وجهان متناقضان لدمشق ولقطة لما يجري في فندق داماس روس وأخرى لسكان المدينة بين الأنقاض في أعقاب انفجار سيارة مفخخة
لندن ـ سليم كرم
تعيش العاصمة السورية دمشق الآن حالة من انفصام الشخصية، فعلى الرغم من آثار الحرب التي تبدو واضحة المعالم في أركانها، حيث ينتشر الدمار بسبب قذائف الطائرات وانفجار السيارات المفخخة، إلا أنها تعيش حالة من الازدهار، حيث يتواصل النشاط التجاري، وتستمر الحفلات والسهرات الاجتماعية، وتعج المطاعم بزوارها
، وينتظم المدنيون في عملهم كل صباح.
ونشرت صحيفة "صنداي تلغراف" البريطانية تحقيقًا أشارت فيه إلى مشهد لسهرة في فندق "داماس روز" في دمشق، حيث يحمل القائمين على الخدمة في الفندق أطباقًا عليها ما لذ وطاب من كافة أنواع اللحوم والفواكه والحلويات، وتحت أضواء الثريات يتبادل زوار الفندق الأنخاب، ويسرفون في تناول الشراب وهم يصفقون ويتراقصون في إيقاع من انغام الموسيقي والغناء.
وتبدو النساء في هذا الحفل وهن في أبهى صورة بفضل تسريحات الشعر المتنوعة، وأدوات التجميل التي تبدو آثارها واضحة على الوجوه، في قوام ممشوق بفضل الملابس الضيقة والحريرية والفساتين، والأحذية ذات الكعوب العالية، والجميع يجلسون على مقاعد مخملية حمراء، أما العشاق فهم ينتحون جانبًا بالقرب من حمامات السباحة على أَسِرّة تحت سماء تتلألأ فيها النجوم.
ويقوم ممرضو الصليب الأحمر على مقربة من الفندق بغسل النقالات من الدماء، بعد أن عادوا إلى مركز تجمع سيارات الإسعاف بعد أن انتهوا من نقل جثة أحد الشباب إلى ذويه بعد تلقيه إصابة مميتة في المخ والظهر.
ويقول أحد رجال الإسعاف واسمه حمزة إنهم قاموا بنقل العديد من الجثث في الآونة الأخيرة، وهي مهمة لا يقوم بها غيرهم، وعادة ما توجد هذه الجثث في الجبهات الأمامية، ويضيف أن دمشق بتراثها الذي يتمد عمره ستة آلاف سنة قد تعرضت للتدمير على يد أبنائها.
وتؤكد الصحيفة أن أصوات القذائف الثقيلة التي كانت يومًا ما تثير الرعب والتي كان يعتقد البعض أنها بداية النهاية لنظام بشار الأسد، قد أصبحت على هامش الحياة اليومية في ظل تواصل قذائف دبابات النظام على مدى شهور متواصلة بلا هوادة.
وتتطاير الصواريخ والقذائف من معاقل الجيش في جبل قيسون فوق رؤوس السكان في وسط العاصمة قبل أن تسقط على الأحياء التي تسيطر عليها قوات المقاومة السورية، وبعدها تتصاعد ألسنة الدخان، ويتواصل تحليق الطائرات فوق الرؤوس ليلاً ونهارًا.
ولم يتهاوَ نظامُ الأسد مع استمرار الحرب كما كان يتوقع الكثيرون، والواقع، وكما تقول الصحيفة، أن النظام السوري يزيد من إحكام سيطرته وقوته على مقاليد الحكم، ويستهوي النخبة في دمشق والطبقات الغنية الجديدة تحسبًا لما قد يحدث في المستقبل.
أما المقاهي فهي تعج بالزبائن، ويتبادل زوارها أطراف الحديث والحكايات عن ما ترتكبه المقاومة من أعمال وحشية، وهي أعمال، كما تقول الصحيفة، بعضها حقيقي وبعضها ملفق، والغالبية هنا يتخوفون من المسحة الدينية الإسلامية المتشددة التي تغلف المعارضة السورية، والجماعات التي ترفع شعار الجهاد، والتي يطلق على أفرادها اسم "الجهاديين"، ومن بين هؤلاء "جبهة النصرة" التي تعلن مسؤوليتها عن انفجارات السيارات المفخخة، التي تحدث في العاصمة يوميًا تقريبًا.
وتنسب الصحيفة إلى العديد من سكان دمشق قولهم إنهم كانوا في بداية "الانتفاضة" العام 2011 يعارضون النظام السوري بسبب استبداده، كما شارك البعض منهم في المظاهرات الاحتجاجية ، ولكن موقفهم الآن تغير بعد أن أخذت الحرب منحى أبعد من مجرد انتفاضة شعبية ضد حكم ديكتاتوري، إذ إن الحرية سوف تكون أقل عندما تتولى المقاومة السلطة في البلاد.
وتقول أم لطفلين "إن هؤلاء الناس يريدون أن يعودوا بنا إلى الوراء قرونًا"، وهي ترى أن هؤلاء لن يسمحوا لابنتها أن تذهب إلى المدرسة، وأنهم سيضطرونها لارتداء الحجاب والنقاب، وهي لهذا لا تريد مثل هذه الحكومة، ولكنها تتساءل "هل فعلاً الغرب يعتقد بأن هذه المعارضة سوف تكون أفضل؟".
وتوجه سكان حي المسيحي في العاصمة في باب توما إلى الكنيسة، الأحد قبل الماضي، في ظل أصوات تبادل النيران على خطوط المواجهة التي تبعد عنهم ميلاً.
وتتساقط قذائف الهاون بانتظام على يد أفراد المقاومة على الدروب والأزقة، ومع ذلك فإن المحال والأكشاك تواصل عمليات بيع البضائع بداية من الحقائب وحتى الجواهر، وفي تلك الأثناء كانت تتمشى طالبتان من طالبات الفنون الجميلة في سن العشرين في الشارع تتبادلان الحديث، وتحملان أدوات الرسم واللوحات، وتتوجهان نحو الجامعة.
وتقول إحداهما "إن المشي إلى الجامعة أفضل وأسرع من الركوب والتعطل عبر نقاط التفتيش، وتضيف أن الحياة تسير على ما يرام، ففي المساء نتناول الشراب في الحانات مع الأصدقاء، وفي الصباح نستيقظ أحيانًا على أصوات القصف ولكننا اعتدنا على ذلك".
أما عن حوادث الخطف والاختفاء والاغتيالات فهي ظاهرة جديدة في المدينة، حيث بات أي شخص يُعرف عنه أنه من أنصار الأسد أو على صلة بحكومته مستهدفًا.
ويقول صاحب محطة إذاعة في دمشق إن سيارته تعرضت لتفجير بعد أن تلقى تهديدًا بعدم استضافة أي مسؤول من مسؤولي الحكومة في برامجه.
وتقول هبة قاسم وهي مواطنة سنية وتؤيد النظام السوري "لقد كانت الاحتجاجات في البداية بسبب غضب الشعب نتيجة ما كان يتعرض له من تهديدات وتعذيب إذا ما انتقد الحكومة، أما اليوم فأفراد المقاومة يقومون بقتل أي فرد يؤيد الحكومة".
وتؤكد الصحيفة أن تهديدات المقاومة قد أحدثت تأثيرًا عكسيًا، حيث ارتبطت صورة المقاومة في أذهان سكان دمشق بالقتل والتفجيرات. ونجح النظام السوري في استثمار ذلك جيدًا من خلال "استثارة النخوة القومية ضد الإرهابيين"، وهو المصطلح الذي يستخدمه النظام في وصف جماعات المقاومة.
وتنتشر صور العلم السوري على جدران المباني العامة وصور الرئيس الأسد عند نقاط التفتيش، وتحتها عبارات تقول "من رحم الألم يولد الأمل" و"من اليأس يمكن إيجاد الحلول".
ويعلق على ذلك المتخصص في رصد وحشيات المقاومة السورية تامر يزيج، بقوله "إن هذا ليس من أجل إنقاذ الأسد وإنما هو من أجل إنقاذ سورية".
وتقول الصحيفة "إن الأسد يعتمد على تلك المشاعر وهو يستعد للتعامل مع مساعي الغرب الجديدة للتوصل إلى حل سلمي".
ولا يضع سكان دمشق الكثير من الآمال على تلك المساعي مثلهم في ذلك مثل المقاومة السورية.
وتذكر الصحيفة أنه ما لم تتحول دمشق ضد النظام فإنه من الصعب التوصل إلى نهاية قريبة للحرب والصراع في سورية.
ويشير منسق الأمم المتحدة في دمشق آدم عبد المولى إلى مأساة المتضررين من جراء الحرب، والذين يزيد عددهم على ستة ملايين سوري، وهناك ما يزيد على أربعة ملايين مشرد داخل سورية.
ويقول أحد رجال الصليب الأحمر إن سيارات الإسعاف تعرضت للقصف حوالي خمس مرات خلال الأسابيع الأخيرة، وإن الكثير من أصدقائه اعتقلوا، وألقت الحكومة القبض على أحدهم وهو يحاول أن يقدم الإسعافات الأولية لأحد المصابين، وأثناء عودته تعرض للقتل على يد قناص ولا يدري من أي مصدر تلقى الرصاصة.
ويضيف أن عملهم في المناطق الحكومية يجعلهم عرضة لنيران جماعات المقاومة، كما أن النظام ينقض عليهم في حال اتصالهم بأي من أفراد المقاومة، ويقوم الطرفان الآن باحتجاز عدد ثمانية من متطوعي رجال الإسعاف.
وتعود الصحيفة للإشارة إلى فندق "داماس روز"، حيث يرقد النساء والرجال في صباح اليوم التالي للسهرة تحت أشعة الشمس بينما يستمتع أربعة من المراهقين بلعب الكرة الطائرة في حمام السباحة والغطس بالكرة .
وتقول امرأة عمرها 32 سنة إنها استقالت من عملها في أحد دواوين الأمم المتحدة، وتعمل حاليًا كمنظمة حفلات وسهرات، وتضيف "علينا أن نعيش حياتنا لأن الصراع قد يستمر فترة أطول، وأنا شخصيًا أخرج والتقي مع الأصدقاء على مقاهي الشيشة"، وتردف "لقد كنت أندهش عندما كنت أرى الشعب اللبناني يعيش حياته عشرات السنين في ظل تبادل النيران خلال الحرب الأهلية اللبنانية، والآن لم أعد أندهش فقد فهمت".
أرسل تعليقك