غزَّة – محمد حبيب
غزَّة – محمد حبيب
يعاني مزارعو الأراضي الحدوديّة شرق قطاع غزَّة من انتهاكات الاحتلال الإسرائيليّ المتواصلة بحقّهم والتي تحول دون إمكانيّة وصولهم إلى أراضيهم فلم تنجح جميع المحاولات التي بذلها العديد منهم لزراعة أراضيهم بشكل كامل، مما اضطرهم لزراعة نصفها بالقمح خشية إطلاق قوّات الاحتلال الإسرائيليّ نيران أسلحتها
الرشّاشة باتّجاهه.
وتتعمَّد قوّات الاحتلال إطلاق نيران أسلحتها الرشّاشة صوب المزارعين وكلّ من يحاول الاقتراب ممّا تسمَّى بالمنطقة العازلة التي فرضتها على طول الحدود مع القطاع.
ووقّعت فصائل المقاومة في 20 تشرين ثان/ نوفمبر 2012، اتفاق تهدئة مع الاحتلال الإسرائيليّ برعاية مصريّة في القاهرة، يقضي بإلزام (إسرائيل) إلغاء ما يُسمّى بالمنطقة العازلة التي تفرضها على طول حدودها مع القطاع، والسماح للمزارعين بدخولها وفلاحتها، إلا أنّ الاحتلال لم يلتزم ببنودها.
وأكَّد عدد من المزارعين لـ"العرب اليوم" أنّ الاحتلال الإسرائيليّ يستهدف بشكل مباشر كلّ من يقترب من السّياج الأمنيّ حتى مسافة 500 متر.
وحرم هذا الوضع عددًا من المزارعين من زراعة أرضهم بشكل كامل أو حتى الوصول إليها، قبل وبعد توقيع اتفاق التهدئة برعاية مصريّة، والذي يقضي بإلغاء ما تُسمى بالمنطقة العازلة التي تفرضها (إسرائيل) على طول حدود القطاع، والسماح للمزارعين بدخولها وفلاحتها.
وأوضح المزارع أحمد الفيومي أن قوّات الاحتلال تطلق النار بين الفينة والأخرى على المزارعين وسكان المنطقة من أبراج المراقبة المنتشرة على طول الحدود مع غزَّة.
وأضاف : "لم أتمكّن من زراعة أرضي التي تبلغ مساحتها 30 دونماً بالحمضيات أو بأشجار الزيتون التي تحتاج إلى عناية مستمرّة واكتفيت بزراعة 15 دونماً بالقمح الذي لا يحتاج إلى العناية المستمرة؛ وذلك بسبب منعي من قِبل الاحتلال من الوصول لأرضي الزراعية الواقعة ضمن ما يسميه الاحتلال المنطقة العازلة".
وهذا الأمر لا يختلف كثيرًا عند مزارعي شمال القطاع الذين هم عرضة لنيران قوّات الاحتلال المتمركزة على طول الجدار العازل بين أراضي الـ48 وقِطاع غزَّة.
ويشير أسعد الشافعي (36 عامًا) الذي يعمل مزارعًا في الأراضي الزراعية التي تبعد قرابة كيلومتر عن السياج الحدوديّ في بيت لاهيا، شمال غرب مدينة غزَّة، إلى أنه يحاول طيلة الأيام الماضية الوصول إلى عمله، مشيراً إلى أن جنود الاحتلال يطلقون النار على المزارعين ما أدى إلى استشهاد المزارع مصطفى عبد الحكيم أبوجراد متأثرًا بجراحه.
ولفت إلى أن استشهاد وإصابة المزارعين والمواطنين يتسبب بفزع لكل من يقترب من المنطقة ما يضطرهم إلى تجنب الاقتراب منها إلا بحضور المتضامنين الأجانب الذين يحاولون منع الاحتلال من ارتكاب جرائمه بحق المزارعين.
ويؤكّد أن جنود الاحتلال يطلقون نيران أسلحتهم الرشاشة بشكل مباشر تجاههم، لافتًا إلى أن قوّات الاحتلال جعلت من حياتهم وكذلك السكان في المناطق صعبة جدًّا، بسبب ما تمارسه سلطات الاحتلال من توغلات مصحوبة بإطلاق النار.
ودعا عدد من مزارعي المناطق الحدوديّة فصائل المقاومة لمراجعة اتفاق التهدئة، مطالبين جمهورية مصر العربية بالضغط على سلطات الاحتلال ومنعها من التعدي على المزارعين.
من جهته، أكّد المنسق العامّ لنشطاء المقاومة الشعبية في غزَّة صابر الزعانين، أن سلطات الاحتلال لا تزال تواصل عدوانها على القطاع وتستهدف المزارعين دون أي ذنب يرتكبونه.
وبيَّن الزعانين ، استشهاد قرابة 6 مزارعين من بينهم مواطنان من المناطق الحدوديّة وإصابة قرابة 100 آخرين، إلى جانب اعتقال عدد منهم ومصادرة قوارب الصيادين وغيرها.
وأشار إلى أنه سيتم تنظيم عدد من الوقفات التضامنية مع المزارعين وسيتم مشاركتهم في زراعة وجني محصولهم بحضور عدد من نشطاء المقاومة الشعبية.
ودعا المقاومة الفلسطينية لإعادة النظر في اتفاق التهدئة الموقع مع الاحتلال في القاهرة نهاية العام الماضي، لاستمرار الانتهاكات المرتكبة بحق المزارعين وسكان القطاع، مطالبًا المجتمع الدولي بالخروج عن صمته وإدانة الاحتلال على جرائمه المتكررة.
وبعد أنّ طال غياب المزراعين عن أراضيهم التي تقع على المناطق المحاذية للشريط الحدوديّ التي تفرض عليها إسرائيل منطقة أمنيّة عازلة، اتّجه هؤلاء إلى زراعة أراضيهم بالزراعات البعلية التي تعتمد على مياه الأمطار لريّها بدل أشجار الزيتون والحمضيات التي تحتاج إلى مياه طوال العام.
وبين المزارع سالم أبو سعيد أن اسرائيل أقدمت في السنوات الماضية على تجريف أراضي المواطنين على الشريط الحدوديّ لمسافة تصل إلى 800 متر، مبينًا أنها دمرت أيضا مزارع الأغنام التي كان يمتلكها.
وأشار أبو سعيد إلى أن المزارعين اتجهوا لزراعة أرضيهم بالخضروات التي لا تحتاج إلى مياه الرّيّ وتعتمد على المطر كمحاولة للصمود والبقاء في أرضهم، مبيّنًا أنه يقوم حاليًّا وبدعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزراعة ما يقارب 5000 دونم بالقمح والشعير والبازلاء.
وأكد أبو سعيد أن المنطقة العازلة تعتبر منطقة خصبة بطبيعتها لا يمكن أن يدخلها متى شاء، لذلك ارتأى أن يزرعها بالخضروات وينتظر هطول الأمطار.
وأضاف أنّ إسرائيل ترصد تحركات المزارعين من خلال الرّادارات المنتشرة على الحدود، وتستهدف ما هو غير مألوف، الأمر الذي لا يجعله على تواصل دائم مع أرضه.
وحال "أبو سعيد" كحال غيره من المزارعين فجابر أبو عيادة فقَدَ 9 دونمات شرق منطقة مقبولة كانت مزروعة بـ217 شجرة زيتون قامت إسرائيل بتجريفها فاتّجه هذا العام لزراعتها بالقمح.
ويأمل أبو عيادة أن يتمكّن من العودة لزراعة أرضه حتى يستطيع أن يعيل أفراد عائلته الستة عشر والتمتّع بحياة كريمة.
الاجتياحات الاسرائيليّة وتجريف الأراضي وعدم قدرة المزارعين على الوصول إلى أراضيهم جعلت من اللّجنة الدوليّة للصيب الأحمر ركنًا أساسيًّا في مساعدة المزارعين التي أخذت على عاتقها توزيع بذور وأسمدة تمكّن المزارع من العودة إلى أرضه.
وبيّن إيهاب عاشور المهندس الزراعي في الصليب الأحمر أن اللجنة قامت بتوزيع زراعات بعليّة بحيث يستفد كلّ مزارع من 75 كجم من بذور القمح ذات الإنتاج العالي في ظروف الجفاف.
وأشار عاشور إلى أنه بعد التأكّد من زراعة هذه البذور سيتم تسليم المزارعين المرحلة الثانية وهي الأسمدة.
ولفت عاشور إلى أن المنطقة تعاني من شحّ في مصادر المياه ولا يوجد بها إمدادات لذلك كان الأنسب أن تزرع بزراعات بعلية لا تحتاج إلى ريّ، مبيّنًا أن الهدف من المشاريع مساعدة المزارعين للعودة إلى عملهم بشكل طبيعيّ بعد تضرّرهم من الصّراع القائم في المنطقة.
أرسل تعليقك