رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط
بيروت – جورج شاهين
لفت الى "الفارق بين شهداء الجيش العربي السوري الذين سقطوا في مواجهة إسرائيل في بيروت وعين زحلتا والسلطان يعقوب، وما يقوم به الجيش النظامي اليوم في دك المدن السوريّة وتحويل بندقيته من مواجهة إسرائيل إلى مواجهة الشعب السوري. وسأل "ألم تكن كل تلك
الأسلحة والصواريخ الفتاكة كفيلة بتحرير الجولان المحتل مرات ومرات"؟ وفي الوقت الذي اكد فيه "ان لعنة التاريخ ستلاحق هذا النظام إلى أبد الآبدين، جدد دعوته للمعارضة السورية لتوحيد بندقيتها تحت سقف برنامج وطني ديمقراطي"، معتبرا "ان الشعب السوري ليس بحاجة الى المزيد من الجهاديين أو القتلة المأجورين، هو الأعلم في كيفية مواجهة النظام ورسم مستقبل جديد لسوريا".
وجدد جنبلاط في كلمة القاها بالنيابية عنه امين السر العام السابق للحزب شريف فياض في مؤتمر صحفي استعيض عنه بعد إلغاء الإحتفال التكريمي لشهداء الحزب في عالية، "اتهامه للنظام السوري بقتل والده كمال جنبلاط والرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري".
وقبل ظهر اليوم القى المقدم شريف فياض في مؤتمر صحفي في مدينة عاليه كلمة رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط التي كان مقرراً إلقاؤها في إحتفال شهداء الحزب، ومما جاء فيها:
"لطالما كانت مدينة عاليه وتبقى عنواناً للصمود والعنفوان، وقد سجلّت مع قرى وبلدات الوطن، من الجنوب إلى عكار، من وادي التيم وكل البقاع إلى بيروت والضاحية، من الشوف إلى الشويفات، من الاقليم إلى المتن، ومن الجرد إلى الشحار، سجلت ملاحم بطوليّة دفاعاً عن لبنان.
عاليه التي إرتبطت بعلاقة وثيقة مع المعلم الشهيد كمال جنبلاط، شهيد الحزب التقدمي الاشتراكي والحركة الوطنيّة والثورة الفلسطينيّة، شهيد عروبة لبنان وسيادته وإستقلاله، شهيد الحرية والكرامة الانسانيّة والعدالة الاجتماعيّة".
وأضاف: "لقد روى شهداء الحزب التقدمي الاشتراكي بدمائهم أرض لبنان دفاعاً عن وحدته وعروبته في مواجهة إسرائيل ومشاريعها، وتصدوا بباسلة للدخول السوري إلى لبنان الذي هدف لمصادرة السيادة والاستقلال والقرار الوطني الفلسطيني المستقل، إلى جانب رفاقهم في الحركة الوطنيّة اللبنانيّة الذين سقطوا في سبيل مشروعٍ إصلاحي، لو نجح، لكان دفع لبنان نحو إرساء قواعد عصريّة تتجاوز النظام الطائفي والمذهبي ، وفي هذه المناسبة، نقول لكل شهداء الحزب، منذ إنطلاقة مسيرته، منذ سقوط شهداء الباروك ملحم أبو عاصي وحمزة أبو علوان وفايز فليحان ومعهم الضابط بهيج الشحوري ولاحقاً مع حسان أبو إسماعيل ومصطفى نصرالله الذي إستقوى على جراحه لسنواتٍ طويلة، ولشهيد المصالحة الوطنية الذي سقط قبل حلول أوانها، الشهيد أنور الفطايري؛ ولنقول لشهداء جيش التحرير الشعبي، إن تضحياتهم لم تذهب هدراً، وإنهم أناروا الطريق نحو لبنان جديد".
و تابع يقول: "فشهادتهم هي التي فتحت طريق المقاومين إلى الجنوب والاقليم وبيروت، هي التي أسقطت إتفاق السابع عشر من أيّار، هي التي مهدّت للتسوية السياسيّة الكبرى التي أقرّت في الطائف من خلال قافلة من الرجال الأشداء الشجعان فوق تلال هذه الجبال وسواحلها وتخوم بلداتها، من عاليه إلى سوق الغرب وعيتات والشحار، من الاقليم إلى بيروت وضاحيتها، إلى كل موقع روته دماء شهداء الحزب وجيش التحرير الشعبي والحركة الوطنيّة والثورة الفلسطينية" ، وفي هذه المناسبة، نوجّه التحيّة أيضاً إلى "شهداء الحركة الوطنيّة والمقاومة الفلسطينيّة في الجنوب وإلى شهداء حركة أمل، وإلى شهداء الجيش العربي السوري الذين واجهوا الاحتلال الاسرائيلي في العام 1982 من بيروت إلى عين زحلتا إلى السلطان يعقوب. وفوق الخلافات السياسيّة، وترسيخاً لمصالحة الجبل التاريخيّة، وتأكيداً على تمسكنا بالسلم الأهلي وطي صفحة الماضي، نحيي شهداء كل القوى السياسيّة التي تواجهنا معها في الخنادق، فهم أيضاً آمنوا بقضية لبنان كما فهمومها وناضلوا في سبيلها".
وفوق التعارض السياسي حيال توريط بندقيّة المقاومة في النزاع السوري إلى جانب النظام، فإن ذلك لا يلغي توجيه التحيّة إلى الشهداء المقاومين من أهل الجنوب والعسكريين والمواطنين الأبرياء الذين سقطوا في العدوان الاسرائيلي في تموز 2006، وحبذا لو تذكر بعضهم وقفة أهالي الجبل واللبنانيين أجمعين في إحتضان الجنوبيين، وهذا واجبهم، خلال تلك الحرب القاسية والمدمرة! أتذكرون التساؤل الشهير الذي أعلناه لمّن سيُهدى الانتصار؟ هو السؤال ذاته يعيد تكرار نفسه حتى يومنا هذا.
في عيد شهداء الحزب التقدمي الاشتراكي، نتوجه بالتحيّة أيضاً إلى شهداء الجيش اللبناني وهو جيش لكل اللبنانيين، بذل ويبذل تضحياتٍ جسيمةٍ في لحظةٍ سياسيّة شديدة التوتر وفي ظل إنقساماتٍ غير مسبوقة بين اللبنانيين، ومن واجبنا جميعاً أن ندعم المؤسسة العسكريّة فعلاً وليس قولاً. من هنا، فإن محاولات مذهبة وتطييف الأجهزة الأمنية والعسكريّة وتحويلها إلى جزرٍ لحماية هذه الطائفة أو تلك هو بمثابة ضربة قاسية للحصون الأخيرة التي لا تزال تحمي لبنان وتحول دون إنجراره إلى أتون النيران الاقليميّة.
والشهادة هي للأبطال، للأبرار، للكبار الكبار، فألف تحيّة للشهداء أجمعين، وألف تحيّة أيضاً لعائلاتهم وأبنائهم الذين فهموا أيضاً سمو الدور الذي قام به من فقدوهم وإفتقدوهم لكي يحيا لبنان عربياً حراً ديمقراطيّاً، وصبروا على معاناتهم وألمهم.
وإذا كان الاعتراف بأثمان التضحيات التي قدمها الشهداء، شهداء الحزب، كما سائر الشهداء، هو من باب الوفاء وإعادة قراءة الماضي، فإن مسؤوليّة دراسة أسباب الحرب القاسية وظروفها وخلفياتها، تبقى مسؤوليّة اللبنانيين جميعاً، وما لم يقبلوا عليها بجرأة وإقدام، فإن لعنة معاودة الاقتتال ستلاحقهم إلى الأبد، دون حلول أو مخارج لأزماتٍ يكاد بعضها يتحوّل وجودياً كما هي المرحلة الراهنة.
وكم هي متقدمة تلك الشعوب التي تستخلص العبر من حروبها ونزاعاتها المسلحة كي تتلافى السقوط مجدداً في الهاوية أو في أفخاخ ينصبها لها الآخرون، فتتحوّل عندئذٍ الى حروب الآخرين على أرضها.
لقد أكد الحزب التقدمي الاشتراكي دائماً تمسكه بثوابت سياسيّة في طليعتها التنوع والتعدديّة، الحريّات والديمقراطيّة، وضرورة تجاوز النظام الطائفي والمذهبي للتأكيد على المساواة التامة بين المواطنين، بصرف النظر عن إنتماءاتهم، وسعى لترجمتها عمليّاً من خلال رفضه الانجرار إلى الفتنة، أو ضرب الاستقرار والسلم الأهلي، وهو الذي حقق المصالحة التاريخيّة في الجبل مع البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير، لطي صفحة الحرب نهائيّاً وتضميد الجراح البليغة التي أصابت لبنان. وهو يؤكد اليوم مجدداً أنه لن يتوقف عند مقالات أو رسائل تُبعث في بعض الصحف المأجورة لأن تمسكه بالاستقرار فوق كل إعتبار. كما يدعو مجدداً، لقيام حكومة مصلحة وطنيّة، بمشاركة جامعة، لأن الاستمرار في حالة الفراغ يعطل شؤون الناس ويعيق إمكانيات التقدم ومعالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية.
كما وقف الحزب دائماً إلى جانب الديمقراطية والحريّة ورفض محاولات تحويل النظام اللبناني إلى نظام أمني أسوةً بالسجون العربيّة الكبيرة التي دفع كمال جنبلاط حياته ثمناً لرفض دخولها. ولا يزال الحزب يؤكد مرة أخرى إنحيازه للحريات العامة، وحرية التعبير عن الرأي والتجمع والتظاهر. ألم يكن مؤسس الحزب الشهيد كمال جنبلاط هو من منح التراخيص للعديد من الأحزاب السياسية التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا؟
إن الحزب التقدمي الاشتراكي الذي قدّم عبر تاريخه النضالي الطويل قافلة من الشهداء في سبيل مشروع بناء الدولة، لم يتوانَ عن التضحية وبذل كل الجهد اللازم في سبيل الحفاظ على لبنان وعبّر عن ذلك في كل المحطات المفصليّة التي خاض فيها معارك ونضالات شرسة لمواجهة التقوقع تارةً والاحتلال تارةً أخرى، كما واجه محاولات إبعاده وإستبعاده، فكان في كل مرة ينتصر، لأن “الحياة إنتصار للأقوياء في نفوسهم لا للضعفاء”.
قدرُ هذا الحزب أن يعاند الرياح العاتية منذ مقصلة 1977 التي إستهدفت المعلم الشهيد كمال جنبلاط. فإذا بالحزب ينتصر على المقصلة. كانت المقصلة التي قتلت كمال جنبلاط تريد أن تقتل الحزب ونهجه ومواقفه ونضاله في سبيل نظام سياسي متطور، متحرّر من القيود الطائفيّة والمذهبيّة، عروبي، إستقلالي، يُطبّقُ العدالة الاجتماعيّة، والتنمية المناطقيّة، يمتلك ما يكفي من القدرة على مواجهة إسرائيل دون أن يقبل بجعل لبنان ساحة لتبادل الرسائل الاقليميّة والدوليّة.
وها هي المقصلة التي إستهدفت كمال جنبلاط وعشرات الساسة ورجال الاعلام والفكر وفي مقدمهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تتداعى وتحارب في سبيل بقائها حتى آخر قطرة دم، وآخر حجرة في عمارة، وآخر شارع في قرية. ها هي المقصلة تكشف عن وجهها الحقيقي والبشع، تلاحق آخر مواطن في آخر بلدة لأنه كسر حاجز الخوف مطالباً بالحريّة والكرامة والديمقراطيّة ورافضاً للاذلال والظلم والقمع. من أجل كل ذلك، نحن إلى جانب الثورة السوريّة!
وكم هو ملفتٌ ذاك الفارق بين شهداء الجيش العربي السوري الذين سقطوا في مواجهة إسرائيل في بيروت وعين زحلتا والسلطان يعقوب، وما يقوم به الجيش النظامي اليوم في دك المدن السوريّة وتحويل بندقيته من مواجهة إسرائيل إلى مواجهة الشعب السوري. ألم تكن كل تلك الأسلحة والصواريخ الفتاكة كفيلة بتحرير الجولان المحتل مرات ومرات؟ إنها لعنة التاريخ ستلاحق هذا النظام إلى أبد الآبدين.
من هنا، تحية خاصة للشعب السوري وتضحياته في مواجهة آلة الطغيان، ودعوة متجددة للمعارضة السورية لتوحيد بندقيتها تحت سقف برنامج وطني ديمقراطي. ليس الشعب السوري بحاجةٍ للمزيد من الجهاديين أو القتلة المأجورين، هو الأعلم في كيفية مواجهة النظام ورسم مستقبل جديد لسوريا يحافظ على وحدتها ويحترم التنوع والمشاركة الديمقراطية في مؤسساتها.
سينتصر الحق، في نهاية المطاف، ولن يصح إلا الصحيح!
في يوم شهداء الحزب التقدمي الاشتراكي، نؤكد أننا مستمرون، رغم أن المسيرة طويلة، والتضحيات المطلوبة لا تزال كبيرة، والتحديات الماثلة أمامنا إستثنائيّة، ولكن كما لم نتراجع يوماً في مراحل الحرب القاسية، لن نتراجع الآن عن ثوابتنا. لن نتراجع عن الحوار، لن نتراجع عن التمسك بالسلم الأهلي مهما كانت الأثمان، لن نتراجع عن الاستقرار.
وختم فياض بالقول: تحيّة إلى شهداء الحزب التقدمي الاشتراكي وجيش التحرير الشعبي،
تحيّة إلى جرحى الحزب والمعوقين وكل المناضلين،
تحيّة إلى شهداء الحركة الوطنيّة اللبنانيّة والثورة الفلسطينية،
تحيّة إلى شهداء كل القوى اللبنانيّة، حتى ولو كانت في مواقع مختلفة ومتبانية مع رأينا السياسي،
تحية إلى كبير الشهداء، المعلم الشهيد كمال جنبلاط،
وشكراً.
أرسل تعليقك