يُحيي العاملون في الساحة الأمنية والمخابراتية الإسرائيلية هذه الأيام ذكرى رجل الاغتيالات والألاعيب في جهاز الموساد؛ بعد أنَّ غيّبه الموت ورحل عن الحياة، تاركًا العديد من الخطّط وعمليات الاغتيال التي نفّذها، وخدم بها بعض الأنظمة القمعيّة في مهام سريّة يكتنفها الكثير من "القذارة" التي لا تبعد عن العملين في مجال الاستخبارات والمخابرات.
وفي ظلّ التذكّر الإسرائيلي لـ"مايك هراري" رجل المهام القذرة والاغتيالات، نشرت صحيفة "معاريف" الاسرائيلية تقريرًا موسَّعًا عنه بعد أن توفي الأسبوع الماضي.
هراري ولد في تلّ أبيب في شباط/فبراير العام ١٩٢٧ وورد في سيرة حياته وكما كتبها الصحفي آهارون: "معرفة اللغات سلاح، وتستطيع مع هذا السلاح ترتيب أمورك في جميع أرجاء العالم"، وهذا ما حدث؛ إذ تعلم في مدرسة اليانس والكلية الفرنسية في يافا وتعلّم خمس لغات: الإنكليزية، والفرنسية، والإسبانية، والإيطالية، والعربية، وتعتبر معرفة اللغات أفضل اسلحة رجال المخابرات.
والتحق هراري بتنظيم "الهاغناه" وانضمّ الى "البلماخ"، وأصبح خبيرًا بالاتصالات اللاسلكية، وبُعث إلى أوروبا للعمل على تهجير اليهود، وانضمّ بعد إقامة إسرائيل في العام ١٩٥٠ إلى المخابرات العامة، التي كان يرأسها أيسر هرئيل وكلّفه الأخير بمهمتين تدشين شبكة الحراسة في مطار اللدّ وتأسيس قسم الحراسة في وزارة الخارجية وأصبح ضابط الأمن في مطار اللدّ.
وانتقل هراري إلى "الموساد" وجراء معرفته للُغات تمّ تأهيله كضابط جمع معلومات وتجنيد عملاء، وكان ضباط جمع المعلومات يعملون في إطار وحدة "تسومت"، ثم أُرسل وزوجته قنينة إلى باريس للتجنيد، وتلخصت مهمته بتجنيد عملاء عرب في مدريد، وانتقل في العام ١٩٦٠ لتنفيذ المهمة ذاتها في إثيوبيا.
وصرّح رئيس وفد "تيبل" المسؤول عن العلاقات السياسية السرية في "الموساد"، ادموني، بأنَّ انقلابًا وقع ضد سلطة الإمبراطور هيلا سيلاسي، واندلعت معارك في الشوارع وأضاف: "كنا، مايك، يهودًا براغ"، والذي أصبح المفتش العام للشرطة فيما بعد وأنا في مدخل فندق وسمعنا صوت إطلاق عيارات نارية واستلقينا على الأرض".
وبعد انتهاء مهمته في إثيوبيا انتقل إلى قيادة "الموساد" وبسبب سُمعته كرجل ألاعيب نُقل من "تسومت" إلى وحدة العمليات "قيساريا"، وتسلّم منصب نائب الرئيس يوسف يريف وكانت مهمة هذه الوحدة، وما زال الإشراف على عمل رجال الموساد الذين يتمّ إدخالهم بهويّات مزيّفة إلى دول معادية، وكان معظم عملها في سنوات الستينات في مصر وسورية.
وبدأت الوحدة بالعمل ضدّ المنظمات الفلسطينية بعد حرب حزيران/يونيو العام ١٩٦٧، وهنا برزت نشاطات هراري، واعتبر شخص ذو صلاحيات وحقوق واسعة النطاق بفضل مكانته كضابط جمع معلومات في "الموساد".
محاولات جريئة لاغتيال عرفات
طرأ انعطاف كبير على مكانة هراري العام ١٩٦٨ بعد استقالة مئير عميت من رئاسة الموساد، وتسلّم تسفي زامير هذا المنصب، وتوطدت علاقات صداقة بين الاثنين، وأعطاه زامير حرية عمل واسعة النطاق.
وهكذا بادر هراري بعدّة عمليات جريئة جدًا كانت إحداها العام ١٩٧٠؛ حيث توجّه وعدد من جنوده لاغتيال ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وبعد أنَّ أصبح كل شيء جاهزًا للتنفيذ لم تصادق رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك غولدا مائير على تنفيذ العملية، وعاد هراري خائب الآمال.
مقتل الرياضيين الإسرائيليين
وطرأ انعطافٌ آخر على مسار هراري، رئيس وحدة "قيساريا" العام ١٩٧٢، في أعقاب مقتل الرياضيين الإسرائيليين في ميونيخ.
ويعتمد "الموساد" وحتى ذاك الوقت على مخابرات غرب أوروبا بلجم نشاطات رجال أعضاء التحرير وباقي المنظمات الفلسطينية، لكن أكد ما جرى في ميونيخ وقضايا أخرى لزعماء إسرائيل بأنه يتوجّب عليهم الاعتماد على أنفسهم.
وبدأ "الموساد" بمطاردة رجال المنظمات وكلّف زامير هراري بهذه المهمة، وعلى العكس من الانطباع السائد، لم تكن المهمة الانتقام من المُخطّطين والمنفّذين للعملية والذين قدّموا مساعدات لهم، بل وكما أكد زامير تحطيم البني التحتية لمنظمة التحرير في أوروبا.
وبناءً على هذه المهمة وكعبرة من نجاحها وفشلها الجزئي شكل هراري وحدة خاصةً مهمتها الاغتيالات والتخريب وتنفيذ عمليات خاصة باسم "كيدون"، التي كانت مرتبطة بوحدة "قيساريا"، وبعد النجاح في اغتيال قيادات فلسطينية في روما، باريس، أثينا ونيقوسيا حدث الفشل الذريع في ليلهامر بالنرويج.
اغتيال بالخطأ
وصلت معلومات إلى "الموساد" عن وصول حسن سلامة "الأمير الأحمر" قائد قوة-١٧ وأحد قادة منظمة "أيلول الأسود"، وبدأ هراري ورجاله في مطاردة سلامة، لكن جراء خطأ بالتشخيص قتل رجال الموساد، أحمد يوشيكي، شاب مغربي، وعمل أفراد الخلية على إعادة السيارات المستأجرة من أجل تنفيذ عملية الاغتيال إلى شركة تأجير السيارات عوضًا عن الهروب بالقطار كما كان مخططًا، الأمر الذي أدى إلى الكشف عن هوياتهم، وتنصّل هراري من المسؤولية عن الفشل وألقاها على أفراد الخليّة.
مستشار الديكتاتور العسكري نورييغا
توجّه هراري وبعد انسحابه من "الموساد" في النصف الثاني من سنوات السبعينات للعمل لدى الزعيم البنمي الديكتاتور العسكري مانويل نورييغا، وعمل مستشارًا له وأصبح قنصلاً فخريًا لهذه الدولة.
وكان الاثنان قد تعارفا في الوقت الذي كان فيه نورييغا رئيس المخابرات البنمية، ووفّر للموساد سُبلاً مختلفة لجمع معلومات وقدّمت لهم هويات وروايات تستر.
وكان نورييغا عميلاً مأجورًا لوكالة المخابرات المركزية الأميركية "سي آي إيه" لكنه أغضب الإدارة الأميركية جراء تورطه بتجارة المواد المُخدَّرة، وغزا الجيش الأميركي العام ١٩٨٩ بنما وأوقف نورييغا وقدّم للمحاكمة في ميامي لاتهامه بالإتجار في المواد المُخدَّرة، كما حوكم في فرنسا لاتهامه بغسيل أموال وسُلِم قبل عامين إلى بنما لقضاء باقي عقوبته فيها.
وحاول هراري تبرير خدمته للطاغية البنمي بالحديث بأنها كانت لخدمة "الموساد".
واستدعاه رئيس "الموساد"، مائير دغان، قبل حوالي عقد، وفي إطار العمل على مُحاربة المخطط النووي الإيراني للخدمة.
ووفقًا لما نشرته وسائل إعلام أجنبية فقد اغتالت الموساد علماء نوويين إيرانيين في تلك الفترة، بحسب صحيفة "معاريف" الإسرائيلية.
أرسل تعليقك