ردود الفعل في الشارع اليمني احتجاجًا على اعتذار الحكومة
صنعاء- علي ربيع
جاءت ردود الأفعال في الشارع اليمني في أغلبها رافضة لاعتذار الحكومة عن الحروب السابقة التي كان شنها نظام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح ضد الانفصاليين الجنوبيين عام 1994 والمتمردين الحوثيين في صعدة شمال البلاد.ويأتي هذا في وقت يواصل ممثلو"الحراك الجنوبي" في مؤتمر الحوار الوطني
للأسبوع الثاني على التوالي تعليق مشاركتهم في المؤتمر ومقاطعة النقاشات الدائرة في صنعاء منذ آذار/مارس الماضي، الساعية إلى كتابة دستور جديد وإيجاد حلول لمشكلات البلاد المعقدة ، مؤكدين تمسكهم بمطالبهم في تحويل الحوار إلى مفاوضات ندية بين الشمال والجنوب ونقله إلى خارج البلاد.
وكانت الحكومة اليمنية التوافقية أصدرت اعتذاراً عن تلك الحروب بالنيابة عن الحكومات السابقة، الثلاثاء الماضي، معتبرة أنها" خطأ تاريخي وأخلاقي لا يجوز تكراره"، في سعي منها لتنفيذ ماعرف بـ"النقاط الـ20" التي اقترحتها اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار والتي تشمل كذلك عودة المسرحين الجنوبيين من وظائفهم قسراً بعد حرب صيف 1994.
وتكشف ردود الأفعال الرافضة لاعتذار الحكومة عن الحروب السابقة التي تمت في عهد صالح على الجنوب وصعدة، عمق الفجوة القائمة بين الفرقاء اليمنيين مؤكدةً المخاوف من عدم عودة الاستقرار إلى هذا البلد المضطرب في وقت قريب.
ففي حين خرجت غداة صدور الاعتذار مظاهرات في أكثر من منطقة جنوب اليمن تعبر عن رفضها له، قال نائب الرئيس اليمني الأسبق علي سالم البيض في بيان له من مقر إقامته في بيروت"إن رفض شعب الجنوب لما يسمى بالاعتذار يأتي رفضا لما يسمى للحوار اليمني وأساسه التنظيمي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية,".
كما وصف الاعتذار بأنه "فاقد لمقومات وأركان الاعتذار السياسي قانونا بسبب عدم قبوله من شعب الجنوب وصدوره من جهة غير معترف بها، ولأن مفرداته تحاول تجسيد شرعية جديدة وتأسيس عهد جديد لاحتلال الجنوب من خلال النص في مضمونه على مايسمى ضرورة الحفاظ على وحدة اليمن"، على حد تعبيره.
ورأى البيض المتهم بولائه لإيران في هذا الاعتذار" اعتراف بالجريمة السياسية في احتلال الجنوب وأنه "لن يبلغ أثره القانوني إلا باستعادة دولة الجنوب وإنهاء الاحتلال".
وكان البيض نائبا للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح قبل أن يصبح طرفاً في حرب الانفصال التي خسرها في 1994 وفر إثرها إلى الخارج مع مجموعة من قيادات الجنوب التي كانت ساندته ضد القوى المناصرة لبقاء الوحدة بقيادة صالح، واستقر أخيراً في بيروت، حيث يقود من هناك فصيلاً يرفض الحوار الوطني ويتمسك باستعادة الدولة التي كانت قائمة في الجنوب قبل إعلان الوحدة مع الشمال في العام 1990.
من جهته انتقد الحزب الاشتراكي اليمني في بيان حصل "العرب اليوم" على نسخة منه، اعتذار الحكومة، وقال إنه يستند على "منطق يتسم بالغطرسة وتجاهل الحقائق مما يفسد الاعتذار ويبدو كما لو انه استمرار للتمسك بالحرب ونتائجها وان الاعتذار مجرد رفع عتب وصك يقيد الحرب ضد مجهول".
وأضاف أن " الاعتذار الذي انتظره الناس طويلا جاء مختلا وغير معبر عما كان يجب أن يستهدفه من ترميم للشرخ الوطني فقد نظر إلى الجنوب على انه مجرد محافظات بلا هوية سياسية أو تاريخية"مؤكداً أن منطق الاعتذار "هو نفس المنطق الذي استندت عليه الحرب في 94 ضد الجنوب من أنها محافظات ملحقة ومتمردة يجب إخضاعها لقوة السلاح".
بدوره وصف القيادي الجنوبي ورئيس الوزراء اليمني الأسبق، المقيم في الخارج حيدر العطاس، اعتذار الحكومة بأنه" اعتذار ابتزازي يستهتر بمشاعر الجنوبيين المشاركين في الحوار والشعب الجنوبي قاطبة" على حد قوله، كما اعتبره"ضحك أبله على الذقون و ابتزاز مكشوف للمجتمع الإقليمى والدولى" مؤكداً أنه "لن يمر على من ينشد الأمن والاستقرار والنماء للجنوب والشمال ومحيطهما".
كما اعتبر السياسي الجنوبي ووزير الخارجية اليمني الأسبق ورئيس تكتل الجنوبيين المستقلين المشارك في الحوار عبدالله الأصنج اعتذار الحكومة "مخيبا للآمال" وقال" إن هدف الاعتذار كما أرادته سلطة الوفاق هو إسقاط العتب عنها دون أن تعترف بأن الجنوب دولة وشعب قد تم إستباحته من قبل شركاء تلك الجريمة التي تسترت خلف شعار الوحدة لتشن حربا ظالمة بكل المقاييس أطاحت من خلالها بمشروع الوحدة الطوعي الذي تم بمبادرة جنوبية ".
إلى ذلك، رحبت جماعة الحوثيين التي تسيطر على صعدة، شمال البلاد، وكانت طرفاً في ست حروب مع الدولة في عهد صالح بهذا الاعتذار الذي أصدرته الحكومة واعتبرته "خطوة جيدة في طريق معالجات الماضي الأليم".
وقالت في بيان صادر عن مكتبها السياسي "نتمنى أن يترجم هذا الاعتذار على أرض الواقع فتعالج مخلفات تلك الحروب وما نتج عنها ويجبر الضرر وتضمد الجراح وأن تتبنى الحكومة مواقف صادقة باتجاه وقف حملات التحريض والكراهية التي تمارسها بعض وسائل الإعلام".
من جهته، انتقد الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، اعتذار الحكومة عن تلك الحروب، ورأى في لقاء تلفزيوني مع إحدى القنوات التي يملكها حزبه تم بثه مساء الجمعة" أن يكون الاعتذار عن كل الحروب الماضية في الجنوب والشمال خلال العقود الخمسة الأخيرة" مؤكداً استعداد حزبه لخوض الانتخابات القادمة في أي وقت، رافضاً تأجيلها أو التمديد لخلفه هادي.
على صعيد آخر، قال أعضاء في مؤتمر الحوار الوطني لـ"العرب اليوم"، السبت، إن ممثلي"الحراك الجنوبي" يصرون على مطالبهم بنقل الحوار، ويؤكدون عدم نيتهم الانضمام إلى طاولته مجدداً قبل تنفيذ الشروط التي طرحت على الرئيس عبدربه منصور هادي".
وفي هذه الأثناء يتخوف مراقبون من أن يؤدي إصرار ممثلي "الحراك الجنوبي" على تنفيذ مطالبهم إلى انهيار الحوار وعرقلة العملية الانتقالية برمتها، خاصة وأن ذلك يأتي قبل نحو ثلاثة أسابيع فقط من انتهاء المدة المقرر لانتهاء الحوار الوطني والبدء في كتابة الدستور الجديد.
أرسل تعليقك