دعت الرئاسة السودانية بنبرة تصالحية واضحة إلى وقف الحرب والاقتتال، والحفاظ على عقد الأمن من الانفراط والدخول في الحوار الوطني، وتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في البلاد ووضع حد لمن سمتهم بـ"الإرهابيين"، كما دعت الذين يودون الانخراط في عملية الحوار الوطني الرامي إلى توفير الأمن والاستقرار بترك مهاجرهم والاستجابة لما أطلقت عليه صراخ الأمهات والأطفال.
وتجيء هذه الخطوة إثر تفاقم أزمات الكهرباء والمياه وارتفاع تكاليف المعيشة إلى أرقام "خرافية"، وازدياد الغضب الشعبي نتيجة هذه الأزمات المتلاحقة، وفشل وزارة المال السودانية في استقطاب النقد الأجنبي، لتمويل واردات الوقود، بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية المتدهورة.
وصرَّح نائب رئيس "المؤتمر الوطني" إبراهيم محمود في حفل معايدة بعيد الفطر المبارك أقامه الحزب الحاكم "المؤتمر الوطني" بحضور الرئيس عمر البشير، بأنَّ حكومته تدعو إلى إنفاذ خططها الممثلة في خطاب الرئيس الذي دعا فيه أهل السودان إلى الوحدة والوفاق عبر حوار الوطني الذي لا يستثني أحدًا.
وأضاف محمود وهو يوجه كلمته إلى الرئيس البشير ونوابه وقيادات حزبه وممثلي السلك الدبلوماسي، وحشد من العضوية بدار المؤتمر الوطني أمس: "حققنا أمنياتنا الواضحة من خلال برنامج رئيس المؤتمر الوطني، ومن خطابه وهو يدعو أهل السودان ويتمنى لهم الوحدة والوفاق، عبر برنامج للحوار الوطني لا يستثني أحدًا، والذي يسير فيه بخطى واثقة".
ودعا الرجل الذي اختير في التعديلات الحكومية الجديدة التي أعقبت انتخابات نيسان/ أبريل الماضي ليشغل منصب نائب الرئيس البشير في الحزب الحاكم، ومساعدًا له في رئاسة الجمهورية، إلى تحقيق ما سماه "أماني أهل السودان في السلام والأمن والاستقرار"، وإلى وضع حد للحروب والقتال التي تدور في أنحاء واسعة من البلاد، محذرًا من انتقال عدوى الإرهاب في بعض بلدان الجوار والإقليم إلى السودان بقوله: "سنضع حدًا للذين يريدون أن يكون السودان مثل الدول الأخرى، ينفرط فيه عقد الأمن".
واستخدم مساعد البشير للمرة الأولى مفردة "الإرهابيين" في وصف الحركة الشعبية – الشمال التي تحارب حكومته في ولاية جنوب كردفان منذ اندلاع التمرد مجددًا عشية انفصال جنوب السودان، وحملها مسؤولية الاعتداء على المدنيين في جنوب كردفان وقال: "استهدفوا بكالوقي المسلمين داخل المسجد، فهؤلاء الإرهابيين يجب أن نضع حدًا لهم"، بيد أنه عاد للهجة التصالحية مجددًا بقوله: "ندعو كل الذي يود السلام والاستقرار أن يأتي".
من جهتها، سارت في ذات النهج التصالحي القيادية في الحزب مها أحمد عبد العال وقالت في كلمتها في مفتتح حفل المعايدة إن الأمة ملت الحرب ونزلت إلى صوت العقل والسلام، وأضافت: "الأمة بعقلها الجمعي ملت الاحتراب ونزلت إلى صوت العقل والسلام والحوار".
ودعت عبد العال من أطلقت عليهم "القلة المنتظرة في الخارج" إلى العودة والدخول في الحوار، وأضافت: "كفانا وكفاكم وكفى أهلنا.. تعالوا إلى كلمة سواء"، ووجهت الحديث لـ"المعارضين في الخارج" قائلة: "صراخ الأمهات والأطفال يطاردهم".
وكان الرئيس البشير قد دعا في كانون الثاني/ يناير 2013 إلى ما سماه وقتها بـ"حوار الوثبة"، ويتضمن "وقف الحرب وتحقيق السلام، والمجتمع السياسي الحر، ومحاربة الفقر، وإنعاش الهوية الوطنية"، الذي يشارك فيه كل المعارضين، بما فيهم الحركات المسلحة.
واستجابت للدعوة عدة أحزاب موالية للحكم، بالإضافة إلى حزبي الأمة القومي برئاسة الصادق المهدي، والمؤتمر الشعبي برئاسة حسن الترابي، وحركة الإصلاح الآن برئاسة الإسلامي المنشق غازي العتباني، ورفضته قوى المعارضة المنضوية تحت لواء تحالف قوى الإجماع الوطني، المكون من قرابة 20 حزبًا وتنظيمًا معارضًا، أبرزها الشيوعي السوداني، والبعث العربي والمؤتمر السوداني، التي اشترطت تكوين حكومة انتقالية ووقف الحرب، وتنظيم مؤتمر دستوري لإعداد دستور دائم، وعقد انتخابات حرة نزيهة للدخول في الحوار، أو ما أطلقت عليه "تهيئة أجواء الحوار"، كما رفضته الحركات المسلحة التي تتفق مع قوى الإجماع الوطني المدنية على تلك الرؤية.
وفي وقت لاحق خرج زعيم حزب "الأمة" الصادق المهدي عن الحوار إثر توقيفه على خلفية انتقاده لميليشيا قبلية موالية للحكومة وتابعة لجهاز الأمن تعرف رسميًا باسم "قوات الدعم السريع"، وغادر البلاد إلى العاصمة المصرية القاهرة، ليقود المعارضة من الخارج.
وفي غضون ذلك وقعت قوى المعارضة بشقيها المدني والمسلح وثيقة "نداء السودان" في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وقبلها "إعلان باريس"، وكان مقررًا أن تدخل الأطراف السودانية في منتدى تشاوري بوساطة من الاتحاد الأفريقي والآلية رفيعة المستوى بقيادة الرئيس الجنوب أفريقي السابق ثابو مبيكي، قبيل انتخابات أبريل الماضية.
بيد أن الخرطوم الرسمية رغم موافقتها المبدئية على المشاركة في المنتدى التشاوري رفضت الذهاب إلى أديس أبابا، وأعلنت أن الحوار سيستأنف بعد الانتخابات التي اكتسحها الرئيس البشير وحزبه، في الوقت الذي رفضت فيه المعارضة نتيجتها مسبقًا واعتبرتها تكريسًا لشمولية الحزب الحاكم.
أرسل تعليقك