يتخذ قرار تعليق الإصدار الورقي للصحف الوطنية السورية بعدا عاطفيا لدى جمهور قرائها السوريين، ولدى محرريها على حد سواء، ولا يخفف من وطأته سوى اعتمادها البدائل الإلكترونية التي سيتم اتباعها إلى حين مرور "عاصفة كورونا" العالمية.
توقف الصحف السورية عن إصداراتها الورقية، فشلت في تحقيقه عشرات عمليات الاغتيال التي ارتكبتها التنظيمات الإرهابية بحق الصحفيين السوريين، والإمطار اليومي لشوارع العاصمة دمشق بالصورايخ من مناطق سيطرتها في محيط العاصمة دمشق، إلا أن فيروس "كورونا" تكفل اليوم بدفع إداراتها لاتخاذ قراره احترازيا، وذلك بعد يوم واحد من إعلان أول حالة إصابة بالفيروس في البلاد.
"لربما لا أقدر على التعليق بشأن وقف الإصدار الورقي للصحف السورية"، هكذا قال رئيس تحرير صحيفة "الوطن"، وضاح عبد ربه، الذي تلقى خلال سنوات الحرب الأولى، تهديدات متتالية بالاغتيال، ناهيك عن تعرض مبنى صحيفته التي تتخذ من (المنطقة الحرة) وسط مدينة دمشق مقرا لها، لعشرات القذائف الإرهابية التي كانت تطلقها التنظيمات الإرهابية المسلحة من موافقعها في مناطق "داريا" و"الغوطة الشرقية" جنوب وشرق العاصمة السورية.
وقال عبد ربه لوكالة "سبوتنيك": "في سنوات الحرب الأولى لم يكن ليخطر على بال أي من الصحفيين السوريين أن يغادر مبنى صحيفته بهذه الطريقة الهادئة. في تلك الأيام كانت تحوم السيناريوهات الأسوأ تبعا للمخاطر التي كانت تحدق بحياة الصحفيين جراء قذائف الاٍرهاب والسيارات المفخخة والتهديدات بالقتل التي كانت تكتنف ساعات عملهم اليومي".
يستدرك رئيس تحرير "الوطن" السورية: "مع كل تلك البيئة المشحونة بالخوف والموت وتحدي الإرهاب، فقد بقيت أبواب الصحيفة مفتوحة ولم تغلق يوماً طوال تسع سنوات حرب على سورية، قبل أن يأتي كورونا بهدوئه المرعب للبشرية، دافعا أمامه ضرورات احترازية غاية في التحوط مما لا تحمد عقباه".
يحدو عبد ربه الأمل بالعودة قريبا إلى مكتبه الذي غادره اليوم وسط أجواء عاطفية تخللها وداع لزملائه من كوادره التحريرية والفنية في الصحيفة، مؤكدا لهم "أنا على ثقة بأننا سنعود بعد أيام معدودة، وليس أسابيع".
قد يكون الأمل هو الكلمة الوحيدة التي يمكن البوح بها في هذه المواقف، إلا أن معدلات انتشار الفيروس على الصعيد العالمي، قد تجعل من التوقعات سلعة باهظة، يؤكد عبد ربه: "طمأنت كل الزملاء بأن قرار تعليق إصدار الصحف الورقية ليس إلا اجراء وقائي لن يطول، وأننا قريباً سنعود لنجتمع ونعمل ونضحك على (الكورونا) الذي ألزم أكثر من مليار شخص حتى الآن البقاء في منازلهم"، متوجها لزملائه "بالتحية والشكر لكل ما بذلوه يومياً من جهد لتبقى (الوطن) في الصدارة، وتبقى الرائدة في صناعة الخبر السوري".
إلا أن توقف الإصدار الورقي سيدفع البدائل الإلكترونية قدما في قطاع الإعلام السوري، إلا أنه ورغم انتشار هذا الطراز من الإعلام الجديد خلال سنوات ما قبل الحرب وخلالها، فما يزال يعاني شحا في الأدوات الضرورية للإعلام متعدد الوسائظ، ناهيك عن افتقاره إلى البعد الفيزيائي الذي يعد سمة بارزة لعلاقة الإعلام الورقي بالقراء وبالنخب السورية التقليدية.
يؤكد رئيس تحرير "الوطن" السورية أن "العمل مستمر في نقل الخبر وصناعته وهذا ما أثبته الزملاء اليوم، الذين منذ الصباح الباكر أرسلوا كماً من الأخبار باتت تنتشر على موقع (الوطن أونلاين) وعلى صفحة (الوطن) على الفيسبوك، وتويتر، وبدأت رواد مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات الإخبارية بتناقلها".
يصف عبد ربه توقف الإصدار الورقي بـ "اليوم الحزين بكل تأكيد"، قبل أن يتناوله كـ "تحدي جديد أتخذناه على عاتقنا في الصحيفة لنبقى إلى جانب القراء والمتابعين، وهذا ما بدأنا نعمل عليه منذ اليوم متمنياً للجميع التوفيق والنجاح وأنا كلي ثقة أن (صحيفة الوطن) باقية وعينها لن تغيب".
وتماشيا مع الاجراءات الاحترازية للتصدي لـ "كورونا"، عقد وزير الإعلام السوري أمس اجتماعا مطولا مع رؤساء تحرير الصحف الوطنية "تشرين، الثورة، البعث، الوطن"، تناول المخاطر المحتملة لقدرة ورق الصحف (المسطح) كناقل للفيروس كورونا، ما أسفر عن اتخاذ قرار جماعي بتعليق إصدارتها الورقية، على أن تستمر بالعمل عبر مواقعها الإلكترونية.
روسيا تتخلى عن إجراء مناورات قرب حدود الناتو... أول إصابة بكورونا في سوريا
يصف عبد ربه هذا القرار بـ "الحزين.. لإنه يعد سابقة في تاريخ الإعلام السوري وربما الإعلام العالمي"، ملمحا بذلك إلى قرار مماثل اتخذته بعض دول العالم بتعليق صدور صحفها اليومية، مستدركا بالقول: "لكنه سابقة نريد من خلالها أن نتعلم التواصل مع كل قارئ عن بعد، أن نستمع إليه وأن يقرأ لنا، نريد أن نكون إلى جانبه كما كانت الصحيفة تلازمه كل صباح.. فمهنة الصحافة لا تعرف معنى الإجازة".
ووجه عبد ربه عبر "سبوتنيك" نداءا للتضامن "معاً من أجل البشرية، ومن أجل الإنسان، ونطالب جميعاً برفع العقوبات أحادية الجانب عن سوريا وعن كل الدول التي تعاني صعوبات للتصدي ومواجهة الأمراض، ولنتحدث جميعاً باسم الإنسان والإنسانية، وباسم الحياة التي نستحق جميعاً أن نعيشها"، مضيفا بأنه على "رجال أعمال وأغنياء سورية أن يكونوا إلى جانب فقرائها، وللجار أن يكون متضامناً مع جاره، والدولة مع مواطنيها".
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
الصحافة الورقية تحاول التغلّب على أزماتها لتغطية الانتفاضات الشعبية العربية
أزمة المبيعات ومداخيل الإعلانات تُهدِّد مستقبل الصحف الورقية المغربية
أرسل تعليقك