آثار عملية اغتيال مؤسس حركة "حماس" الشيخ أحمد ياسين
آثار عملية اغتيال مؤسس حركة "حماس" الشيخ أحمد ياسين
غزة ـ محمد حبيب
بثت القناة العاشرة للتليفزيون الإسرائيلي تحقيقًا مطولاً صوّر عملية اغتيال مؤسس "حماس" الشيخ أحمد ياسين وكأنها عملية استخباريه معقدة، وعملية عسكرية تطلبت مهارات متفوقة، وأبرزت القناة أهمية التفاصيل التي تكشف للمرة الأولى طريقة اتخاذ القرار باغتيال الشيخ أحمد ياسين وعدد من قادة "حماس"، من بينهم القيادي
في "حماس" عبد العزيز الرنتيسي، ويكشف التحقيق أن القرار باغتيال الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي اتخذ في الجلسة نفسها، التي ترأسها رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أريئيل شارون، ووزير جيشه آنذاك شاؤول موفاز.
ويكشف التحقيق أن تقديرات جهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" كانت تخشى من أن توسع "حماس" رقعة علمياتها بعد اغتيال الشيخ ياسين إلى كل أرجاء العالم، وتجري القناة مقابلات مع أبرز المسؤولين الإسرائيليين العسكريين الذي أشرفوا على عملية الاغتيال، وهم رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" الأسبق ووزير الجبهة الداخلية الحالي آفي ديختر وقائد سلاح الجو الإسرائيلي الأسبق دان حالوتس ووزير الجيش الأسبق وزعيم حزب "كاديما" شاؤول موفاز، الذي يكشف للمرة الأولى أن جيش الاحتلال أطلق اسم "مقود السرعة –الجير" على عملية اغتيال الشيخ ياسين. وتستهل القناة التحقيق بالإشارة إلى "أن العشرات من العسكريين والعشرات من الطائرات وعدد غير محدود من الوسائل الاستخبارية التكنولوجية والبشرية كانوا شركاء في عملية الاغتيال، تلك العملية التي أشرف عليها وزير الأمن وقائد الأركان، ورئيس "الشاباك" وقائد سلاح الجو، كل هؤلاء الرجال راضون عن أنفسهم اليوم".
وتستذكر القناة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي اتخذ قرار الإفراج عن الشيخ ياسين كان نتنياهو، الذي اضطر إلى ذلك جراء فشل عملية اغتيال نفذها الموساد لخالد مشعل في الأردن، مضيفةً" أن ذلك كان بناء على افتراض أن ياسين المريض والمعاق لايشكل خطرا على إسرائيل"، هذا الافتراض بحسب القناة ثبت خطؤه في اللقاء الصحافي الأول معه بعد الإفراج، حيث أكد على حق الفلسطينيين في مقاومة إسرائيل.
ثم تجري القناة مقابلة مع رئيس جهاز "الشاباك" آنذاك آفي ديختر، وتقدم القناة للمقابلة معه بالقول: "وزير حماية الجبهة الداخلية ورئيس "الشاباك" في فترة تصفية ياسين آفي ديختر يملك تاريخًا شخصيًا طويلاً مع الرجل الذي تحول بالنسبة إليه إلى نوع من الهوس".
ويقول ديختر عن تجربته مع الشيخ ياسين للقناة: "لقد شككت في الشيخ ياسين في كثير من الأمور، في أمر واحد لم أشك هو أن يصبح معتدلاً. إنه يعرفنا جيدًا، هذا الرجل المعاق المسكين صاحب الصوت المخنوق، والذي يعاني من التهاب رئة خطير يبدو مظهره كأخو الأم تريزا، ولكن هذا الرجل شرير، وأنا لم أشاهد في حياتي كل هذا الشر في مثل هذا الجسد الضئيل".
وتعلق القناة على اللقاء مع ديختر بالقول: "خلال الانتفاضة الثانية اتضح أن الرجل المعاق والمريض الذي خشيت إسرائيل أن يموت في السجن قادرٌ على أداء مهامه، الصورة الاستخبارية التي طرحت على طاولة وزير الأمن في تلك الأيام شاؤول موفاز لم تبق مكانًا للشك، ويزعم وزير الجيش الإسرائيلي آنذاك شاؤول موفاز للقناة في هذا السياق: "لقد كان من رواد العمليات الانتحارية ضدنا أيضًا في الدلفيناريوم وفي نتانيا والقدس، في قائمة طويلة من الهجمات الإرهابية.. عشرات الهجمات".
ثم تسأل القناة موفاز: "ما هي المعلومات التي أكدت لكم أن ياسين من كان يصدر الأوامر؟" ويرد موفاز قائلاً: "هذه المعلومات مستقاة من آلاف الاعتقالات التي نفذت في تلك الفترة، ومن المحادثات التي تتم بينهم، ومن معلومات استخبارية حصلنا عليها، وكان لدينا معلومات من أكثر من مصدر تؤكد أن ياسين يفتي بمشروعية العمليات الانتحارية".
وبعد لقاء موفاز تعود القناة لتسأل رئيس جهاز الشاباك ديختر: "هل كانت خلافات بينك وبين وزير الأمن شاؤول موفاز بخصوص ضرورة تصفية ياسين، أنت كنت ترى ضرورة تجربة وسائل أخرى؟" فيرد ديختر قائلاً: "في الواقع لم يكن هناك خلافات، كانت هناك نقاشات، المعضلة كانت ليس هل سنمس به أم لا بل هل يمكن استخدام وسائل أخرى. لقد خشينا من موجة إرهاب واسعة النطاق أكثر مما نعرف، لقد خشينا أنا وعدد غير قليل من القيادات أن تمتد الهجمات خارج نطاق الدولة".
ويلقي موفاز الضوء على النقاش بشأن اغتيال ياسين: "لقد كان هناك نقاش حاد بشأن كيفية رد الفلسطينيين، أن الرعب سيكون كبيرًا جدًا، وأنه سيكون هناك رد وتظاهرات، ولكن لم أعتقد أن ذلك سيغير سلم الأولويات داخل إسرائيل بطريقة تؤدي إلى الندم على عملية التصفية"، وتسأل القناة موفاز: "من شارك في ذلك النقاش؟ فيرد: "على طاولة وزير الأمن جلس قبل أن نذهب إلى رئيس الحكومة قادة الاستخبارات وقائد الشاباك ورئيس الموساد، وشارك في الجلسة بقية قادة الأجهرة الأمنية الآخرين وقائد الأركان، ولقد كان ذلك نقاشًا مفتوحًا حول طاولة مستديرة، وكل واحد أبدى رأيه، وفي النهاية كانت يجب أن نتخذ قرار في مسألة اغتيال الشيخ ياسين".
وتسأل القناة موفاز: "هل في النهاية مالت الغالبية نحو تنفيذ التصفية؟ فيقول موفاز: "أنا أعتقد أن القادة وكل من كان مسؤولاً في تلك الأيام كان مؤيدًا لذلك، محللو الاستخبارات كانوا متشككين، وكان يجب عليهم التحذير من تداعيات اليوم الذي سيلي التصفية".
وتتابع القناة: "عندها نقلت التوصية إلى رئيس الحكومة شارون، وماذا تم في تلك الغرفة؟" فيقول موفاز: "ذهبنا إلى شارون الذي أقر الأمر، ولكن النقاشات عند شارون كانت قصيرة نسبيًا، واستمع إلى الجميع بروية ولكنه أجمل النقاش قائلاً: أنا أساندكم، ومن الآن عليكم إيجاد الطريقة والزمن المناسب لفعل ذلك".
وتنتقل القناة بعد ذلك إلى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" آفي ديختر ليزعم للقناة أن جهازه حصل على معلومات تفيد أن قادة "حماس" السياسيين والعسكريين سيجتمعون في شقة في غزة، لافتًا أن القائد العام لـ "كتائب القسام"، محمد ضيف، الذي تلاحقه إسرائيل منذ أكثر من خمسة وعشرين عامًا شارك في الاجتماع، بالإضافة إلى الشيخ ياسين، وقال ديختر في هذا السياق: "في السادس من أيلول/ سبتمبر من العام ألفين وثلاثة كان ذلك التاريخ الذي نُقش في وعيي؛ لأنها كانت المرة الوحيدة في حياتي التي أتذكر فيها "حماس" ترتكب خطأً إستراتيجيًا، لقد امتلكنا معلومات استخبارية جيدة بشأن اجتماعات قادة "حماس" السياسيين والعسكريين، مع أني لا أحب هذا الفصل بين السياسي والعسكري، وكان ثمة نقاش لديهم، وكان لدينا معلومات جيدة ودقيقة، وعلمنا بالضبط في أي بيت يتواجدون.
ويضيف: كان هناك ثلاثة إمكانات لبيوت قد تقام فيها الجلسة، تأهبنا، البيوت كانت مرتبة من حيث من البيت الأسهل بالنسبة إلينا ومن البيت الأقل سهولةً، ولعب الحظ لصالحنا، واختاروا البيت الأفضل من ناحيتنا، وكان هناك نقاش هل هم في الطابق العلوي أم أنهم في قبو، لقد حرصنا خلال تنفيذ عمليات التصفية أن لا نلحق الأذى بالمدنيين، وأنا أذكر مكالمة، كنا أربعة أشخاص على الخط الهاتفي السري نفسه، أنا ووزير الأمن ورئيس الحكومة وقائد الأركان، وكان هناك نقاش هل سنقصف باستخدام قنبلة تزن طنًا، أو بواسطة قنبلة نصف طن.
وعندها أتذكر اللحظة التي اندلع فيها النقاش عندنا في أوساط الجهات التنفيذية في حضور رئيس الأركان ونائبه ورئيس الاستخبارات العسكرية والبقية، وكان التساؤل أي ذخيرة سنستخدم، ونحن كنا نتذكر القنبلة التي ألقيت على صلاح شحادة، والتي أدت إلى المساس بخمسة عشر شخصًا بريئًا، في اللحظة التي يبدأ فيها الشك القصة تتوقف لحسن حظنا، "حماس" كانت في ذلك البيت، عملوا كما نرغب، لقد تصرفوا وكأنهم ينفذون أوامرنا، ولقد مددوا اللقاء لساعات وكان هناك معضلة، بعد أن تقلينا التعليمات أن نتوقف في لحظة احتدام النقاش، وكنت أتحدث مع وزير الأمن ورئيس الحكومة. في النهاية اقتنعوا أنه في الإمكان تنفيذ العملية، رغم أن احتمالات النجاح منخفضة".
وتتوجه القناة إلى قائد سلاح الجو الإسرائيلي آنذاك دان حالوتس لتسأله عن تلك المحاولة لاغتيال قادة "حماس": "هل قرروا بخلاف رأيك أم أنك كنت شريكًا في اتخاذ القرار، في أعقاب ما تم مع صلاح شحادة؟" فيرد حالوتس: "أنا لا أذكر حتى أقول لكِ إنني طلبت قنابل أدق أو لا، ولكن في النهاية قرروا أن يكون وزن القنابل أقل مما طلبت بكثير".
وتعود القناة إلى ديختر ليقول: "سلاح الجو نفذ مهمته بإخلاص، واستهدف المكان الذي خططوا الاجتماع فيه، وكل الطابق الثاني تدمر، ولكن المشكلة في لحظة انفجار القنبلة شاهدنا هربًا جماعيًا، وهناك من شاهد الصور، وهناك من أقسم أنه شاهد أحمد ياسين هاربًا مشيًا من المنزل، ولكن كان ذلك كما يبدو مجرد أسطورة".
ويعقب وزير الجيش الإسرائيلي آنذاك شاؤول موفاز على فشل محاولة اغتيال قادة "حماس" بالقول: "وظهر تساؤل هل نخرج الطائرات مجددًا إلى السماء لنحاول اغتيال كل واحد منهم بشكل منفرد، وأنا أعتقد أن ذلك ليس أمرًا صائبًا، ولن يكون فعالاً، لأنه قد لا ننجح، ولذلك قررنا الانتظار لفرصة أخرى".
وتعاود القناة إلقاء الضوء على كيفية اتخاذ قرار اغتيال ياسين التي نجحت بالقول: "في الرابع عشر من شهر آذار/ مارس من العام ألفين وأربعة انفجر انتحاري في ميناء أسدود، وقتل عشرة من العمال الإسرائيليين، وفي ذلك اليوم اجتمع المجلس الوزاري المصغر، وقرر استئناف الاغتيالات".
ويقول موفاز للقناة وهو يطلع معدّة التحقيق على دفتر ملاحظاته، الذي وثق فيه قرار اغتيال ياسين والرنتيسي: "أنا أوثّق كل الاجتماعات منذ سنوات، هنا حددت الفترة، لقد كانت جلسة تقدير موقف في أعقاب الهجوم في أسدود، في الخامس عشر من آذار/ مارس، لن أريك كل شيء، وهنا التوصيات، وهناك توصية بشأن التساؤل، كيف تمت العملية، وهنا توصية بشأن كيف نحمي هذه المنشآت، وهنا قررنا التصعيد بمواجهة قادة "حماس"، وهنا صدر قرار عملية لاستهداف الرنتيسي المسوؤل عن الهجمات، وهنا قرار بشأن إغلاق القطاع".
وتسال معقدة التحقيق موفاز: "ولكن أرى الرنتيسي ولم أرَ ياسين" فيرد موفاز:" اسمه موجود هنا، انظري لقد كنا نطلق على ياسين رمز "مقود السرعة – جير السرعة"، إنه اسم عملية اغتيال ياسين.
وتغادر القناة الحديث مع موفاز إلى الحديث مع ديختر ليقول:"بعد أيام من ذلك القرار، المعلومات الاستخبارية القادمة حول الشيخ ياسين قدمت لنا صورة واضحة عن تحركاته." ويقول موفاز للقناة: "ياسين يسكن في حي الصبرا جنوب القطاع، ولقد كان يعلم أننا نريد تصفيته، ولذلك كان حذرًا جدًا، ولا يخرج من منزله إلا إلى مكانيين فقط، إلى منزل أخته وإلى المسجد."
ويتحدث ديختر عن تحركات الشيخ ياسين قبل اغتياله، ويقول: "في أحد الأيام لاحظنا أنهم يقودونه بالليل إلى المسجد"، ويصف موفاز تلك اللحظات: "وكنا جالسين في انتظار أن يخرج ليدخل على الجيب، ثم لإصدار التعليمات، ولكنه لم يخرج، وأصبحت الساعة الثانية عشرة ليلاً، وسألوني، ماذا نفعل، قلت لهم لن ننتظر حتى ينهي صلاته، ولكن كل المنظومة التي تدربت على تنفيذ التصفية يجب أن تبقى في مكانها".
ويكشف قائد سلاح الجو الإسرائيلي آنذاك دان حالوتس: "الطائرات تحلق في الجو بشكل متواصل على مدار الساعة، طبعًا يتم استبدالها كل فترة. نحن نتحدث عن طائرات بطيار ومن دون طيار وطائرات استطلاع، وأيضًا الكثير من الأمور التي لا يجب أن نتحدث عنها"، ثم يقول موفاز: "جاء الهاتف في الساعة الرابعة والنصف فجرًا، وعلمنا بوجود تجمعٍ على باب المسجد، وكان في رفقتة ما بين ستة إلى سبعة حراس من مخربي "حماس"، حيث كانوا يحيطون به، وقادوه على كرسيه نحو منزله".
ويقول ديختر: دفع حراس ياسين كرسيه المتحرك بسرعة، ولكن بعد ثوانٍ من خروجه من المسجد تم تشخيصه بدقة". وتسأل القناة ديختر: "هل شاهدتموه عبر كاميرات طائرات الاستطلاع؟" فيرد: "عندما أقول شاهدته لا تظني أني رأيته كما نرى بالعين، أن نراه استخباريًا أمرٌ معقد جدًا، يعني أننا نرى عبر التصوير من الجو ومن الأرض". ثم يقول قائد سلاح الجو الإسرائيلي: "في تلك اللحظة كان هناك سرب طيران، واقترب القائد، وقال أنا أستطيع التنفيذ ونفد بشكل دقيق".
وتختم معدّة التحقيق التليفزيوني بالقول: "منذ العام ألفين وواحد، اغتالت إسرائيل داخل غزة فقط مائتي إرهابي من الكبار، وهذا لا يشمل المئات من المخربين العاديين، كل من شارك في عملية تصفية ياسين يعتقد حتى اليوم أن التصفيات هي الطريقة الأكثر فعالية ضد الإرهاب، ففي حال ضرب رأس الأفعى لن تتمكن الأفعى من اللسع لوقت ما، ولكن أفغى غزة تعوض رأسها بسرعة مثلما تستبدل الأفعى جلدها".
أرسل تعليقك