زعيم حزب "النهضة" الإسلامي الحاكم في تونس راشد الغنوشي
تونس ـ أزهار الجربوعي
أكد ، نهاية مسلسل "الاستقطاب الثنائي"، ووضع حد شريط القطيعة مع خصمه السياسي الأبرز رئيس حزب "نداء تونس" الباجي قائد السبسي، الذي كانت تعتبره "النهضة" وأنصارها "تجمعًا لبقايا فلول النظام السابق".
وأعلن الغنوشي
، خلال أول ظهور له في قناة "نسمة" الفضائية المُقرّبة من دوائر السبسي، رفضه لتمرير قانون "العزل السياسي"، وقبوله بحل الحكومة الحالية منذ لحظة إتمام تشكيل حكومة انتخابات جديدة، في حين أدار زعيم "النهضة" ظهره للتيار السلفي، الذي يصفه مراقبون بـ"الحديقة الخلفية لـ(النهضة)"، معربًا عن عدم معارضته لمبدأ تصنيف تيار "أنصار الشريعة" السلفي في خانة التنظيمات الإرهابية، إذا أثبتت التحقيقات ذلك، مشدّدًا على "أن أمن تونس خط أحمر".
ودعا زعيم "النهضة" الرئيس التونسي المنصف المرزوقي وأعضاء الحكومة الحالية كافة إلى الاستقالة، إذا أرادوا الترشح للانتخابات المقبلة، لهدف تكريس ديمقراطية حقيقة، على حد قوله.
وكشف رئيس حزب حركة "النهضة"، عن رزمة من التنازلات لصالح خصومه السياسيين، بهدف الخروج من الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ اغتيال المعارض محمد البراهمي، الشهر الماضي، في خطوة اعتبر مراقبون أنها متوقعة ولم تكن مفاجأة، لا سيما بعد اللقاء الذي جمع الغنوشي بغريمه السياسي رئيس حزب "نداء تونس"، إلى جانب سلسلة المفاوضات التي لعب فيها اتحاد الشغل (كبرى القوى النقابية والاجتماعية)، دور الوساطة بين الطرف الحكومي بقيادة "النهضة" ومعسكر المعارضة بزعامة "نداء تونس".
وقال الغنوشي، "إن أهم مكسب حققه لقاء باريس مع السبسي، أنه ساهم في إذابة الجليد بين أكبر قوتين سياسيتين في البلاد، وأن تونس ليست بمأمن من السيناريو المصري، وأنها باتت قاب قوسين من النجاح أو الوقوع في الكارثة وإراقة الدماء، وأن حزب (نداء تونس) الذي أنشأه رئيس الوزراء الأسبق السبسي بعد انتخابات المجلس التأسيسي التي جرت في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011، قد أحدث توازنات جديدة في المشهد السياسي التونسي، الذي يعيش نوعاً من الخلل لابد من معالجته بالحوار وليس باللجوء إلى ضغط الشارع"، مضيفًا أن "الجليد قد ذاب بين (النهضة) و(نداء تونس)، وهما حزبان كبيران، ومستعد للقاء السبسي حتى في غواتيمالا من أجل مصلحة تونس، وأيدينا ممدودة لجميع الأحزاب من دون استثناء أو إقصاء, وأن نشوب الكره والحقد بين القوى السياسية قد يدفع نحو إحراق البلاد، التي تتعرض إلى تهديدات جدية من قِبل الفوضويين"، وفق وقوله.
وبشأن الحلول السياسية للأزمة التي تعصف بتونس منذ شهر، وسط اضطراب أمني وأنباء عن تداعٍ اقتصادي، أعلن رئيس "النهضة" الإسلامية قبوله بحل الحكومة الحالية التي يسيطر عليها حزبه، التي ستعلن تخلّيها منذ اللحظة الأولى لنجاح الحوار الوطني في تشكيل حكومة "انتخابات" محصورة العدد، تتولى إنهاء ما تبقى من مرحلة الانتقال الديمقراطي، وأن الحكومة لن تستقيل قبل أن يجهز البديل، لأنها ترفض ترك البلاد للفراغ، إلا أنها مستعدة للتنحي في ظرف 20 يومًا، إذا كانت الحكومة الجديدة جاهزة، وأن شكل وحجم ومهام الحكومة المقبلة وتاريخ الانتخابات العامة سيتم ضبطه بالتوافق على طاولة الحوار الوطني"، مشيرًا إلى قبول "النهضة" تشكيل حكومة كفاءات غير حزبية، كما جاء في مبادرة منظمة اتحاد الشغل، تشرف على الانتخابات المقبلة، وتكون عناصر ملتزمة بعدم الترشح للاستحقاقات المقبلة، مطالبًا المعارضة بأن "تُسارع في إعلان قبول مبادرة اتحاد الشغل كما قبلتها "النهضة"، والتي تنص على مواصلة المجلس التاسيسي لأعماله، وعودة نواب المعارضة المنسحبين منه، لإنهاء الدستور والقانون الانتخابي الذي من الممكن أن يتم خلال أسبوع فقط، بعد إتمام غالبية التوافقات وحل النقاط الخلافية".
وعن ملف قانون "العزل السياسي" المعروف في تونس بـ"تحصين الثورة"، أوضح راشد، أن "المرحلة لا تستوجب فتح ملفات الماضي، وأن حزبه يرى أنه لا مجال لتمرير قانون تحصين الثورة في المرحلة الحالية"، فيما انتقد دعوات العصيان المدني التي أطلقها "ائتلاف الجبهة الشعبية" اليساري المعارض، مؤكدًا أن "طرد المحافظين وعصيان الدولة لا يكون إلا زمن الدكتاتوريات، فلا ثورة ضد حكومة منتخبة، وأن التونسيين يركبون السفينة نفسها، وأن البلاد تسع الجميع"، داعيا المعارضة إلى الحوار والتخلي عن سوء النوايا المسبقة وسياسة الهدم والفراغ.
واعتبر رئيس الحزب التونسي الحاكم، أن البلاد تحتاج لمرور عاجل إلى الانتخابات، وأن الوضع الراهن لا يتحمل مزيد الإطالة في عمر مرحلة الانتقال الديمقراطي، لا سيما أن البديل الذي يدعو إلى الفوضى والتمرد بصدد تجهيز نفسه، وأن حركة "النهضة" تنازلت ولا تزال مستعدة للتنازل أكثر من أجل الحفاظ على سلامة المواطنين ومصالحهم، وإنجاح عملية المسار الديمقراطي, وأن تونس ستدخل التاريخ من الباب الكبير عند استكمال الفترة الانتقالية وإنجاح ثورتها السلمية وديمقراطيتها الناشئة التي تحظى باحترام العالم بأسره، وفق تعبيره.
كما دعا الغنوشي، الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي، إلى الاستقالة من رئاسة الجمهورية، إذا كان ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، معتبرًا أن ذلك هو السبيل الأمثل لتكريس ديمقراطية حقيقة، ولضمان انتخابات نزيهة وشفافة، معربًا عن أمله بأن تحظى الانتخابات المقبلة بأكبر دعم ومراقبة اقليمية وعربية ودولية.
وتعقيبًا على إمكان تصنيف تنظيم "أنصار الشريعة" السلفي الجهادي في خندق التنظيمات الإرهابية، قال الغنوشي، "إن أمن تونس خط أحمر، وأن الإسلام تسامح ورحمة وليس اغتيالات واعتداء على الحرمات، من دون أن يبدي معارضة لتصنيف (أنصار الشريعة) في بوتقة التشكيلات الإرهابية في حال أثبت القضاء والتحقيقات ذلك"، داعيًا أبناء الشعب التونسي إلى الاصطفاف وراء قوات الأمن والجيش التونسي في مواجهة التطرف والإرهاب ولردع كل من يتربّص بأمنه.
ورأى مراقبون، أن تنازل الغنوشي كان قسريّا لا طواعيّا، مؤكدين أنه نجح في تجنيب قواعده وبلاده حمّاما من الدم وسيناريو من المحاكمات والاحتراب الأهلي، ويظهر ذلك جليًا في خطاب الغنوشي الذي حذّر في أكثر من مناسبة من "محرقة"، في حال تواصل التجاذب السياسية بين قوى الحكم التي يتزعمها حزبه والمعارضة بقيادة "نداء تونس"، التي تعتصم في ميادين والساحات منذ مرور شهر عن اغتيال المنسق العام لحزب "التيّار الشعبي" محمد البراهمي، مطالبة بإسقاط النظام وحل المجلس التأسيسي (البرلمان) وجميع مؤسسات الدولة المنبثقة عنه من رئاسة جمهورية وحكومة، وأن الغنوشي مد يده إلى خصمه السياسي الأبرز الباجي قائد السبسي، الذي طالما صنفته "النهضة" في خندق "فلول النظام السابق"، لينهي الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، والتي تضررت بسبب الاستقطاب الثنائي ومعارك كسر العظم التي دارت بين أكبر قوتين سياسيتين (النهضة ونداء تونس)، كانتا ترفضان مجرد الجلوس على طاولة نفسها الحوار لأشهر.
وأفاد المتتبعون للشأن السياسي في تونس، أن التحدي الأكبر أمام زعيم "النهضة" راشد الغنوشي يبقى في إقناع قواعده التي لم يرق لها تنازل زعيمه عما تصفه بـ"الثوابت"، لا سيما في ما يتعلق بقانون "العزل السياسي" ومحاسبة المتورطين في منظومة العهد السابق، وأن تنازلات الغنوشي قد تفقد حزبه جانبًا كبيرًا من قواعده، لا سيما من قِبل التيارات السلفية والإسلامية التي ساهمت بشكل كبير في وصول "النهضة" إلى الحكم في انتخابات 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011، والتي يُرجح أن تدير ظهرها للغنوشي بعدما سبقها إلى ذلك، معلنًا التخلي عن مبدأ تطبيق الشريعة في الدستور، ومقدّمًا تنازلات على حساب خلفيته الإسلامية لصالح تكريس دولة مدنية وليبيرالية.
أرسل تعليقك