المواطن العراقي داود موسى يحضر التحقيق في مقتل ابنه بهاء
لندن ـ سليم كرم
تواصل وزارة الدفاع البريطانية سداد مبالغ التعويض إلى ضحايا التعذيب الذي تعرض إليه بعض العراقيين على أيدي الجنود البريطانيين في العراق، والتي بلغت هذا العام فقط 8.3 مليون جنيه إسترليني إلى 162 عراقيًا، فيما قال محللون سياسيون إن سداد مثل هذه المبالغ إلى ضحايا التعذيب في العراق
لا يحقق العدالة.
وقالت صحيفة "غارديان البريطانية" إن العدالة لن تتحقق وإن الحقيقة لن تظهر إلا بإجراء تحقيق عامّ ومحاكمة علنية.
كما تشير الصحيفة إلى أن هذه التعويضات لا تكفي، وأنها تترك رائحة فساد، فعلى الرغم من أن التعويضات تعد بمثابة إجراء مهم للتخفيف عن الضحايا إلا أنه لا يحقق العدالة، وأن حقيقة ما حدث بالفعل لا تزال طي الكتمان ولم تظهر بعد، كما أن المسؤولين عن تلك الجرائم لم يقدموا إلى العدالة بعد. وحتى لا توجد أي مؤشرات تدل على استعداد الحكومة البريطانية لاتخاذ القرار الصحيح في هذا الشأن، بإجراء تحقيق ومحاكمة علنية مستقلة في عمليات التعذيب والإساءات والانتهاكات التي ارتكبها أفراد من القوات البريطانية في العراق، خلال الفترة من تاريخ 2003 وحتى تاريخ 2008.
وما من شك في أن امتناع الحكومة البريطانية عن ذلك يأتي في إطار مسلكها الواضح في هذه القضية، فعندما كان الضحايا يقومون برفع الدعاوى بشأن تلك الانتهاكات والتعذيب، كانت الحكومة البريطانية تقوم بالتقليل من شأنها ومن أهميتها، ومع بداية كل تحقيق كانت الحكومة تجري ذلك على أسس وقواعد عسكرية بعيدًا عن العلنية، وتقول "ثقوا بنا. سوف نعالج الأمر"، وهو نهج فقد مصداقيته في الأوساط البريطانية، لا سيما وأن عدد الضحايا العراقيين كان ضخمًا، كما أن أساليب الانتهاكات والتعذيب كانت متشابهة إلى درجة لا يمكن وصفها بأنها استثنائية وفردية وغير منهجية.
كان الحل الذي لجأت إليه الحكومة البريطانية، إزاء هذا الكم الضخم من دعاوى التعذيب وإساءة المعاملة، خلال الفترة من العام 2003 وحتى العام 2008، هو تشكيل فريق المزاعم التاريخية العراقية، وتشكيل هيئة محلفي المزاعم التاريخية العراقية.
وتشير الصحيفة إلى أن ما جاء في الدعاوى يؤكد بوضوح مدى الحاجة إلى معرفة حقيقة ما حدث، ومدى الحاجة إلى تحقيق العدالة.
وتشير الصحيفة إلى الدعوى التي رفعها علي زكي موسى، وهو واحد من بين 140 عراقيًا حصلوا على حكم من أجل إجراء تحقيق ومحاكمة جديدة. وجاء في تلك الدعوى أن المدعي، وهو عراقي مدني تم اعتقاله يوم 16 تشرين الثاني/ نوفمبر العام 2006 على يد القوات البريطانية، التي اعتدت عليه بالضرب المبرح، وأوقفته أمام الجدار، وأجبرته على اتخاذ أوضاع مؤلمة، ووقفوا على ظهره وركبتيه، كما تعرض ذراع ابنه الذي لم يبلغ عمره سنة إلى الكسر، كما اضطر والده إلى التبول على نفسه، كما تعرض الضحية إلى القيد في الأغلال.
كما تشير الصحيفة كذلك إلى الانتهاكات الجنسية على طريقة ما حدث في سجن أبو غريب، وهناك ما يزيد على 140 عراقيًا يزعمون تعرضهم إلى انتهاكات مشابهة، وتعرضهم إلى عمليات إعدام وهمية، والضرب والإهانة بواسطة الأسلحة والأرجل واللكمات والصفع والركل والبصق.
وفي ضوء قوانين حقوق الإنسان فإن الحكومة البريطانية لا بد وأن تجري تحقيقًا بشأن المزاعم ذات المصداقية الخاصة بالتعذيب، وأن يكون التحقيق صادقًا ومستقلاً، ولا بد لتلك التحقيقات أن تخرج على الرأي العام البريطاني بحقائق، وتحدد ماهية من ارتكبوا تلك الجرائم وتكشف عن أمور منهجية. والسؤال هو: هل الهيئة التي شكلتها الحكومة من قبل كافية ومناسبة لهذا الغرض؟ والإجابة كانت لا على لسان محكمة الاستئناف، في حكمها في قضية علي زكي موسى. وما من شك في أن إخفاء تورط الأفراد العسكريين عن الأنظار ينفي عن الهيئة التي حققت في الأمر صفة الاستقلال.
لقد طلبت المحكمة من الحكومة إعادة النظر في المادة 3 من التزاماتها الخاصة بإجراء التحقيق، وفي ضوء ذلك تم استبعاد الشرطة العسكرية الملكية من فريق التحقيق في المزاعم العراقية، واستبداله بالشرطة البحرية الملكية، إلا أن من قاموا برفع الدعاوى اعترضوا على ذلك بالقول بأن الشرطة البحرية تفتقد إلى صفة الاستقلال، لأنها متورطة هي الأخرى في الاستجوابات التي جرت في العراق.
والآن، حان الوقت لإجراء تحقيق ومحاكمة تتمتع بالمصداقية، لا سيما وأن الضحايا العراقيين وعائلاتهم وعشائرهم لهم كل الحق في إحقاق العدالة.
وتحتاج الشرطة البريطانية أن تعرف وتدرك أن ما قامت به القوات البريطانية في العراق كان باسمها.
وفي النهاية، فإن الوقت قد حان لتطهير التاريخ، وتحصينه من تكرار التعذيب والانتهاكات التي ارتكبتها القوات البريطانية، بداية من كينيا، ومرورًا بأيرلندا الشمالية، ووصولاً إلى العراق.
أرسل تعليقك