حظر تجول طوعي في دمشق
دمشق - جورج الشامي
مع تصاعد الحديث عن توجيه ضربة عسكرية وشيكة للنظام في سورية، خيمت أجواء من الوجوم الثقيل على العاصمة دمشق، لا سيما وسط دمشق الواقع في قبضة الحكومة، فتحولت الطرقات إلى شبه مهجورة، وازدادت حركة النزوح بشكل ضخم للسكان القريبين من المواقع الأمنية والعسكرية، خصوصاً
أن العاصمة السورية تنتشر فيها الفروع الأمنية والعسكرية بشكل كبير، قد تصل لأكثر من 200 موقع وفرع.
في حين تسابق الدمشقيون على الاستعداد لوجستياً للضربة، على مستوى الغذاء والعتاد.
وشهد الأربعاء والخميس حالة من الهلع والخوف في صفوف المواطنين، ونقل لـ"العرب اليوم" عدد من العاملين في دوائر الدولة، غياب أكثر من 70% من الموظفين عن أعمالهم، فيما لم تفتح المحال في الأسواق الشعبية محالها، مثل محال الألبسة والمعدات والتجهيزات وأغلقت أسواق الحمرا والصالحية وباب توما، فيما اقتصرت المحال التي استقبلت زواراً هي محلات الأغذية.
وتوجه السورين إلى شراء المعلبات والأغذية المجففة، وقال أحد الباعة لـ"العرب اليوم"، محتويات مَتجري فرغت في اليومين الماضيين حيث تهافت المشترون بشكل غير مسبوق، وكان التركيز على الفول والحمص المعلب، واللحوم المقددة والمعلبة، وغيرها من المنتجات التي لا تفسد في ظل فقدان التيار الكهربائي.
أحد الأسواق التي لاقت إقبالاً الأربعاء والخميس، هو سوق "زقاق الجن" وهو مختص بتصليح المولدات ومحركات الكهرباء.
وعن ذلك قال لـ"العرب اليوم" صاحب أحد المحلات "السوق دائماً يتحرك، فدمشق تعاني من نقص حاد في الكهرباء، يتراوح يومياً بين 6 و12 ساعة، ولكن الآن الحركة أكبر لتصليح المولدات والمحركات وشراء الجديد منها، فالمواطن يتوقع أن أول الخطوط التي ستتأثر في حال تمت الضربة المرتقبة، هي خطوط الكهرباء، ويتخوفون من انقطاع طويل في التيار الكهربائي.
وشهدت المخابز في دمشق وريفها ازدحاماً غير مسبوق، حيث تقاطر السوريون لشراء المادة التي تعتبر المحرك الغذائي الأساسي لوجباتهم، فيما اضطرت المخابز إلى مضاعفة دورياتها، بينما اضطر بعضها الآخر للإغلاق بسبب الشح في مادة الطحين.
أما حركة النزوح فتركزت في محيط مطار المزة العسكري، والمربع الأمني في كفرسوسة، وفي منطقة المهاجرين في الجادات العليا القريبة من الفرقة الرابعة والفرقة 105.
وتوجه سكان هذه المناطق حسب ناشطين إلى منطقة باب توما أو منطقة مشروع دمر، وهما أكثر المناطق أمناً بسبب بعدها عن المواقع والأفرع العسكرية، فيما توجه السكان غير الأصليين لدمشق إلى قراهم ومدنهم وخاصة في الساحل السوري.
وتشهد شوارع دمشق فراغاً غير مسبوق، خصوصاً في الساحات والأسواق الرئيسية، كساحة الأمويين والجسر الأبيض والقصاع، فيما تحول الأمر إلى حظر تجول طوعي، فمع غياب آخر خطوط الشمس، يرتد السوريون القليلون الذين بقوا خارج منازله إلى العودة، لتخلو الشوارع والمطاعم والأسواق من الرواد.
ويقول عدد من السكان الدمشقيين لـ"العرب اليوم" نحاول اقتصار خروجنا من المنازل، بينما نجلس مساءً أمام التلفزيون لمتابعة التطورات والتصريحات فيما يتعلق بالضربة المرتقبة.
الوجوم والخوف المشوب بالقلق والحذر والترقب هو حال السوريين عامةً والدمشقيين خاصة، فتبعات الضربة ليست معروفة حتى الآن، ولن تفرق بين مؤيد ومعارض.
الحكومة السورية تحاول عبر بث بعض الأغاني الوطنية، الرفع من معنويات مؤيديها، ويحاول بعض المؤيدين للأسد إثارة شعور وطني، فسيارات الدفع الرباعي تجوب أحياء وسط دمشق وتذيع الأغاني الوطنية. ولوّن شبان الكتل الخرسانية التي تسد الطرق بألوان العلم السوري، ولكن ذلك لم يكن له أثر.
يبدو الذعر واضحا في صفوف بعض الموالين للنظام حيث يرسلون أطفالهم وعائلاتهم إلى القرى في الساحل، بعيدا مواقع الأهداف المحتمل أن تتلقى ضربة عسكرية خارجية.
فيما تتجه قوى المعارضة لتطيمن مؤيديها إلى أن الضربة لن تقترب من المدنيين وستكون محددة وموجهة إلى المقرات والمواقع والفروع العسكرية.
وتتفاوت مشاعر هؤلاء حول الضربة، ويقول عضو أحد تنسيقيات ريف دمشق "الجميع يأمل أن تخفف الضربة الأميركية للحكومة من شراسة القصف ومن إجرام النظام، لكنهم لا يملكون أوهاما بشأن عدم جدية المجتمع الدولي في إسقاط النظام، وفي المقابل يتخوف سكان وسط العاصمة من الذين التزموا منازلهم من احتمال ضرب المقرات الأمنية المتغلغلة وسط الأحياء السكنية، وأبدى أحد سكان الصالحية انزعاجه من المعارضين الذين يدعون إلى تدخل عسكري خارجي وضرب المقرات الأمنية وقال "أنا ضد النظام وأتمنى سقوطه اليوم قبل الغد، ولكن منزلي يجاور مقرا أمنيا ماذا أفعل وأين أذهب بعائلتي؟.
إلا أن أحد المعارضين يبدو مطمئنا ويقول إنه "ليس خائفا من أي ضربة وعلى العكس أيا كانت الضربة الأميركية ستكون أرحم من ضربات الحكومة الوحشية.
ويضيف ساخرا "الصواريخ الأميركية ستكون دقيقة وتشبه العمل الجراحي مع هامش خطأ واحد سنتيمتر بينما صواريخ وبراميل النظام لا تزال تنهمر خبط عشواء بهامش خطأ واحد كيلومتر".
وعلى مشارف دمشق يشعر سكان مناطق مثل الحمة وجمرايا وقدسيا بشكل خاص بالتوتر لأنها مواقع لعدد من المنشآت البحثية العسكرية ومخازن السلاح بالإضافة إلى القواعد العسكرية.
وتعرضت المناطق المحيطة بجمرايا لضربتين إسرائيليتين خلال العام المنصرم. وتسببت الضربة الثانية التي حدثت ليلا في آيار/ مايو في انفجارات ارتفعت منها ألسنة اللهب بشكل مثير.
وقالت مواطنة سورية وهي من سكان الحمة إن عائلتها وكثيرين من الجيران يحزمون أمتعتهم ويبحثون عن منازل يستأجرونها. وأضافت "يحاولون الابتعاد قدر الإمكان عن المواقع العسكرية. الناس يذهبون إلى أماكن مثل منطقة مشروع دمر أو البلدة القديمة في دمشق أو أي مكان يغلب عليه الطابع المدني".
أما في قدسيا فالأمر أكثر تعقيداً خصوصاً لقربها من مقرات للفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، فضلاً عن أن معظم سكان هذه البلدة في الوقت الحالي من الفلسطينيين الذين في الأساس نزحوا من مخيم اليرموك.
أرسل تعليقك