غزة – محمد حبيب
غزة – محمد حبيب
عاد الحديث أخيرًا في أوساط الشَّارع الفلسطيني بشأن إطلاق سراح شخصيَّة "فتح" البارزة الأسير في السُّجون الإسرائيليَّة مروان البرغوثي، بعد اشتراط رئيس السُّلطة الفلسطينيَّة محمود عباس، خلال لقائه الرَّئيس الأميركي باراك أوباما، الإثنين إطلاق سراح الأسير البرغوثي ومئات الأسرى الفلسطينيِّين، مقابل تمديد المفاوضات
السلميَّة مع إسرائيل، والتي تنتهي نهاية نيسان/ أبريل المقبل.
قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الإسرائيلية، خلال تقرير لها الثلاثاء: إن المرشح الأكثر بروزًا لخلافة رئيس السلطة الفلسطينية الحالي محمود عباس، هو القيادي البارز في حركة "فتح" مروان البرغوثي والمعتقل حاليا في سجون إسرائيل"، مشيرة إلى أنه "سيكون بمثابة "سيسي" فلسطين حال الإفراج عنه وتولي قيادة السلطة.
وأضافت الصحيفة العبرية أن "البرغوثي تم اعتقاله في 2002 وحكم عليه بالسجن ستة مؤبدات، وأنه ليس من المتوقع أن يتم الإفراج عنه قريبًا، ولكن إذا قرر دخول المنافسة في أية انتخابات مستقبلية على منصب الرئيس، حتى مع تواجده في السجن، فمن المتوقع أن يفوز بسهولة".
ولفتت الصحيفة العبرية إلى أنه "قد نشر خلال الأسبوع الجاري في رام الله استطلاع أظهر أنه المرشح الرئيسي بفارق كبير عن جميع المرشحين الآخرين من "فتح" ومن "حماس".
ولفتت الصحيفة العبرية إلى أن "البرغوثي يبلغ من العمر 55 عاما وولد في قرية "كوبر" شمال رام الله، وهو غير محبوب في صفوف أعضاء اللجنة المركزية في فتح، ولكن معظم الفلسطينيين يحبونه في غزة وفي الضفة الغربية، لذلك حتى وإن اختار زملاؤه في اللجنة المركزية في فتح مرشحا آخر، فإن ذلك لن يضر في احتمالات فوزه إذا لم يحصل على تأييد أعضاء اللجنة المركزية بفتح".
وادعت الصحيفة الإسرائيلية أن "الفلسطينيين لن ينتخبوا أي شخص آخر من فتح باستثناء مروان"، لافتة إلى أن "مروان هو السيسي الفلسطيني".
ولد البرغوثي في قرية كوبر في الشمال الغربي من مدينة رام الله، وانخرط في حركة "فتح" في سن الخامسة عشرة، وعند بلوغه الثامنة عشر عام 1976، ألقت القوات الإسرائيلية القبض عليه وزجته في السجن حيث تعلم اللغة العبرية خلال مكوثه في السجن، وعند إطلاق سراحه، ذهب البرغوثي إلى الضفة الغربية، بحيث ترأس مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت وتخرج منها بعد أن درس التاريخ والعلوم السياسية ونال على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية. ويذكر أن هذه الجامعة العملاقة ينظر إليها الاحتلال بخوف وحذر، خصوصا بعد ظهور نخبة من المقاومين الأبطال فيها أمثال يحيى عياش.
ويعد البرغوثي من القيادات التي قادت الجماهير الفلسطينية في انتفاضتها الأولى عام 1987 ضد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وخلال الانتفاضة الأولى، ألقت السلطات الإسرائيلية القبض عليه ورحلته إلى الأردن التي مكث فيها 7 أعوام، ثم عاد ثانية إلى الضفة الغربية عام 1994 بموجب اتفاق اوسلو، وفي عام 1996، حصل على مقعد في المجلس التشريعي الفلسطيني.
وينظر الفلسطينيون إلى المناضل مروان البرغوثي، له باعتباره مهندس الانتفاضة وعقلها المدبر ورمزًا لمقاومة الاحتلال. فيما قال فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون: يؤسفني إلقاء القبض عليه حيا، كنت أفضل أن يكون رمادا في جرة.
كان البرغوثي الثالث في الترتيب بين عائلة مكونة من 6 أشقاء، وكان قد بلغ الخامسة عشر عندما اعتقله الجيش الإسرائيلي بتهمة المشاركة في تظاهرات مناهضة للاحتلال في بيرزيت ورام الله. كانت تلك البداية الميدانية لرحلة نضال استمرت 30 عاما، اتسمت بالتزام ومثابرة استثنائيين لم تثبطهما أعوام الاعتقال المتواصلة ولا المنفى، بل إنه استطاع تجاوز عقوبة إبعاده عن مقاعد الدراسة، بأن حصل على الثانوية العامة داخل السجن، وأضاف إليها تعلمه للغة العبرية ومبادئ الفرنسية والإنجليزية فضلا عن زيادة ثقافته.
وما إن انقضت أعوام السجن الطويلة الأولى بين عام 1978 وحتى أفرج عنه في مطلع العام 1983، حتى انتقل إلى جامعة يبرزيت ليحتل بسرعة رئاسة مجلس الطلبة فيها لثلاث دورات متعاقبة ويعمل أيضا على تأسيس منظمة الشبيبة الفتحاوية في الأراضي الفلسطينية، هذه المنظمة الجماهيرية التي تشكلت في مطلع الثمانينيات واعتبرت أكبر وأوسع وأهم منظمة جماهيرية تقام في الأراضي المحتلة، بحيث شكلت القاعدة الشعبية الأكثر تنظيما وقوة ولعبت دورًا رئيسيا في الانتفاضة الشعبية الكبرى التي انطلقت عام 1987.
راح البرغوثي، رغم مواصلة الجيش الإسرائيلي مطاردته وملاحقته ووضعه رهن الإقامة الجبرية وفي الحبس الإداري، ينكب على بناء ووضع لوائح ونظم هذه المنظمة بما في ذلك لجان الشبيبة للعمل الاجتماعي التي انتشرت في جميع القرى والبلدات والمخيمات والمدن، وحركة الشبيبة الطلابية في الجامعات والمعاهد والمدارس الثانوية ولجان المرأة للعمل الاجتماعي، وحركة الشبيبة العمالية وغيرها من الأطر التي أقيمت على أسس ديمقراطية.
تعرض البرغوثي للاعتقال والمطاردة طوال أعوامه الجامعية، بحيث اعتقل في 84 لعدة أسابيع في التحقيق وأعيد اعتقاله في أيار/ مايو 85 لأكثر من 50 يوما في التحقيق، ثم فرضت عليه الإقامة الجبرية في العام ذاته، ثم اعتقل إدرايا في آب/ أغسطس ،85 عندها طبقت إسرائيل سياسة القبضة الحديدية في الأراضي المحتلة وتم من جديد إقرار سياسة الاعتقال الإداري والإبعاد وكان السجين الأول في المجموعة الأولى في الاعتقالات الإدارية، وفي عام 1986 تم إطلاق سراحه وأصبح مطاردا من قوات الاحتلال إلى أن تم اعتقاله وإبعاده خارج الوطن بقرار من وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك إسحق رابين في إطار سياسة الإبعاد التي طالت العديد من القادة في الأراضي الفلسطينية.
عمل البرغوثي بعد إبعاده مباشرة إلى جانب القائد أبو جهاد الذي كلّفه بالمسؤولية والمتابعة في تنظيم الأراضي الفلسطينية، وعمل لفترة قصيرة مع أبو جهاد حتى استشهاده، ورافقه في آخر زيارة له إلى ليبيا حيث تم اغتياله بعد عودته بعدة أيام.
استمر البرغوثي في موقعه في المنفى عضوا في اللجنة العليا للانتفاضة في م. ت. ف التي تشكلت من ممثلي الفصائل خارج الأراضي الفلسطينية، وعمل في اللجنة القيادية لفتح (القطاع الغربي) وعمل مباشرة مع القيادة الموحدة للانتفاضة.
وفي عام 1989 وفي المؤتمر العام الخامس لحركة فتح انتخب البرغوثي عضوا في المجلس الثوري للحركة من بين 50 عضوا، وقد جرى انتخابه بشكل مباشر من مؤتمر الحركة الذي وصل عدد أعضائه إلى 1250 عضوًا، وكان البرغوثي في ذلك الوقت العضو الأصغر سنا الذي ينتخب في هذا الموقع القيادي الرفيع في حركة فتح في تاريخ الحركة.
في نيسان 1994، عاد البرغوثي على رأس أول مجموعة من المبعدين إلى الأراضي المحتلة، وبعد ذلك بأسبوعين وفي أول اجتماع لقيادة فتح في الضفة الغربية وبرئاسة الراحل فيصل الحسيني، تم انتخاب البرغوثي بالإجماع نائبا للحسيني وأمين سر للحركة في الضفة الغربية، ليبدأ مرحلة جديدة من العمل التنظيمي والنضالي، إذ بادر ألبرغوثي على إعادة تنظيم حركة فتح في الضفة الغربية والتي كانت قد تعرضت لضربات شديدة من قبل الاحتلال وشهدت حالة من التشتت والانقسام، ونجح في إعادة تنظيم الحركة من جديد في فلسطين في شهر واحد رغم المعارضة الشديدة التي جوبه بها من قبل اللجنة المركزية، بحيث انطلقت مسيرة عقد المؤتمرات في داخل الحركة في الضفة الغربية وقطاع غزة على مستوى الأقاليم والمناطق وانشغل البرغوثي لعدة أعوام في هذا الأمر، بحيث عقد أكثر من 150 مؤتمرًا في الضفة الغربية والتي شارك فيها عشرات الآلاف من الأعضاء، وانتخبوا هيئات قيادية جديدة.
في عام 1996، وفي إطار الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية انتخب البرغوثي عضوا في المجلس التشريعي نائبا عن دائرة رام الله، وقد عمل البرغوثي في المجلس في إطار اللجنة القانونية واللجنة السياسية، وقد كان ذلك بسبب اهتمامه الشديد بموضوع سيادة القانون وتعزيز السلطة القضائية واستقلاليتها وإقرار منظومة من القوانين الفلسطينية العصرية الحديثة، إذ أعطى اللجنة السياسية اهتمامه البالغ بقضية استكمال معركة الحرية والاستقلال.
ترأس البرغوثي كذلك، أول صداقة برلمانية فرنسية - فلسطينية وقد عمل على تعزيز العلاقات الفرنسية الفلسطينية من خلال العديد من النشاطات والزيارات المتبادلة.
وقد حرص البرغوثي في إطار عمله في المجلس على ممارسة دور النائب الملتزم بقضايا الجمهور، بحيث كان له دورا بارزا وفاعلا في المجلس وفي لجانه المختلفة، كما أنه كان عضوا بارزا وفاعلا في لجنة التحقيق في الفساد والتي انبثقت عن المجلس التشريعي عام 97، كما أنه عمل بنشاط ملحوظ وبارز مع التجمعات السكنية المختلفة من خلال عقد الاجتماعات والندوات في القرى والمخيمات ومع المجالس البلدية والهيئات المختلفة والجمعيات المختلفة، كذلك ساعد عشرات التجمعات في مشاريع البنية التحتية حيث أولى اهتماما خاصا لهذه المشاريع، خصوصا المدارس بما في ذلك مدارس الإناث، ومن خلال عمله في المجلس شارك في عدد كبير من المؤتمرات البرلمانية والندوات الدولية والنشاطات السياسية المختلفة في العديد من دول العالم.
تعرض البرغوثي إلى أكثر من محاولة اغتيال ونجا منها وفي إحداها أطلقت عليه وعلى مساعديه صواريخ موجهة، كما تم إرسال سيارة ملغومة له خصيصا. وقال وزير دفاع إسرائيل شاؤول موفاز، معلقا على اختطاف البرغوثي: إن اعتقال البرغوثي هو هدية عيد الاستقلال التي يقدمها الجيش للشعب الإسرائيلي، وإن اعتقاله ضربة قاتلة للانتفاضة.
فيما قال المستشار القانوني للحكومة إلياكيم روبنشتاين: إن البرغوثي مهندس إرهابي من الدرجة الأولى وقد راجعت ملفاته طوال 30 عاما ووجدت أنه من النوع الذي لا يتراجع ولذلك يتوجب إن يحاكم بلا رحمة وإن يبقى في السجن حتى موته.
وبتاريخ 20 أيار/ مايو 2004، عقدت المحكمة المركزية في تل أبيب جلستها لإدانة القائد المناضل مروان ألبرغوثي، بحيث كان القرار بإدانته بخمسة تهم بالمسؤولية العامة لكونه أمين سر حركة فتح في الضفة، وبكون كتائب شهداء الأقصى تابعة لفتح فإن أي عمل عسكري قامت به يتحمل البرغوثي مسؤوليته. وقد طالب الادعاء العام بإنزال أقصى العقوبة بحق المناضل البرغوثي وطالب بالحكم بـ 5 مؤبدات و40 عاما.
عُقدت الجلسة الأخيرة لمحاكمة القائد المناضل مروان البرغوثي في 6 حزيران/ يونيو 2004، في المحكمة المركزيه بتل أبيب وأصدرت حكمها عليه بالسجن 5 مؤبدات و40 عاما وهي العقوبة القصوى التي طالب بها الادعاء العام. ورد البرغوثي في جلسة المحكمة مخاطبا القضاة: إنكم في إصداركم هذا الحكم غير القانوني ترتكبون جريمة حرب تماما مثل طياري الجيش الإسرائيلي الذين يلقون القنابل على المواطنين الفلسطينيين تماشيا مع قرارات الاحتلال. وأضاف البرغوثي "إذا كان ثمن حرية شعبي فقدان حريتي، فأنا مستعد لدفع هذا الثمن".
المناضل البرغوثي، خلال أعوام الاعتقال الماضية، لعب دورا بارزا في نجاح "اتفاق القاهرة" بين الفصائل الفلسطينية، والذي قاد إلى مشاركة معظم الفصائل في انتخابات المجالس البلدية وانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الثانية 2006، والاتفاق على تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني. كما كان بشكل دائم يدعو إلى إصلاح حركة فتح ودمقرطتها ونبذ سياسة الإقصاء والتغييب دافعا باتجاه عقد المؤتمر السادس لحركة فتح لانتخاب قيادة جديدة للحركة وإبعاد رموز الفساد، هذا المؤتمر الذي لا زال يلقى معارضة ومماطلة من اللجنة المركزية للحركة.
نشط البرغوثي في الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) كما فعل في الانتفاضة الأولى وزادت من شعبية الرجل في الأوساط الفلسطينية، آخر منصب كان يشغره البرغوثي هو الأمين العام لحركة فتح في الضفة الغربية، وقامت إسرائيل بمحاولة لتصفيته جسديا ولكن المحاولة لم تكن ناجحه، وفي 15 نيسان 2002، ألقت السلطات الإسرائيلية القبض عليه في منزله الكائن في حي عراش بعد اعتقال ابن عمه وقدمته لمحكمة التي بدورها أدانته بتهم القتل والشروع بالقتل وحُكم عليه بالسجن المؤبد 5 مرات.
أرسل تعليقك