الخرطوم ـ معاوية سليمان
رفض جناح إصلاحي داخل حزب "المؤتمر الوطني العام" الحاكم في السودان، "القمع" الذي واجهت به السلطات التظاهرات المعارضة لإلغاء الدعم عن المحروقات، والذي أسفر عن سقوط 33 قتيلاً على الأقل خلال هذه الاضطرابات، واعتقال 600 شخص.
جاء ذلك في رسالة مفتوحة وجهها 31 مسؤولاً في الحزب الحاكم من "الجناح الإصلاحي"،
السبت، إلى الرئيس السوداني عمر البشير، حيث قالت الرسالة "إن الإجراءات الاقتصادية التي وضعتها الحكومة، والقمع الذي مورس ضد الذين عارضوها، بعيدة عن التسامح، وعن الحق في التعبير السلمي، وهي السبب الذي جعل الخرطوم تواجه منذ الإثنين الماضي موجة عنيفة من التظاهرات الرافضة لرفع الدعم، مما ادى إلى ارتفاع اسعارها بشكل كبير".
وأضافت الرسالة، التي تُعتبر بمثابة أول شرخ في جسم الحركة الإسلامية ، أن "هذه الإجراءات لم تجد قبولاً حتى من قطاعات (المؤتمر الوطني)، ومع ذلك أصرّت الحكومة على تطبيق الإجراءات كما هي، غير مبالية بآثارها ومدى قدرة المواطنين على احتمالها"، فيما وصفت "خطاب الحكومة عند تقديم حزمة الإجراءات عبر وسائل الإعلام، بالمستفز للمواطن، ولم تبدِ الحكومة الاكتراث اللائق لمشاعر المواطنين"، موضحة أن "الحكومة لم تسمح للمواطنين بالتعبير السلمي عن آرائهم وفق ما يكفله لهم الدستو، وأن عدم توافر فرص التعبير السلمي تغلبت العناصر التي تستغل هذه المواقف للتعبير العنيف، مما أدى إلى خراب كثير وإزهاق لأرواح عزيزة من بين المواطنين والشرطة وقوات الأمن، في مواجهات استخدمت فيها الذخيرة الحيّة".
ومن أبرز المُوقّعين على هذه الرسالة، المستشار الرئاسي السابق غازي صلاح الدين، والعميد السابق في الجيش السوداني محمد إبراهيم، وكان قد حكم على الأخير في نيسان/أبريل الماضي، بالسجن خمس سنوات بعد إدانته بمحاولة القيام بانقلاب على النظام العام الماضي، قبل أن يستفيد على غرار عدد آخر من الضباط من عفو رئاسي وكذلك تضم لائحة الموقعين ضباطًا في الجيش والشرطة متقاعدين، وأعضاء في البرلمان، ووزير سابق.
ولفت المُوقّعون على المذكرة، إلى أن "أهم مقاصد الشريعة التي جعلتها حكومة الإنقاذ شعارًا لتعظيم حرمة الدماء، والعدل بين الرعية، ونجدة ضعفائها، ورحمة فقرائها، وإحقاق الحقوق ومن بينها حق الاعتقاد والرأي والتعبير عنهما"، مضيفة "لكن حزمة الإجراءات التي طبقتها الحكومة، وما تلاها من قمع للمعارضين لها، أبعد ما يكون عن الرحمة والعدل وإحقاق حق الاعتقاد والتعبير السلمي"، فيما طالبت الرسالة بـ"إيقاف الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام و إطلاق الحريات كما يكفلها الدستور، ومن بينها حرية التظاهر السلمي، وإجراء تحقيقات محايدة بشأن إطلاق الذخيرة الحية على المواطنين، ومعاقبة المسؤولين عنه، مع تعويض المواطنين المتضررين جرّاء القتل والجراحات والتخريب، وعلى الرئيس البشير التعامل مع تلك المطالب تعاملاً حكيمًا، وبيدكم درء الفتنة أو إثارتها، وإن مشروعية حكمكم لم تكن على المحك كما هي اليوم".
وقد أثارت المذكرة حالة من الجدل على الساحة السياسية، حيث أكد عضو مجلس قيادة الثورة العميد صلاح كرار، أن "هذه المذكرة لم تكن الأولى فقد سبقتها مذكرة أرسلت قبل شهر إلى الرئيس البشير، ولم ترسل تلك المذكرة عبر الحزب أو رئاسة الجمهورية، وتأكدنا أنها وصلت إلى الرئيس البشير بالفعل، لكن لم نتلق ردًا عليها".
وكشف كرار، وهو عضو في البرلمان، في تصريحات خاصة إلى "العرب اليوم"، أن "الكثير من قيادات الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) غير راضية عما جاء في السياسات الاقتصادية الأخيرة، وأن المجموعة التي وقعت على المذكرة لا تزال تحتفظ بعضويتها في الحزب الحاكم وفي الحركة الإسلامية، صحيح أنهم بعيدون عن مراكز صنع القرار، لكنهم يحتفظون بعضويتهم في الحزب والبرلمان"، فيما حذر من مخاطر عدة تُحيط بالوطن، وقال "أنا شخصيًا لو خيّرت بين بقاء الوطن وذهاب الحزب فسأختار بكل شجاعة بقاء الوطن وذهاب الحزب الحاكم"، مشيرًا إلى أن "الإنقاذ ومنذ سنوات، ظلت تتراجع عن شعاراتها المعلنة، وظللنا نحن نتحدث عن الاهتمام بقضايا المواطن ومحاربة الفساد وتداول السلطة مع الآخرين، إلا أننا لم نجد لدعوانا تلك آذانًا صاغية، ولذا أتت هذه المذكرة وهي رسالتنا الأخيرة، لأن الوضع لا يحتمل الانتظار".
وأوضح كرار، أنه "لابد من إصلاح سياسي، ليتيح الفرصة لعلاح الأزمة الاقتصادية، ومن دون ذلك لا يمكننا أن نتحدث عن إصلاح اقتصادي".
وقال الدكتور حسن عثمان رزق، أحد الموقعين على المذكرة، وهو الذي شغل مناصب وزارية عدة، ويًعد من أبرز قيادات الحركة الإسلامية، إن المذكرة صحيحة، وأنها رفعت إلى الرئيس السوداني كمحاولة للإصلاح، وإن القرارات الاقتصادية لم يوافق عليها الكثير من الشعب والقطاعات السياسية، وأن الحكومة لم تختر التوقيت المناسب لإعلان سياسات الإصلاح، بالنظر إلى التطورات الإقليمية في مصر وتونس، فقد تقود هذه السياسات إلى الفوضى وعدم الاستقرار، ونحن نعتقد أن المذكرة يجب أن تجد القبول، لأنها طرحت معالجات مفيدة للأزمة، و نرجو أن يكون فيها حل وخلاص من الأزمة التي يمر بها السودان".
وأشار رزق، في تصريحات إلى "العرب اليوم"، إلى أنه إذا تمت الموافقة على المذكرة فهذا هو المطلوب، أما إذا رُفضت، فإننا نكون برأنا أنفسنا".
وكشفت عضو المكتب القيادي في الحزب الحاكم، وأحد الموقعين على المذكرة د.عائشة الغبشاوي، أن "غالبية أعضاء الحزب مع الإصلاح، وأن قلة من أعضاء الحزب يرفضونه".
وردًا على سؤال لـ"العرب اليوم" بشأن جدوي إطلاق مذكرات تطالب بالإصلاح خارج أسوار الحزب، أجابت الغبشاوي، أنها "لا تشعر أن المذكرة خارج الحزب، لأن الإصلاح هو الخيار الذي فرض ذاته أخيرًا"، فيما وصفت المذكرة بأنها "أحدثت آثارًا قاسية على المواطنين، من دون مبررات مقنعة، كما أن الإجراءات لم تُجز من قِبل البرلمان".
ولا يعول مراقبون في السودان، على فاعلية التنظيم الوليد، لا سيما أنه أضاف لتحالف المعارضة تشكيلات نقابية جديدة، كانت جميعها موجودة في الساحة من دون ان تتمكن من استلام زمام المبادرة طوال السنوات الأخيرة، وتكسرت كل تحركاتها تحت قبضة السلطات الحكومية.
وأُعلن في الخرطوم، السبت، عن تشكيل "تنسيقية قوى التغيير السودانية" لمواجهة الحكومة والمضي في اتجاه إسقاط النظام الحاكم، والتي تتكون من ( قوى الإجماع الوطني – أحزاب المعارضة - وتحالف شباب الثورة السودانية ـ النقابات المهنية " الأطباء، لجنة المعلمين، نقابة أساتذة جامعة الخرطوم، التحالف الديمقراطي للمحامين، نقابة أطباء الأسنان، وتحالف منظمات المجتمع المدني).
وقالت بيان التنسيقية، التي أسندت رئاستها إلى الطبيب الشاب أمجد فريد، "إن السلطة الحاكمة منذ انقلابها في 30 حزيران/يونيو 1989، دأبت على قهر وقمع الشعب السوداني، ولم تتورع عن إشعال الحروب وتقسيم البلاد ونهب مقدرات وثروات الشعب السوداني باسم الدين، وإنها أذلت وقتلت مواطني دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة، وقبلهم في محرقة الأهلية في جنوب السودان، واعتقلت وعذّبت وقتلت المواطنين في الوسط والشرق والشمال، وإن السلطة تواصل اليوم نهجها ذاته في قتل المتظاهرين السلميين، الذين قالوا لا لتحميل الشعب السوداني فاتورة ربع قرن من السياسات الفاشلة والفساد وسوء الإدارة والحروب، وإن آلة العنف والقتل التي واجهت المتظاهرين السلميين، في الأيام الستة الأخيرة، أسقطت 116 قتيلاً بالرصاص الحي، فضلاً عن مئات الجرحى والمعتقلين".
ودعا البيان إلى "تنحي النظام فورًا وحلّ أجهزته التنفيذية والتشريعية جميعها، وتكوين حكومة انتقالية تضم أطياف الشعب السوداني كافة، تتولى إدارة البلاد لمرحلة انتقالية مقبلة، والمحاسبة والقصاص لكل من شارك في جرائم القمع والتعذيب والقتل في حق أبناء الشعب السوداني، وايقاف الحرب الدائرة فورًا، ووضع الأسس للسلام المستدام عبر عملية مصالحة وطنية شاملة، تُخاطب بذور الازمة السودانية"، مضيفًا "إننا لن ننخدع بآلة الإعلام السلطوي الكاذب الذي يحاول أن يوصم الانتفاضة المجيدة بجرائم التخريب، الذي يرتكبه أفراد أجهزته الأمنية، بينما يقابل أبناء شعبنا يوميًا سلطة القمع بصدور عارية وحناجر ملؤها الهتاف من أجل الحرية" .
أرسل تعليقك