بيروت ـ جورج شاهين
تراجعت حدّة المواجهات، منذ الصباح، على المحاور التقليديّة في طرابلس، لاسيما ما بين منطقة التبانة السُّنية وجبل محسن العلوي، إلا أنَّ أصوات الأعيرة الناريّة، ودوي الانفجارات، ما زالت تسمع بين الحين والآخر، فيما تسجّل أعمال قنص على الطريق الدولية، وفي محيط مستديرة الملولة، وعلى كل هدف متحرك، ما أدى إلى قطعها من طرف الجيش والقوى الأمنية. وجاء الهدوء ليعقب ليلاً متفجرًا، أسفرت فيه الاشتباكات
عن سقوط 3 قتلى، وعدد كبير من الجرحى، ما رفع عدد قتلى الجولة الثالثة من العنف، المستمرة منذ أسبوعين، إلى مقتل عشرين شخصًا، من بينهم عسكريين اثنين، وحوالي 143 جريحًا، بينهم ما يقارب 21 عسكريًا من الجيش اللّبناني، إصابة اثنين منهم ما زالت صعبة.
وأكّدت مصادر مطّلعة، صباح الجمعة، إصابة الجندي عمر صبحا، بعبوة ناسفة صغيرة، تمَّ تفجيرها عند الثانية والنصف فجرًا، لدى مرور دورية للجيش قرب غرفة التجارة، عند المدخل الجنوبي لطرابلس، وتلا ذلك إصابة "فان" للركاب في عمليات قنص على محور الملولة، وقتل محمود الحسن، في باب التبانة، بعد إطلاق النار عليه من جبل محسن، عقب مقتل نديم أسعد من جبل محسن، فيما وصلت جثة مشوهة، لم يتم التعرف على صاحبها، إلى مستشفى الملا.
وكانت المواجهات قد احتدمت، منذ الساعة الثامنة والنصف من مساء الخميس، واستمرت بشكل عنيف حتى ساعات الصباح الأولى، ودارت معارك ضارية على محاور الشعراني، بعل الدروايش، طلعة العمري، سوق القمح، حارة البرانية البقار، مشروع الحريري، حارة الجديدة المنكوبين، الملولة الريفا، البازار شارع سورية، واستخدمت خلالها الأسلحة الخفيفة، والمتوسطة، والقذائف الصاروخية من نوع (ب.10) و(ب.7)، التي انهمرت على المنازل الآمنة، بأعداد كبيرة، وترددت أصداؤها في أرجاء المدينة، والمناطق المحيطة بها، ما خلق حالة من الرعب لدى المواطنين.
وسُجّلت حركة سير خفيفة جدًا في المدينة، صباح الجمعة، وفيما يستمر إغلاق الطريق الدولية التي تربط طرابلس مع عكار، بينما عاودت المحال التجارية، والمؤسسات العامة والخاصة، والدوائر الرسمية، والمصارف البعيدة عن الأماكن الساخنة، نشاطها، في حين أعلنت غالبية إدارات المدارس والجامعات والمعاهد عن تعليق الدروس.
وتنفيذًا لمقررات الاجتماع الأمني في قصر بعبدا، عقد في مكتب قائد الجيش العماد جان قهوجي، في اليرزة، الخميس، اجتماعًا أمنيًا، ضمَّ المدير العام لقوى الأمن الداخلي بالإنابة اللواء إبراهيم بصبوص، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والمدير العام لأمن الدولة اللواء جورج قرعة، ومدير المخابرات العميد الركن إدمون فاضل، ورئيس شعبة المعلومات العميد عماد عثمان.
واستعرض المجتمعون المستجدات الأمنية في البلاد، لاسيما في مدينة طرابلس، والحدود الشرقية والشمالية، حيث تمَّ التوافق على تعزيز التنسيق بين الأجهزة العسكرية والأمنية، واتخاذ سلسلة من الإجراءات، بغية فرض الأمن والاستقرار في مختلف المناطق اللبنانية، ضمن إطار خطة عمل مشتركة.
وأوضح أحد المشاركين، في تصريح إلى "العرب اليوم"، أنَّ "الاجتماع ركز على ملفين أساسيّين، أحدهما يتصل بالوضع على الحدود الشرقية الشمالية وعرسال ومحيطها، والثاني بشأن الإعمال العسكرية الجارية على الحدود الشمالية وعكار، وكيفية التعاطي مع النزوح السوري الكثيف للجرحى والمدنيين على مختلف نقاط التماس مع مناطق الإشتباكات في سورية".
وأشار إلى أنَّه "استعرض المجتمعون التدابير التي باشرها الجيش اللّبناني في عرسال، وجرودها، امتدادًا إلى الحدود السورية الشرقية، حيث اكتمل انتشار لواء من الجيش، وفوج من أفواج المجوقل، بما يقارب الـ 4000 ضابط وجندي".
وأبلغ اللواء بصبوص المجتمعين أنّه "تمّ تعزيز مخفر عرسال، بحيث تم تحويل مخفر البلدة إلى مقر لفصيلة كاملة، يقودها ثلاثة ضباط".
وبشأن ملف اللاجئين، لفت المجتمعون إلى "أهمية تعزيز التواصل مع المؤسسات الدولية المعنية بملف النازحين واللاجئين، والوقوف على إمكاناتهم لمواجهة ظاهرة ارتفاع العدد إلى درجة كانت متوقعة، ولم تفاجئ أحدًا، لاسيما أنّ العمليات العسكرية التي يخوضها الجيش السوري وحزب الله كلها تجري في مناطق لها امتدادتها في اتجاه الأراضي اللبنانية فقط".
وانتهى المجتمعون إلى اعتبار أنَّ "الوضع في عرسال يمكن أن يكون تحت السيطرة بنسبة كبيرة، لكن ما حصل على الحدود الشمالية وقرى عكار لم يكن تحت السيطرة، وقد عزّزت القوى العسكرية من إجراءاتها على المعابر الشرعية، وغير الشرعية، وتمكّنت من توقيف عدد كبير من المسلحين، ومصادرة أسلحتهم، كما تمّ تسهيل نزوح العائلات والمدنيين الهاربين من جحيم المعارك في محيط قلعة الحصن، بما فيهم من أطفال ونساء وكبار السن".
يذكر أنَّه منذ عصر الخميس تشهد الحدود اللبنانية - السورية هدوءًا حذرًا، سيطر على مختلف المناطق الشمالية، في وادي خالد.
وباشر الجيش تسيّير دورياته المؤللة على طول الخط المّمتد من مركز الأمن العام الحدودي في البقيعة، بعد إقفاله، وصولاً إلى الجسر الغربي، فيما لا يزال عدد من أهالي بلدات بني صخر والبقيعة وخط البترول خارج منازلهم، التي كانت أصيبت بنيران وقذائف مصدرها الجانب السوري، والتي تركزت بشكل عنيف لا سابق له طيلة ساعات ليل الأربعاء – الخميس.
وفي إحصاء لعدد الجرحى، الذين أدخلوا المستشفيات من الأراضي السورية، حسب الجمعيات الخيرية الإغاثية، فقد بلغ عددهم 54 جريحًا، منهم 51 جريحًا سوريًا، و3 لبنانيين، تتم معالجة غالبيتهم في مستشفى سيدة السلام في القبيات، وبينهم نساء وأطفال ورجال، في حين نقل 6 جرحى إلى مستشفى الدكتور عبدالله الراسي الحكومي في حلبا، و4 جرحى إلى مستشفى الخير في بلدة المنية.
أرسل تعليقك