جانب من جلسة الحكومة اللبنانية
بيروت ـ جورج شاهين
رحبت قوى "14 آذار" باستقالة رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ليلة الجمعة، رفضًا منه لعدم التمديد للواء أشرف ريفي في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، ولتعثر تشكيل الهيئة المكلفة بالإشراف على الانتخابات النيابية المقبلة، المقررة في 9 حزيران/يونيو المقبل. واعتبرت قوى "14 آذار" الاستقالة متأخرة،
في حين ساد صمت رهيب على مستوى قوى "8 آذار"، حيث قالت مصادر واسعة الاطلاع لـ " العرب اليوم" أن الرئيس ميقاتي هو من اختار توقيت الاستقالة، التي كان ينوي القيام بها من قبل، وتحديدًا منذ أن تبلغ مواقف نهائية من موضوع التمديد للواء ريفي وقضايا أخرى تتصل بعمل الحكومة، ما يجعلها رهينة الغالبية، التي لم تعد تسأل عن شيء لقاء مصالح آنية، دون احتساب الحصيلة النهائية المتوقعة لتطور الأحداث المأساوي في المنطقة، وما يمكن أن تعكسه على الساحة الداخلية.
وقالت المصادر أن الاستقالة تركت ارتياحًا واسعًا في أوساط الطرابلسيين، وقيادات سياسية في الطائفة السنية، التي استهجنت ما آل إليه وضع الغالبية الوزارية، والتي لم تعد تحسب أي حساب للتوازنات الدقيقة في البلاد، بدءًا من المواقف التي رافقت التحضير لقانون الانتخاب الجديد.
وأكدت المصادر أن المناسبة كانت تسمح بهذه الخطوة، التي اختارها ميقاتي بعناية تامة، لافتة إلى أن موقف بري الذي أبلغ ميقاتي استعداد وزرائه للتصويت إلى جانب التمديد لريفي لم يكن قرارًا واضحًا ونهائيًا، ما عزز مخاوف ميقاتي من الآتي، فقرر بعد لقائهما الأخير أن يتوجه إلى الاستقالة، بعد رفض اقتراحه بالتمديد، لأنه لا يحتمل خسارة أخرى توازي خسارة اللواء وسام الحسن، ودون أي نقاش، على الرغم من أن بعض مستشاريه نصحوه بعدم الإقدام على هذه الخطوة، وهو أمر أدى إلى تأخير بيان الاستقالة بعض الوقت، وسمح بإجراء بعض التعديلات في اللحظات الأخيرة على ما تضمنه من مواقف.
وقال رئيس حزب "الكتائب اللبنانية" الرئيس أمين الجميل، في تصريح خاص إلى "العرب اليوم"، عن استقالة ميقاتي "هذا ما كنا نتوقعه منذ فترة، وعلى ما يبدو أن الكيل قد طفح بين حلفاء الأمس، وكنا نعلم أنه تحالف قائم ضد الطبيعة في الأساس، علينا اليوم أن نتنبه إلى خطورة المرحلة المقبلة، المليئة بالتطورات الإقليمية والدولية، وتداعياتها على الساحة اللبنانية، الدور الآن لرئيس الجمهورية، لقيادة السفينة نحو المرافىء الآمنة، وعلى القيادات السياسية أن تلاقيه، وتتفهم خطورة الوضع الراهن، وأن تتصرف بكل حكمة ووطنية، لدرء المخاطر المقدرة على لبنان".
وأشار رئيس كتلة "المستقبل" النيابية الرئيس فؤاد السنيورة إلى أن "استقالة الحكومة تفتح المجال من أجل عودة الحوار"، معتبرًا أن "الحكومة كان يجب أن تستقيل منذ فترة طويلة، لإصلاح الخلل الذي تسببت به"، مؤكدًا أن "تيار المستقبل وقوى 14 آذار دعت أكثر من مرة أن يصار إلى نشر الجيش اللبناني على الحدود، ونشر قوات اليونيفل على الحدود السورية – اللبنانية".
وأضاف السنيورة "موقفنا كتيار المستقبل بأننا نريد فعليًا تنفيذ سياسة النأي بالنفس، والمشكلة في هذه الحكومة أنها رفعت النأي بالنفس، ولكنها طبقته بطريقة خاطئة، ورأينا ذلك في تصريحات وزير خارجية لبنان"، وتابع "نحن حريصون على تطبيق سياسة النأي بالنفس في سورية، وهذا ما يحمي لبنان في ضوء هذه العواصف الجارية، والجرائم التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبه".
وثمن رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع في بيان مسائي له "موقف الرئيس نجيب ميقاتي بالاستقالة"، وقال "لا يمكن في هذا الظرف الدقيق، إلا أن أثمن الخطوة الجريئة التي أقدم عليها رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي، سيما أن هذه الاستقالة، جاءت على إثر رفض فريق 8 آذار التمديد لقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، وإصراره على إدخال البلاد في مزيد من الفراغ الخطير والقاتل"، وأضاف "أتمنى في هذه المناسبة على رئيس الجمهورية ميشال سليمان، أن يبادر في أسرع ما يمكن إلى تحديد مواعيد الاستشارات النيابية، لتسمية رئيس حكومة جديد، يعمل على تشكيل حكومة تحمي الشعب والدستور، وتحقق الاستحقاقات في مواعيدها، وتنقذ لبنان من المآزق السياسية والاقتصادية والأمنية التي زجت الغالبية الحكومية المغادرة البلاد فيها".
واعتبر رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط أن "ما حصل في مجلس الوزراء، الجمعة، وصولاً إلى الاستقالة ليس موضوع أشرف ريفي، بل حماية جهاز فرع المعلومات، الذي قام بعمل جبار، مؤكدًا على أنه لا يملي الأوامر على الرئيس ميقاتي، وأوضح أن "الرئيس ميقاتي طرح إمكان قيام حكومة تكنوقراط"، وأضاف "نحن نعمل لصالح البلاد، ونأمل ألا تأخذ الأمور منحًا دراماتيكيًا".
وذكّر جنبلاط أنه قال لـ"حزب الله" أن اللعبة أكبر منه، داعيًا إياه لتجنيب لبنان الحساسيات المذهبية ،ولتصويب البندقية باتجاه إسرائيل وليس مع النظام السوري.
وأكد جنبلاط أن "المطلوب هو النأي بالنفس بالفعل وليس بالكلام"، داعيًا للاتفاق على قانون انتخاب جديد، وإلا فإن الانتخابات ستحصل على أساس قانون الستين، نافيًا وجود أي فخ، مُذكرًا أنه عندما عرض اسم اللواء عباس إبراهيم لتولي مديرية الأمن العام لم يكن هناك أي اعتراض من أحد.
ورأى وزير الداخلية مروان شربل أن الحكومة أنتجت أمورًا كثيرة، لافتًا إلى كلمة ميقاتي، الذي شدد خلالها على اللجوء للحوار، مشيرًا إلى أنه لن تجري الانتخابات، إذا قاطع معظم اللبنانيين قانون الستين، وأنه لم يعد بإمكان وزارة الداخلية تنظيم الانتخابات في 9 حزيران/يونيو المقبل، وقال "أي قانون جديد يلزمه تحضيرات، وفي ضوء عدم التوافق فلا قانون انتخابي".
ولفت شربل إلى أنه مع تأليف حكومة حيادية تدير الانتخابات، مشددًا على أن تأليف الحكومة يبدأ من خلال العودة إلى جلسات الحوار وإعلان بعبدا، وقال "لو سمعوا من بري لما كنا وصلنا إلى هذا المأزق".
وأكد شربل إصراره على التمديد للواء أشرف ريفي، لافتًا إلى أنه عندما تأزم الوضع في الجلسة بشأن هذا الملف طالب بمهلة.
ومن طرابلس جاء أن رصاص القنص بقي يسمع متقطعًا في أحياء المدينة، على وقع تدابير اتخذتها وحدات الجيش لمحاصرة رقعة التوتر، تزامنًا مع قيام مناصري الرئيس المستقيل بالتجمع عند ساحة عبد الحميد كرامي في طرابلس، وقطعوا كل المنافذ المؤدية إلى المستديرة، تضامنًا معه، بعد تقديم استقالته.
وقال الرئيس ميقاتي في بيان الاستقالة الذي أذاعه مباشرة من القصر الحكومي، مقر حكومته، على الهواء، قرابة الساعة التاسعة من ليل الجمعة "أيها اللبنانيون، أيتها اللبنانيات، أتوجه اليكم اليوم كمسؤول وكأخ لكم جميعًا على مختلف مشاربكم وأهوائكم، متوسلاً من كلمتي هذه أن ترسم للبنان واقعًا أفضل في وحدته وأمنه واقتصاده ومحبة أبنائه لبعضهم البعض، أتوجه إليكم وقد انتهينا من إقرار إنجاز انتظره اللبنانيون طويلاً، هو سلسلة الرتب والرواتب، التي أحيلت إلى مجلس النواب منصفة الموظفين، الذين يشكلون العمود الفقري لإدارة الدولة، دون أن يتأثر اقتصادنا الوطني سلبًا، وقدمنا نموذجًا للإصلاح المرتجى، أتوجه إليكم ومدينتي التي أحب، تنزف دمًا وتودّع الشهداء وتئن مع أنين الأمهات الثكالى، مدينتي التي أضحي من أجلها بروحي، فهي منطلقي ومثواي الأخير، والتي لا أرغب إلا أن أراها في طليعة المدن على امتداد وطني الصغير وباقي الأوطان، منذ اللحظة التي امتشقت فيها سيف العمل العام، قررت مبارزة الأفق المسدود، وحاولت اختراق كل الأزمات، ورصد كل الحلول، وتلمس النهايات الواعدة، لم أتردد لحظة في التضحية والتحّمل، حفاظًا على أركان الوطن ورموز الدولة، وسيادة الحق العام، خلال مسيرتي آليت على نفسي ألا أتوقف عند حملات التجني والتجريح التي طاولتني، وغلّبت الصبر والحكمة والتأني ورباطة الجاش، وبذلت كل جهد بغية الحفاظ على وطني الحر وشعبه الشجاع.
أيها اللبنانيون، أيتها اللبنانيات،
اليوم أيقنت، ونحن نبحث في مجلس الوزراء موضوع إجراء الانتخابات النيابية، أن التجديد لضخ الدم في الحياة السياسية والبرلمانية اللبنانية واجب وطني، وأن وقف الضخ هذا يؤدي إلى شلل في البلاد، وتعطيل للمؤسسة الأم، من هنا فأنا مع إقرار قانون للانتخابات بالصورة التي يتوافق عليها اللبنانيون، ومع إجراء الانتخابات في موعدها، مهما كانت الظروف، لكنني كنت ولا أزال ضد قانون للانتخابات يلغي رسالة لبنان، ومفهوم العيش الواحد بين جميع أبنائه، أما وأن قانونًا جديدًا للانتخابات لن يقر، على ما يبدو، ضمن المهل التي تسمح بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وأن هيئة الإشراف على الانتخابات تم الحؤول دون تشكيلها في مجلس الوزراء، على الأقل كإعلان حسن نوايا، لضمان إجراء الانتخابات،
كما أنه خلال أيام قليلة ستدخل مؤسسة أمنية كبرى في الفراغ، نتيجة إحالة مديرها العام على التقاعد، فقد وجدت أن من الضروري في هذه المرحلة الدقيقة استمراره في مهامه، لأن في ذلك واجبًا وطنيًا تفرضه ضرورة حماية المؤسسة، التي شكلت ملاذًا آمنًا للبنانيين، ولمست اليوم أيضًا أن ثمة توجهًا في مجلس الوزراء لعدم التجاوب مع هذا الأمر، ونتيجة لكل ما سبق فأني أجد نفسي مضطرًا لاتخاذ الموقف الذي يحكمني ضميري باتخاذه، إفساحًا للمجال أمام العودة إلى الحوار، الذي يرعاه فخامة رئيس الجمهورية، والذي لا بديل عنه ولا مفر منه، إذ لا سبيل لخلاص لبنان وحمايته إلا من خلال هذا الحوار، وإفساحًا في المجال لتشكيل حكومة إنقاذية، تتمثل فيها كل القوى السياسية اللبنانية، لتتحمل مسؤولية إنقاذ الوطن، بما يكفل إطفاء الحرائق، ومواكبة الأحداث الإقليمية بروح عالية من المسؤولية الجماعية.
أحبائي،
لقد كانت المعاناة كبيرة، وكانت مقاربة المسائل الدقيقة في مجلس الوزراء وخارجه موضع تشكيك حينًا، ومكابرة أحيانًا، وتجاهلاً للواقع اللبناني، الذي يدعو إلى التوافق في كل النقاط الحساسة أكثر الأحيان، وقد سعيت قدر استطاعتي إلى حفظ لبنان، والنأي به عن الأعاصير العاتية والبراكين الثائرة، حفظًا لتوازن آمنت به، توازن يحفظ المعارض قبل الموالي، وقد طبقته قولاً وفعلاً، ما أتاح للبنان الحفاظ على الاحترام الدولي، والتفاعل الإيجابي في المحافل العربية والدولية، وأبقيت قنوات التواصل مفتوحة مع كل المكونات السياسية اللبنانية، متجاوزًا حملات التجني، لأن الوطن هو الأهم، هو الأغلى، هو الأحب، وهو الذي استحق تضحيات الآباء والأجداد ويستحق منا كل التضحية.
أيها اللبنانيون، أيتها اللبنانيات،
لقد راودتني الاستقالة مرتين، مرة حين عقدت العزم على تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ومرة لحظة استشهاد اللواء وسام الحسن، وفي المرتين اقتضت مصلحة لبنان علينا الاستمرار في تحّمل المسؤولية، التي تنوء عن حملها الجبال، فالمنطقة تنحدر نحو المجهول، والحرائق الإقليمية تصيبنا بحممها، والانقسامات الداخلية تترك جراحًا عميقة، والضغوط الاقتصادية والحياتية تتزايد من كل حدب وصوب.
أما اليوم فإني أعلن استقالة الحكومة، علها تشكل مدخلاً وحيدًا لتتحمل الكتل السياسية الأساسية في لبنان مسؤوليتها، وتعود إلى التلاقي من أجل إخراج لبنان من نفق المجهول.
إنني، إذ أتقدم بالشكر من فخامة رئيس الجمهورية، ومن دولة رئيس مجلس النواب، ومن النائب وليد جنبلاط، ومن كل القوى السياسية التي تعاضدت معي في هذه المسيرة، وفي مقدمها المكونات الأساسية الفاعلة في هذه الحكومة، والتي تشرفت بالتعاون معها، وكانت لي خير داعم ومساند، ومن كل النواب الذين منحوني ثقتهم، وأتوجه إلى اللبنانيين جميعًا بالعرفان، لأن عقلهم الباطني كان يدرك أن كل ما قمت به إنما كان من أجل مصلحة وطننا جميعًا لبنان.
أيها اللبنانيون، أيتها اللبنانيات،
رغم أجواء القلق والخشية على المصير، والألم الذي يعتصر قلبي، فإن بريق الأمل يلوح في عقلي وقلبي ووجداني، لأننا بتكافلنا وتضامننا نستطيع انتشال وطننا من على ضفاف الفتنة.
إن شعبًا كشعبي هو أقوى وأقدر،
إن أرضًا كأرضي أعصى من أن تتحول ركامًا،
إن سماء كسمائي ستصفى وتزهو بأرزة ترفرف في وسط علم لن ينكسر،
أنا هنا باق إلى جانبكم أيا كانت المواقع، ومهما بعدت المناصب
ويبقى الوطن رغم كل الأنواء.
حفظ الله لبنان وحما اللبنانيين جميعًا.
أرسل تعليقك