جندي أميركي يصوب سلاحه في وجه مدنيين عزل بينهم أطفال
لندن ـ سليم كرم
أكد محللون سياسيون، أن "الولايات المتحدة الأميركية التي طالما أعطت لنفسها الحق في استخدام القوة والعنف لتحقيق أهدافها، باتت الآن أقل قدرة على تنفيذ سياساتها، التي لاتزال على حالها منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أن قدراتها على تنفيذ تلك السياسات آخذة في الاضمحلال، وذلك في ظل
تعدد القوى الاقتصادية وتنوعها، وازدواجية معاييرها عن الديمقراطية فهي تدعمها فقط إذا كانت تتوافق وتتوائم مع مصالحها السياسية والاقتصادية".
ونشرت صحيفة "غارديان" البريطانية، ملخصًا لمجموعة من آراء المفكر الأميركي نعوم تشومسكي، من واقع المقابلات التي أجراها معه الكاتب الأميركي ديفيد بارسامين، والتي نشرت في كتاب بعنوان "أحاديث عن الثوارات الديمقراطية وتحديات الإمبراطورية الأميركية"، حيث قال تشومسكي إن "الولايات المتحدة لطالما أعطت لنفسها الحق في استخدام القوة والعنف لتحقيق أهدافها، ولكنها الآن باتت أقل قدرة على تنفيذ سياساتها".
وردًا على سؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة لاتزال تحتفظ بقدرتها السابقة نفسها على السيطرة على مصادر الطاقة في الشرق الأوسط، أوضح تشومسكي أن "الدول المنتجة للطاقة لاتزال في قبضة الزعامات الديكتاتورية التي يدعمها الغرب، الأمر الذي يدل في واقع الأمر على أن تأثير الثورات العربية محدود على الرغم من أهميته، وفي هذا السياق يقول إن معظم موارد الطاقة قد تم تأميمها على مدار السنوات الخمسين الماضية، وأن الولايات المتحدة تحاول دائمًا أن تعود بالساعة إلى الوراء إلا أنها لم تفلح بعد، وأن غزو العراق لم يكن السبب فيه عشق الأميركيين للديمقراطية، وإنما لأنه ثاني أو ثالث مصدر للنفط في العالم، ومع ذلك فإنه من غير المفترض منه ترديد ذلك لأنه سيُتهم بتبني نظرية المؤامرة".
وأضاف المفكر الأميركي، أن "الولايات المتحدة تعرضت للهزيمة في العراق على يد القومية العراقية، وبالتحديد على يد المقاومة المدنية، وتستطيع الولايات المتحدة أن تقتل المتمردين المسلحين لكنها لا تستطيع أن تتعامل مع نصف مليون متظاهر في الشوارع، الأمر الذي استطاع من خلاله العراق يتحرر من سيطرة قوات الاحتلال"، معربًا عن اعتقاده بأن "السياسات الأميركية لاتزال على حالها منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أن قدراتها على تنفيذ تلك السياسات آخذة في الاضمحلال".
وردًا على سؤال حول ما إذا كان هذا الاضمحلال يعود إلى ضعف اقتصادي، رأى تشومسكي أن "السبب يرجع في جانب منه إلى أن مراكز القوى في العالم باتت أكثر تنوعًا، ولقد كانت الولايات المتحدة على رأس تلك القوى مع نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث كانت تملك نصف ثروات العالم، إلا أنه ومع حلول العام 1949 بدأت الهيمنة الأميركية تواجه سلسلة من الخسائر، فقد خسرت أميركا آنذاك الصين بعد أن كانت تظن أنها تمتلكها، ثم بدأ القلق حول خسارة أميركا اللاتينية والشرق الأوسط، ووصل الأمر بالجمهوريين في أميركا إلى طرح سؤال حول كيفية وقف نزيف الخسائر الأميركية في هذا السياق، ومن ناحية أخرى، فإن قدرة أميركا على مواصلة الهيمنة والسيطرة آخذة في التضاؤل، وذلك في ظل تعدد القوى الاقتصادية وتنوعها بعد أن كان العالم من الناحية الاقتصادية يتكون من ثلاثة أقطاب هي الولايات المتحدة في أميركا الشمالية وألمانيا في أوروبا واليابان في شرق آسيا، وعلى الرغم من استمرار المبادئ الأساسية من دون تغيير في السياسة الأميركية، إلا أن القدرة على تنفيذها باتت أكثر صعوبة وانخفضت بشدة، وبدأ الكثيرون في أميركا ممن يعتقدون بأنهم ينبغي أن يمتلكوا كل شئ، يتساءلون: هل انتهت أميركا؟"، مشيرًا إلى أنها "مأسأة وكارثة في نظر هؤلاء عندما تفلت الأمور من بين أيديهم".
وعن معضلة السياسة الأميركية في ما بين دعمها للتغيير الديمقراطي في بلدان الثورات العربية، والتخوف من الإسلاميين الذين باتوا قوة سياسية، اتفق تشومسكي مع هدفين من الأهداف الأميركية في تلك المرحلة، كما تراها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، حيث رأى أن "الولايات تدعم الاستقرار ولكنها تختلف في نوعية الاستقرار الذي ترغبه أميركا، والذي يعني الانصياع لأوامرها"، ويضرب على ذلك مثال عندما قال إن "أحد الاتهامات التي توجهها أميركا إلى إيران هو أن تساهم في عدم استقرار العراق وأفغانستان بمحاولة بسط نفوذها على جيرانها، وهو نفس ما تقوم به أميركا مع تلك الدول عندما تغزوها وتدمرها، ولكنها تعمل ذلك لهدف تحقيق الاستقرار، وكذلك فعلت مع شيلي عام 1973 عندما قامت بنشر الفوضى لهدف دعم الاستقرار، ولقد كان على أميركا أن تدمر نظامًا برلمانيًا من أجل تحقيق الاستقرار".
وأضاف تشومسكي أن "المخاوف من الإسلام السياسي تشبه تمامًا المخاوف من الاستقلال، باعتباره خطرًا على واشنطن، وأن الولايات المتحدة وبريطانيا تمارسان التناقض عندما تدعمان الراديكالية الإسلامية وليس الإسلام السياسي، كقوة ضد النزعة القومية العلمانية"، فيما دلل على ذلك بمثال دعمهما للسعودية التي يراها أكثر "الدول راديكالية ضد أنظمة علمانية قومية مثل نظام عبدالناصر في مصر، ونظام عبدالكريم قاسم في العراق"، موضحًا "إن أميركا في واقع الأمر تخشى الإسلام السياسي لأنه قد يصبح مستقلاً"، ويستشهد بأقوال من يعتقد بأن "التاريخ يرى أن الحكومات الأميركية كافة تعاني من شيزوفرانيا أي من حالة انفصام، فهي تدعم الديمقراطية فقط إذا كانت تتوافق وتتوائم مع بعض مصالحها السياسية والاقتصادية، وأن أميركا هنا بحاجة إلى علاج نفسي".
كما يرى المفكر الأميركي أن "النظام الدولي يعتمد في الأساس على أن الولايات المتحدة تملك الحق في استخدام العنف وفقا لإرادتها ورؤيتها، الأمر الذي يضع علامات استفهام حول محاكمة آخرين يرتكبون العنف نفسه الذي ترتكبه أميركا، والواقع أنه لا أحد وفقًا للنظام العالمي يملك حق استخدام هذا العنف سوى أميركا ووكلائها مثل إسرائيل عندما غزت لبنان عام 2006، وقتلت هناك ألف شخص ودمرت البلد هناك كما أن الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه، عندما كان سيناتورًا أيّد قرار يطالب الإدارة الأميركية بعدم منع إسرائيل من مواصلة حملتها العسكرية حتى تتمكن من تحقيق أهدافها، واستهجن إيران وسورية لأنهما يدعمان المقاومة ضد الدمار الإسرائيلي في الجنوب اللبناني آنذاك للمرة الخامسة خلال 25 عامًا، إنه في الأصل نهج أميركي ويتوارثه عنها وكلائها، وإذا ما اعترض أحد على ذلك فإنه يتعرض إلى هجوم هيستيري، وغالبًا ما يوصم بأنه معادي لأميركا، أو يكنّ لها الكراهية، وهو مفهوم لا يليق بالمجتمعات الديمقراطية، وإنما ينتشر فقد في المجتمعات الاستبدادية".
أرسل تعليقك