شهدت تونس، أخيرًا، اضطرابًا وفوضى عارمة في توزيع الصحف التي لم تصل إلى عدد كبير من المواطنين في مناطق عدة، إذ منعت شركة "الدعداع" توزيع خمس صحف كبرى في البلاد.
وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي تعهد بضمان حرية الصحافة والتعبير والحق في التظاهر، في الأول من أيار/ مايو الجاري، في حين يبقى مصير صحافيين مثل سفيان الشواربي غير معروف ويحمّل زملاؤه الدولة مسؤولية إعادته من ليبيا حيث خطفته مجموعات متطرفة أثناء إجراء تحقيق صحافي وزميل له خطف معه أيضًا.
وأكدت رئيس تحرير جريدة "الصباح" حياة السايب، أنَّ حرية التعبير وحرية الصحافة بشكل خاص تعتبران من أبرز مكاسب الثورة التونسية.
وأضافت السايب: "زالت الرقابة وتخلص الإعلاميون من القيود المسلطة عليهم، كما أصبح المشهد الإعلامي متعددًا، فقد ظهر بعد الثورة الكثير من العناوين الصحافية والإذاعات الخاصة والتلفزيونات، بعدما كانت الساحة فقيرة ومحكومة بجملة من الموانع تفرضها السلطة وتتحصّن بها ضد النقد وأخطار حرية التعبير".
وتصدر في تونس اليوم 256 دورية بين صحف يومية وأسبوعية ونصف شهرية وشهرية وفصلية، فضلا عن مطبوعات ذات طابع مؤسساتي، ووكالة أنباء رسمية واحدة، إضافة إلى وكالة الاتصال الخارجي وهي الفاعل الرئيسي في المشهد الإعلامي وتحتكر الإعلانات العمومية وتتولى توزيعها على المطبوعات.
وارتفع عدد مواقع الصحافة الالكترونية بعد الثورة كالنار في الهشيم، وكانت قبل الثورة غالبيتها اقتصادية، مع غياب أي إطار قانوني لتنظيم هذه الصحافة الالكترونية التي باتت وفق كثير من الصحافيين التونسيين ممن حضروا المؤتمر تهدد الصحافة الورقية.
وأوضحت السايب أنَّ الصحافة التونسية استفادت من مناخ الحرية الذي تيسر بعد ثورة 14 يناير2011، لكن تبين فيما بعد أن الصورة ليست وردية تمامًا: "أوّلاً، حدث انفلات كبير باسم حرية التعبير، وثانيًا تبين أن الإعلام بمختلف مكوناته يشكو من العديد من الهنات، من بينها مثلًا قلة المهنية وضعف الأداء، بخاصة في كل ما يتعلق بالتعامل مع القضايا الخطيرة كقضايا التطرف والانفلات الأمني والحراك الاجتماعي".
وتابعت: "ثالثًا تسلل العديد من الدخلاء والمتحرّرين من أخلاقيات المهنة إلى مواقع القيادة في عدد من المؤسسات الإعلامية، كما أن الحكومات المتعاقبة بالبلاد قامت بتعيينات غير مدروسة على رأس المؤسسات الإعلامية العامة، ممّا ساهم بدوره في الإضرار بالمشهد الإعلامي، وذلك رغم تصدي أبناء المهنة لمحاولات أصحاب المصالح ولوبيّات المال الفاسد تطويع الإعلام وتوظيفه لأجندات خاصة".
الفاعلون الجدد
وكشف الباحث في علوم الإعلام والاتصال ورئيس تحرير في الإذاعة التونسية محمد معمري، أنَّ التونسيين الثوار بعدما فقدوا الثقة بوسائل الإعلام الكلاسيكية (تلفزيون وإذاعة وراديو وجريدة) الخاصة منها والعامة، توجهوا إلى الإعلام البديل قبيل الثورة وخلالها، حيث ظهر "فاعلون جدد غيّروا المعادلة"،
ويرى معمري أنَّ "الثورة التونسية كانت حدثًا مفصليًا في تحوّل الإعلام، حيث نقل أحداثها لم يأت عبر وسائلنا المعتادة، بل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصًا فيسبوك، والمدوّنين الذين قاموا بجهود جبارة قبيل الثورة وخلالها، ومن خلال الناشطين الالكترونيين. وذلك أدى إلى تغيير المشهد التواصلي، إذ أصبح الكل يبث للكل بعدما كان المحتكر للمعلومة متحكّماً في البث للجمهور المتلقي".
وبيَّن أنَّ "ظهور فاعلين جدد شكّل تهديدًا لهوية الصحافي الباث للمعلومة، مع ظهور الصحافي المواطن، وهنا ظهر نوع من الصحافة الهجينة التي يتجاور فيها الصحافي المحترف والمواطن الصحافي، وبالتالي ظهرت ميديا جديدة"، لافتا إلى أن هذه البيئة الإعلامية الجديدة "تضررت منها الصحافة الورقية، رغم الانفجار الذي شهدته بعد الثورة مباشرة، وهو ما أدى إلى إغلاق عدد من الصحف الورقية بعد مدة وجيزة من بعثها".
وأفاد مدير المركز الأفريقي لتدريب الصحافيين والاتصاليين عبدالكريم الحمزاوي، بأنَّ هناك 100 ألف تونسي فقط يقتنون صحفًا ورقية أسبوعيًا في تونس كلها التي يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة، وهو رقم يوضح أن الصحف تعاني ضعفًا في مبيعاتها التي كانت تعوّل عليها للاستمرار.
ويشير المعمري إلى تراجع سوق الإعلانات بعد الثورة نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد، وأضيف إليه حلّ وكالة الاتصال الخارجي، الأمر الذي أدى إلى فوضى في الإعلانات العمومية التي كانت الدولة توزّعها على الصحف،. مضيفا: "ولا ننسى أن مسألة توزيع الصحف لا تزال تعاني فوضى وتجاذبات، على رغم وجود مؤسسة جديدة تنافس مؤسسة الدعداع".
ويرى عبدالكريم الحمزاوي أن الصحافة في تونس تحتاج إلى إصلاح هيكلي، وهذا الإصلاح يحتاج إلى سياسة عامة وقرار سياسي حازم، لافتاً إلى أن قضية الصحافة بعد الثورة لم تعد قضية حرية تعبير بل قضية جودة. وقد يكون ذلك، وتوافقه حياة السايب الرأي، على يد مجلس أعلى للإعلام ينظّم كل هذه الفوضى من دون أن يحدّ من حرية التعبير.
وتقول السايب إنَّ "المجلس ضروري في غياب سلطة إشراف بعدما تحرّر القطاع بالكامل ووجود هيئة تعديلية تجري العودة إليها عند الضرورة مهم على غرار ما هو معمول به في الدول الديموقراطية"، في حين يتخوّف بعض الصحافيين، ومنهم المعمري، من أن هذا المجلس الإعلامي قد يحدّ من حرية التعبير أو يفرض ما يكبّل القطاع.
أرسل تعليقك