شارك مئات الآلاف من الأشخاص في تشييع الأمين العام الراحل لحزب الله حسن نصرالله وخليفته الراحل هاشم صفي الدين، داخل ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية ومحيطها في العاصمة اللبنانية بيروت.
تجمع الناس أمام المدينة الرياضية منذ منتصف ليل أمس رغم البرد القارس، ودخلوا إلى الاستاد الذي تصل سعته الى حوالى 48 ألف شخص لاحقاً، فملؤوه.
وكان ملفتاً مشاركة أشخاص من بلدان عربية وغربية في مراسم التشييع التي تم التحضير لها منذ أسابيع، وانتشرت منذ يوم أمس على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو يتحدث فيها أشخاص وصلوا بيروت للمشاركة في الاحتفال التأبيني، من البرازيل وايرلندا وتركيا واسكتلندا وتونس واليمن والعراق.
فيما انتشرت أمس أيضاً، مقاطع فيديو تظهر أشخاصاً قيل إنهم في طريقهم إلى بيروت سيراً على الأقدام من جنوب البلاد للمشاركة في التشييع.
ومنذ ساعات الصباح الأولى، كان تشييع نصرالله وصفي الدين من المواضيع الأكثر تداولاً على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، وبرزت وسوم "#إنا_على العهد" و"لبيك_يا_نصرالله" و"المدينة الرياضية" و"الضاحية الجنوبية" و"سيد حسن" على منصة إكس.
وبرزت على وسم "#إنا_على العهد" الكثير من المشاركات باللغة الفارسية ووصل استخدام الوسم هذا وحده، إلى أكثر من 334 ألف مشاركة.
وصف وسام حبيقة على منصة "إكس" تشييع نصرالله بأنه "تاريخٌ يُروى في ٤٠ دقيقة … ولن يتكرّر قبل ٤٠ او ٤٠٠ سنة".
فيما تساءل "مشاري السياف" في تغريدة، عن أسباب حضور ما أسماها بـ"وفود عربية حزبية" تشييع نصرالله، في ما يبدو أنه انتقاد لمشاركتها، قائلاً: "انا ممكن افهم اسباب حضور بيئة #حزب_الله للجنازة، ولكن لا أفهم اسباب حضور وفود عربية حزبية؟ هل عندكم جواب؟".
ومن جهتها، نشرت السفارة الإيرانية في لبنان مقطع فيديو من آخر خطابات نصرالله قبل مقتله مرفقةً إياه بعبارة: "إلى اللقاء"
وأثنى البعض، على صورة متداولة على نطاق واسع، لشبان يحملون صور نصرالله ورئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري الذي اغتيل عام 2005، بالإضافة الى صور لنجله سعد على سيارة واحدة، رغم الاختلاف السياسي الكبير بين الجهتين.
يرى حسن، وهو شاب ثلاثيني، في حديث لبي بي سي عربي، أن نصرالله "كان بمثابة رمزاً عالمياً للتحدي والتضحية ضد الظلم والإمبريالية" بحسب تعبيره.
ويضيف: "حياته وتضحياته، تذكرنا بأن النضال من أجل الحرية رحلة لا تنتهي، وهو ما يجعل من المقاومة حركة عالمية".
على الجهة المقابلة، يقول فادي (اسم مستعار)، في حديث لبي بي سي عربي، إنه يقدر "ما قدمه حزب الله من تضحيات أمام إسرائيل، إلا أننا لا يمكننا الاستمرار في خوض حروب خاسرة وتبعات اقتصادية مدمرة. حان الوقت لوقف كل ذلك" بحسب رأيه.
ويتعرض كل من نصرالله وحزب الله لانتقادات من أطراف سياسية لبنانية معارضة له. إذ يُتهم الحزب أنه تابع لإيران وأنه يقوم بتنفيذ مصالحها في لبنان بدلاً من مصلحة اللبنانيين. كما يتهم بتنفيذه لاغتيالات سياسية منذ العام 2005، وبـ "السيطرة" على قرارات الدولة بحسب معارضيه، وهي جميعها اتهامات رفضها الحزب مراراً. كما كان لمشاركة حزب الله العسكرية الى جانب النظام السابق في سوريا، انتقادات كثيرة في الداخل اللبناني.
وفور دخول نعش نصرالله محمولاً على سيارة خلال حفل تشييعه، رمى محبو القائد السياسي والشيعي قطعاً من القماش كي تُمسح بالنعش وتعاد إليهم، وكأن نصرالله تحوّل بذلك ليس فقط إلى قائد ورمز سياسي، بل إلى رمز إيديولوجي وديني أيضاً بالنسبة لمحبيه.
ويرى كثيرون أنه كان لنصرالله، بشخصيته وخطاباته، الفضل في تشكيل صورة حزب الله وشعبيته الكبيرة منذ تسعينات القرن الماضي.
وحزب الله كيان سياسي، وعسكري، واجتماعي يتمتع بقاعدة جماهيرية ونفوذ كبير بين أوساط الطائفة الشيعية في لبنان.
ويؤمن الكثير من أبناء الطائفة الشيعية بأنهم تعرضوا للتمييز وعدم المساواة خلال الحقبة الاستعمارية للقوى الكبرى مثل الإمبراطورية العثمانية وفرنسا، واستمرت هذه المشاعر خلال فترة الاستقلال عندما استولت النخب المسيحية والسنية على السلطة.
وفي تلك الفترة، اتُهمت الميليشيات المسيحية والسنّية بتلقي الدعم من دول أجنبية لتحقيق نجاح عسكري.
في الوقت نفسه، اعتُبرت الطائفة الشيعية التي تشكل الأغلبية في جنوب لبنان إضافةً إلى وادي البقاع في شرق لبنان، مع مجموعة صغيرة من المسيحيين الموارنة والأرثوذكس، في الخطوط الأمامية لمحاربة إسرائيل.
وحتى قبل ساعات قليلة من التشييع، كان البعض على وسائل التواصل الاجتماعي، ما زال لا يصدق بأن نصرالله قد مات فعلاً. وقال أحدهم في مقطع فيديو، إن نصرالله لم يقتل، بل إن الحديث عن مقتله مخطط له مسبقاً.
وقتل نصرالله في غارة إسرائيلية على حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت من بعد ظهر يوم الجمعة 27 سبتمبر/أيلول 2024 كانت تستهدفه، واستخدم فيها 80 طناً من المتفجرات الخارقة للتحصينات، هزت مدينة بيروت بأكملها وسمع صداها حتى عشرات الكيلومترات.
أعلن الجيش الإسرائيلي حينها أنه استهدف نصرالله في غارة على مقر القيادة المركزية للحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وكان حزب الله قد بدأ في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، باستهداف مزارع شبعا التي تصنفها الدولة اللبنانية على أنها أراض محتلة، وأعلن الحزب حينها أن قصفه تلك المواقع جاء "نصرة وإسناداً لقطاع غزة" بعد تنفيذ إسرائيل عملية عسكرية واسعة، رداً على عملية سمّتها حماس "طوفان الأقصى" وهاجمت خلالها بلدات غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من ذات العام.
وخلال الحرب الدائرة بين حزب الله وإسرائيل، أطلق الجيش الإسرائيلي اسم "سهام الشمال"، على عملية عسكرية في لبنان نفذ من خلالها مئات الغارات الجوية. وتدمرت عدد من قرى الشريط الحدودي مع شمال إسرائيل بشكل كامل، فيما شهدت قرى أخرى في جنوب لبنان والبقاع، بالإضافة إلى الضاحية الجنوبية لبيوت، دماراً واسعاً أيضاً.
وقدم حزب الله في الحرب الأخيرة مع إسرائيل، العشرات من قادته وعلى رأسهم نصرالله، بالإضافة لمئات، أو ربما، آلاف المقاتلين.
وتأسس الحزب الذي يحظى بدعم إيراني، في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين، وبرز إلى واجهة الأحداث أثناء احتلال إسرائيل لجنوب لبنان عام 1982. إلا أن جذوره الفكرية تعود إلى ما يعرف "الصحوة الإسلامية الشيعية" في لبنان في الستينيات والسبعينيات التي شهدت صعود مرجعيات دينية في جنوب لبنان كمرجعية السيد موسى الصدر، والسيد محمد حسين فضل الله.
ولا يخفي حزب الله في أدبياته، التزامه بعقيدة ولاية الفقيه التي وضع أسسها آية الله الخميني بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
تعليق حركة الطيران في مطار بيروت لـ4 ساعات خلال تشييع حسن نصرالله الأحد المقبل
حزب الله يكشف تفاصيل مراسم تشييع حسن نصر الله وهاشم صفي الدين بحضور وفود دولية في بيروت
أرسل تعليقك