دمشق ـ جورج الشامي
ناشد ناشطون مدنيون في دمشق وريفها المنظمات الإغاثية كافة، داخل وخارج سورية، العمل على إدخال المواد الغذائية، وفكّ الحصار الذي تفرضه الحكومة السورية على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق، والمستمر منذ أكثر من ستة أشهر، لاسيما بعدما شهد المخيّم، خلال الفترة الأخيرة، أكثر من 40 حالة وفاة بسبب
الجوع. ولفت الناشط المدني العامل في المجال الإغاثي سمير عياد إلى أنَّ "شحنات إغاثيّة قد وصلت منذ شهرٍ تقريباً إلى مداخل المخيم، لكن ضباطاً تابعين للجيش الحكومي منعوا دخولها إليه"، موضحًا أنَّ "وسيلة التدفئة الوحيدة المتوفّرة في المخيم هي إشعال الأبواب الخشبية، ومفروشات المنازل التي هجرها أصحابها، والتي يتم فتح أبوابها عنوةً من طرف سكّان وناشطي المخيم".
وأشارت أم أحمد، وهي من سكان المخيم الموجودين داخله حتى الآن، في اتصال هاتفي، إلى أنَّ "شبان المخيم قاموا بكسر أبواب المتاجر المغلقة بحثاً عن الطعام، كما أنهم قاموا باستغلال الفاسد منه في الطهي أحياناً، وذلك بسبب انعدام وجود موارد غذائية".
وبدوره، أكّد حسن، وهو من سكان المخيم أيضاً، أنَّ "ما تبقى من سلعٍ غذائية في المخيم يباع بأسعار جنونية، حيث أنَّ سعر قطعة الشوكولا الصغيرة وصل إلى 300 ليرة سورية، أي ما يعادل الدولارين الأميركيين، وسعر كيلوغرام من البذورات المملحة وصل إلى 2,000 ليرة، أي حوالي 13 دولاراً"، مبيّنًا أنَّ "الضحية الأولى لهذا الحصار هم الأطفال"، مشيرًا إلى "عدم توفّر الحليب في المخيّم منذ فترة".
إلى ذلك، حاول الناشطون والفصائل الفلسطينية، السبت، إدخال 22 سيارة إلى مخيم اليرموك، تضم ما يقارب خمسة آلاف حصة غذائية، إلا أنَّ اشتباكاتٍ مفتعلة من طرف الحكومة منعت القافلة من التقدم، حسب مصادر المعارضة.
وأكّد أبو حيان، وهو أحد الناشطين في الشأن الإغاثي، أنَّ "دخول القافلة كان سيفتح الباب أمام جميع الفصائل والمنظمات الدولية لإدخال المساعدات الطارئة، وكانت مستعدة لذلك، لكن افتعال الحكومة للاشتباك على خط القافلة، التي كان مقرر مرورها على الطريق من الجسر إلى الفرن الآلي، منع ذلك، ولو أنَّ القافلة دخلت سيكون في ذلك بادرة حسن نية من الحكومة".
ومع وصول عدد قتلى الجوع لما يزيد عن 41 شهيدًا، لم يبق لأكثر من 40 ألف مواطن، ما زالوا تحت رحمة أيّ مؤونة يعتمدون عليها، حيث لم يعودوا قادرين حتى على إيجاد السبانخ، والفجل، التي اعتاشت عليها الأهالي لأشهر عدة، ولم تنفع كل نداءات الاستغاثة التي خرج بها أهالي المخيمات، كما عجزت كل حملات التضامن، التي تنوعت أسماؤها، عن إدخال كسرة خبزٍ واحدة، لأهالي المخيم.
ولا يخبرنا أبو حيان عن أبناء المخيم فحسب، لكنه يخبرنا عن حاله وحال أبنائه، حيث تناولوا الخبز المعفن لأنه لا يوجد شيء يؤكل، ولا يعتقد أبو حيان بأنَّ الهدنة ستحدث بالفعل، والدلائل واضحة عبر ممارسات الحكومة.
وفي لائحة الأسعار أرقام مذهلة، حيث بلغ سعر الأرز، والبرغل 11000 ليرة، والعدس 6500، والسكر 7500 ليرة، والخبيزة والسبانخ 700 ليرة، وضمّة واحدة من الكزبرة أو البقدونس أو الفجل بلغ 150 ليرة، أما ليتر زيت زيتون 1500 ليرة، ولحمة بقر 6500، والسمنة 2500، ولحمة الغنم 7000، بينما بلغ ليتر مازوت 650 ليرة، وكيلو حطب 75 ليرة سيجارة حمرا طويلة 2500 ليرة، أما سعر صرف الدولار فيتراوح ما بين 105-110 ليرة، وبذلك يكون سعر سيجارة واحدة داخل المخيم يساوي سعر 2 كيلو أرز، وتُذيَّل قائمة الأسعار دائماً بعبارة "إنَّ وجد"، أما أسعار صرف الدولار في حالة متدنية جداً.
أما الواقع الصحي، فليس بالأفضل حال، كما يخبرنا أحد الناشطين، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، فالنقص شديد في كل شيء، وحالات البتر تتعاظم يوماً بعد يوم.
وأضاف "نقوم بخلط المعقمات بالماء بسبب الكميات القليلة منها، فحال مشفى فلسطين، وهو المشفى الوحيد في المخيم، يتدهور يوماً بعد يوم، نتيجة النقص الحاد في الدواء والكادر الطبي، وغرف الإنعاش، والانقطاع المستمر للكهرباء، حتى قطع الشاش نفذت بشكلٍ شبه كامل من المخيم".
وينتظر أبناء المخيم صدق الوعود بهدنةٍ يمكن أنَّ تحدث، وليس أمامهم أي خيارٍ آخر، في حين تستمر القيادة العامة بالتبجح بأن تحييد المخيم يعني النأي بالنفس عن أي أعمال عنفٍ ضد الدولة السورية، كما ورد على لسان عضو "الجبهة الشعبية" أنور رجا، فيما ينفي ناشطون إمكان تحييد المخيمات، فهم في عين العاصفة، يتعرضون للإبادة بالرصاص وبالحصار، مؤكّدين عدم وجود نية حقيقية لدى الحكومة بتنفيذ مبادرة الهدنة، وفي الوقت ذاته لا يملكون أيّة وسيلة لإدخال الطعام للمخيم.
من جهة أخرى، أفاد مدير نادي الأسير الفلسطيني في محافظة الخليل أمجد النجار، السبت، إلى أنَّ أسرى فلسطينيين في سجن "ريمون" قرّروا التبرع بمبلغ 500 شيكل (قرابة 140 دولار) من رواتبهم، لصالح حملة إغاثة الفلسطينيين في مخيم اليرموك في سورية.
وأوضح النجار أنَّ الأسرى، البالغ عددهم 350 أسيرا، وجميعهم من ذوي الأحكام المؤبدة، قد اتخذوا قرارًا جماعيًا لإغاثة أبناء شعبنا الفلسطيني في مخيم اليرموك.
وبيّن ممثل المعتقل جمال الرجوب أنَّ الأسرى يشعرون بالألم، نتيجة ما يتعرض له أبناء شعبنا، ورغم ما يتعرضون له داخل سجن "ريمون" من هجمة مسعورة ضدهم، إلا أنهم سيبقون أوفياء، رغم مرارة الاعتقال والظروف الصعبة.
ووجّه الأسرى نداء للوقوف إلى جانب أطفال مخيم اليرموك، ودعمهم بكل ما يلزم، معتبرين أنَّ "ما يتعرض له الفلسطينيون في الشتات هو محاولة لاجتثاث الفلسطيني من كل أماكن تواجده، وأنَّ الأحداث والمجازر التي ترتكب في مخيم اليرموك قد أعادت لأذهانهم مجازر صبرا وشاتيلا التي قام بها شارون في لبنان، وتل الزعتر، التي قام بها حافظ الأسد عام 1976، حين أطبق حافظ بقواته، وبمساعدة حلفائه، على آلاف الفلسطينيين هناك، وقتل منهم أعدادًا كبيرة، بعد أنَّ حاصرهم حصارًا شديدًا استمر قرابة شهرين.
أرسل تعليقك