صورة لرجل مصاب في سورية
صورة لرجل مصاب في سورية
لندن ـ سليم كرم
أسقط قرار واشنطن بتسليح المتمردين السنة في سورية، أميركا في الصراع بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط الإسلامي، ودخول النضال الذي بدأته الثورات العربية التي أطاحت بالأنظمة الديكتاتورية في مختلف أنحاء المنطقة، و للمرة الأولى، يصبح كل "أصدقاء" أميركا في المنطقة هم من المسلمين السنة
وجميع أعداءها من الشيعة، وهذا أدى ذلك إلى كسر كل قواعد الرئيس باراك أوباما بعدم التدخل والارتباط بها، فيما تشارك تشارك الولايات المتحدة بشكل كامل إلى جانب الجماعات المسلحة والتي تشمل الحركات الإسلامية السنية الأكثر تطرفًا في الشرق الأوسط.
هذا و علمت "الاندبندنت" الأحد أن قرار عسكري قد اتخذ في إيران، حتى قبل الانتخابات الرئاسية الأسبوع الماضي، بإرسال أول دفعة مكونة من 4 ألاف جندي من الحرس الثوري الإيراني إلى سورية لدعم قوات الرئيس بشار الأسد ضد التمرد السني الذي قتل ما يقرب من 100 ألف شخص فيما لا يزيد عن عامين، و أصبحت إيران الآن ملتزمة تمامًا بالحفاظ على نظام الأسد، وفقًا للمصادر الموالية لإيران التي لم تشارك بعمق في أمن الجمهورية الإسلامية، وحتى إلى حد اقتراح فتح جبهة سورية جديدة على مرتفعات الجولان ضد إسرائيل.
وتقول صحيفة "الاندبندنت" "إنه في السنوات المقبلة، سيسأل المؤرخون كيف يمكن لأميركا، بعد هزيمتها في العراق وانسحابها المهين من أفغانستان المقرر في العام 2014، أن تتقبل بكل سرور أن تربط نفسها مع جانب واحد في الصراع الإسلامي العملاق الذي يمتد من القرن السابع لوفاة النبي محمد "صلي الله عيه وسلم"، فهناك آثار عميقة لهذا الانشقاق الكبير، بين السنة الذين يعتقدون أن والد زوجة محمد كان الخليفة الجديد للعالم الإسلامي، والشيعة الذين يعتبرون زوج ابنته هو خلفه الشرعي، وهي معركة قائمة منذ القرن السابع، وأسالت الدماء في جميع أنحاء المدن العراقية في الوقت الحاضر مثل النجف وكربلاء، ومازالت قائمة في المنطقة حتى يومنا هذا، وقد قارن مطران كانتربري في القرن 17، جورج أبوت، هذا الصراع المسلم بما بين "الكاثوليك والبروتستانت".
و يذكر أن تحالف أميركا الآن يضم أغنى دول الخليج العربي ، والمناطق السنية الواسعة بين مصر والمغرب، وكذلك تركيا والنظام الملكي الهش الذي أنشأته بريطانيا في الأردن، وقد تلقى الملك عبد الله ملك الأردن ، مثل الكثير من الدول المجاورة، مئات الآلاف من اللاجئين السوريين ، وقد يجد نفسه أيضًا الآن في نقطة ارتكاز للمعركة السورية، حتى أنه يعتقد أن هناك الآن 3 ألاف مستشار أميركي في الأردن، إلى جانب خلق "منطقة حظر طيران" في جنوب سورية- وهي معارضة من سورية التي تمتلك طائرات مضادة- ستحول الأزمة إلى حرب "ساخنة"، وأكثر من ذلك بكثير بالنسبة لأصدقاء أميركا.
وعلى الجانب الآخر تشمل قائمة أعدائها، "حزب الله" اللبناني، النظام الشيعي العلوي في دمشق ، وبطبيعة الحال ، إيران. والعراق، وهي دولة ذات الغالبية الشيعية التي حررتها أميركا من الأقلية السنية التابعة لصدام حسين أملا في تحقيق التوازن بين القوة الشيعية لإيران، لديه – وعلى عكس كل توقعات الولايات المتحدة - تقلصت الآن إلى حد كبير تحت نفوذ طهران وسلطتها. شيعة العراق وكذلك أعضاء "حزب الله"، على حد سواء قاتلوا إلى جانب القوات السورية.
هذا و يعتبر عذر واشنطن لمغامرتها الجديدة في الشرق الأوسط - أنه يجب تسليح أعداء الأسد لأن نظام دمشق استخدم غاز السارين ضدهم – وهو ما لم يقنع أحدًا في الشرق الأوسط. البرهان النهائي على استخدام الغاز من قبل أي من الجانبين في سورية لا يزال غامضًا وهو تقريبًا كما زعم الرئيس جورج دبليو بوش أن العراق في عهد صدام كان يمتلك أسلحة الدمار الشامل.
بينما يكمن السبب الحقيقي وراء إلقاء أميركا قوتها العسكرية وراء المتمردين السنة في سورية هو أن هؤلاء المتمردين يفقدون الآن حربهم ضد الأسد، خاصة بعد انتصار النظام في دمشق هذا الشهر في البلدة السورية المركزية في القصير، على حساب أرواح "حزب الله" فضلا عن القوات الحكومية، يهدد الثورة السورية بحالة من الاضطراب، وتهدد بأن يكون الرد على مطالب أميركا والاتحاد الأوروبي برحيل الأسد والتخلي عن السلطة رد مذل. من المفترض أن يتم خلع الديكتاتوريين العرب – ما عدا الملوك من الأصدقاء أو أمراء الخليج – ولا يجب أن يستمر، و حتى الآن أعطت روسيا دعمها الكامل للأسد، فقد اعترضت 3 مرات على قرارات مجلس الأمن الدولي التي قد سمحت للغرب بالتدخل المباشر في الحرب الأهلية.
و يشار إلى أنه في الشرق الأوسط، هناك اعتقاد ساخر بشأن الخلاف الأميركي عن إمكانيتها في توزيع الأسلحة – وبالطبع بما في ذلك الصواريخ المضادة للطائرات - فقط لعلمانية القوات المتمردة السنية في سورية التي يمثلها ما يسمى بجيش "سورية الحرة"، ولكن الآن المجموعة أكثر قوة هي "جبهة النصرة" المتحالفة مع تنظيم "القاعدة"، والتي تسيطر على ساحة المعركة بجانب المتمردين، وتم اتهامها بارتكاب جرائم بشعة بما في ذلك إعدام سجناء حرب الحكومة السورية وقتل صبي يبلغ من العمر 14 عامًا بتهمة اهانة النبي محمد، و سيحصلون على الأسلحة الأميركية الجديدة من رفاق جيش "سورية الحر" من خلال القليل من الجهد.
و من الآن فصاعًدا، كل تفجير انتحاري في دمشق وكل جريمة من جرائم الحرب التي يرتكبها المتمردون- سيتم اعتبارها في المنطقة مسؤولية واشنطن. فالإسلاميون السنة الوهابيين والذين قتلوا الآلاف من الأميركيين في 11 أيلول / سبتمبر 2011 ، وهم أكبر أعداء لأميركا وكذلك روسيا - سيصبحون حلفاء إدارة أوباما. هذه المفارقة الرهيبة لا يمكن أن تتفاقم بسبب رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التسامح مع أي شكل من أشكال التطرف السني. خبرته في الشيشان، لغته الخطابية المناهضة للإسلام والتي ظهرت في تصريحاته عن المتطرفين المسلمين في مؤتمر صحافي في روسيا- واعتقاده بأن الحليف القديم لروسيا يواجه نفس التهديد كما حاربت موسكو في الشيشان ، تلعب جزء أكبر بكثير في سياسته تجاه بشار الأسد واستمرار وجود ميناء بحري لروسيا في البحر الأبيض المتوسط في مدينة طرطوس السورية.
أما بالنسبة إلى الروس، بالطبع "الشرق الأوسط" ليس في "الشرق" على الإطلاق، ولكنه جنوب موسكو، والإحصاءات مهمة للجميع. العاصمة الشيشانية غروزني تبعد بالكاد 500 كيلومتر من الحدود السورية. 15 في المائة من الروس مسلمون. 6 من جمهوريات الاتحاد السوفييتي الشيوعية كانت أغلبيتها مسلمة ، وكان 90 في المائة منهم من السنة. والسنة في جميع أنحاء العالم يشكلون ربما 85 في المائة من جميع المسلمين. و روسيا لديها نية على تغيير وضعيتها عبر كتلة اليابسة التي تضم معظم دول الاتحاد السوفياتي السابق، والإسلاميين السنة وهم من النوع الذي يقاتل الآن في نظام الأسد ، لذلك هم خصومه الأساسيين.
و في المقابل تقول مصادر إيرانية "إنهم على اتصال مستمر مع موسكو ، وفي حين أن انسحاب حزب الله من سورية من المرجح أن يتم قريبا - مع الحفاظ على فرق ميليشيا "المخابرات" داخل سورية– سيصبح دعم إيران لدمشق أكبر بكثير. وهم يشيرون إلى أن حركة "طالبان" قد بعثت أخيرًا بوفد رسمي لإجراء محادثات في طهران وأن أمريكا سوف تحتاج إلى مساعدة إيران في الانسحاب من أفغانستان".
و أضافت إيران "إن الولايات المتحدة ، لن تستطيع إخراج الدروع والمعدات إلى خارج البلاد خلال الحرب المستمرة ضد حركة "طالبان" دون مساعدة إيران النشطة". وقالت أحد المصادر "إن الفرنسيين أجبروا على ترك 50 دبابة وراءهم عندما غادروا لأنهم لم يكن لديهم تعليمات من طهران.
و تعد تلك الأحداث علامة على التاريخ المتغير في الشرق الأوسط في إطار من المنافسات القديمة للحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، وجاء أمن إسرائيل في المركز الثاني في الصراع في سورية. في الواقع ، فقد انحرفت سياسات إسرائيل في المنطقة من قبل الثورات العربية ، وتركت رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، يائس على غير هدى وسط التغيرات التاريخية.
و قد دانت إسرائيل مرة واحدة فقط خلال العامين الماضيين، الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد ، وعلى الرغم من أنها قامت بعلاج المتمردين الجرحى على الحدود السورية الإسرائيلية، فإنه يخشى أن يكون هناك خلافة إسلامية في دمشق أكثر بكثير من مجرد استمرار حكم الأسد . ووصف أحد قادة الاستخبارات الإسرائيلية السابق أخيرًا الأسد بأنه "رجل إسرائيل في دمشق". قبل أيام فقط من الإطاحة بالرئيس مبارك، ودعا كل من نتنياهو والملك عبد الله ملك المملكة العربية السعودية واشنطن لطرح أوباما لإنقاذ الدكتاتور المصري. وهو أمر عبثي.
إذا كان العالم العربي نفسه كان قد عاني على مدار عامين من الثورات، لن يكون قدر معاناة السوريين أكثر من الفلسطينيين. الأراضي التي يرغبون في أن تصبح دولتهم المستقبلية، أصبحت متكدسة بالمستعمرين الإسرائيليين اليهود لذا لم تعد آمنة أو "قابلة للحياة". وكانت محاولات مبعوث "السلام" طوني بلير لإنشاء مثل هذه الدولة مثيرة للضحك. فلسطين المستقبلية يجب أن تكون أمة سنية. ولكن اليوم، واشنطن بالكاد تذكر الفلسطينيين.
و تأتي مفارقة أخرى مهمة ، هي أن "حماس"، التي يفترض أنها المجموعة الإرهابية في غزة ، تخلت عن دمشق وتدعم الآن دول الخليج 'لسحق الأسد. وتدعي قوات الحكومة السورية أن "حماس" قد دربت المتمردين السوريين على تصنيع واستخدام الصواريخ محلية الصنع.
و كانت في عيون العرب حرب إسرائيل في العام 2006 ضد حزب الله الشيعي محاولة لضرب قلب إيران. و دعم الغرب للمتمردين في سورية هو محاولة إستراتيجية لسحق إيران. لكن إيران ستقوم بدور المهاجم الآن. حتى بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط، تعتبر هذه رهانات كبيرة. على هذه الخلفية المرعبة ، لا تزال المأساة الفلسطينية قائمة.
أرسل تعليقك