، إذ "يرى الجيش أن العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة وأوروبا مُهمة من ناحية التجارة والتعاون العسكري".
وسط التوترات الداخلية التي تشهدها باكستان، كشف وزير الإعلام الباكستاني شودري فؤاد حسين، أنه تم اتخاذ إجراءات لتعزيز أمن رئيس الوزراء عمران خان، بعد أن أفادت الأجهزة الأمنية بوجود مؤامرة لاغتياله، من دون الكشف عن المزيد من التفاصيل بشأن الجهة التي تقف وراء مثل هذا المخطط.
وعبر تغريدة في حسابه بـ"تويتر"، الجمعة، قال حسين: "ذكرت الأجهزة الأمنية أنه تم التخطيط لمؤامرة لاغتيال رئيس الوزراء عمران خان. وبعد هذه التقارير تم تعزيز إجراءات أمن رئيس الوزراء وفقاً لقرار الحكومة".
وكانت باكستان شهدت في 27 ديسمبر 2007 عملية اغتيال أودت بحياة رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو، بعد مغادرتها تجمعاً انتخابياً حزبياً لأنصارها في مدينة راولبندي، حيث أطلق أحد المسلحين النار عليها، قبل أن يفجر انتحاري نفسه على بعد 25 متراً.
وقد وجهت الشرطة الباكستانية في مطلع عام 2008 اتهاماً رسمياً إلى بيت الله محسود، زعيم حركة "طالبان باكستان".
سيناريوهات "سحب الثقة"
وبينما تسعى أحزاب المعارضة الباكستانية للإطاحة برئيس الوزراء عمران خان الأحد، تبدو سيناريوهات جلسة "سحب الثقة" متباينة إلى حد ما في ظل التحالفات القائمة.
ووفقاً للدستور الباكستاني، يتم انتخاب رئيس الوزراء بأغلبية مجلس النواب الذي يضم 342 عضواً، وهذا يعني أن المرشح يحتاج إلى أغلبية بسيطة تبلغ 172 صوتاً ليصبح رئيساً للوزراء.
كما تتطلب عملية سحب الثقة من رئيس الوزراء وحل الحكومة الرقم ذاته من الأصوات.
وفي الانتخابات الماضية حصل خان بمساعدة حلفائه على 172 صوتاً، واليوم تضم حركة "تحريك إنصاف" الحاكمة التي أسسها خان قبل نحو 26 عاماً، 155 عضواً في البرلمان.
وخلال جلسة "سحب الثقة" الأحد قد تنجح المعارضة في الإطاحة برئيس الوزراء الباكستاني، وذلك في إذا استطاعت بلوغ الرقم المطلوب (172) صوتاً، وإذا ما حدث هذا فسيتمكن البرلمان من استكمال فترة حكمه حتى أغسطس 2023، ومن ثم ستجرى جولة تصويت لانتخاب رئيس وزراء جديد، وتقدم جميع الأحزاب مرشحيها للمنصب.
أما إذا لم يتمكن أي مرشح من الحصول على الأغلبية، فسيتم إجراء انتخابات جديدة، وهكذا سيكون بإمكان رئيس الوزراء الجديد أيضاً الدعوة إلى انتخابات فوراً، من دون الانتظار حتى عام 2023.
وقد لا تسير عملية التصويت خلال جلسة "سحب الثقة" في صالح خان، ولا سيما بعد أن فقد أغلبيته في البرلمان إثر الانشقاقات التي شهدها تحالفها الرئيسي.وفي رده على سؤال "بشأن ميزان القوة في الصراع السياسي المحتدم، قال الدبلوماسي الباكستاني السابق، جاويد حافظ، إن المعارضة اليوم في موقع أقوى من عمران خان، وتتمتع بعدد كافٍ من الأصوات للإطاحة به، وأضاف: "أتوقع أن نشهد تغيير رئيس الوزراء في الأسبوع المقبل".
لكن جاويد اعتبر أنه من الصعب لائتلاف المعارضة، حتى لو أطاح برئيس الوزراء، أن يحكم باكستان بصورة مستقرة، فهو "ائتلاف ضعيف"، وتوقع أيضاً أن يصبح خان قائداً للمعارضة، مستفيداً من القوة الكبيرة التي يتمتع بها، ما قد يجعله الأوفر حظاً لكسب السباق الانتخابي المقبل، بصورة ساحقة، وفق تعبير الدبلوماسي السابق.
قد يهمك ايضا:
رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان وعقيلته يؤديان مناسك العمرة
باكستان تستدعي قوات الجيش لتطبيق القيود الخاصة بكورونا
أرسل تعليقك