بدأ تسعة طلاب مشوار سفر السعوديين إلى أميركا للدراسة، إلى أن بلغ اليوم نحو 90 ألف مبتعث ومرافق من السعوديين الذين يقيمون في الولايات المتحدة الأميركية حاليًا بداعي الدراسة في الفصل رقم 65، الفصل من الرواية الممتدة منذ عام 1952، على أن يبدأ في العام المقبل فصل جديد من فصول طلب العلم عبر الابتعاث إلى الولايات المتحدة الأميركية.
واقتصر تعداد البعثة الأولى من الطلاب السعوديين إلى الجامعات الأميركية على ستة طلاب في درجة الماجستير وثلاثة في درجة البكالوريوس، وذلك عام 1952، لتكون بداية الابتعاث حجر أساس في توسع العلاقات بين السعودية وأميركا من اقتصادية وأمنية لتشمل التعليم والثقافة. ودخل الابتعاث السعودي إلى أميركا عام 1958 مرحلة مهمة، يمكن اعتبارها أولى المراحل الفعلية، وذلك عندما تم ابتعاث 30 طالبًا من قبل شركة أرامكو السعودية الذين تم نقلهم من الجامعة الأميركية في بيروت إلى جامعة تكساس أميركا.
وأفاد تقرير للملحقية الثقافية السعودية لدى الولايات المتحدة الأميركية، بأن أول وزير للبترول في السعودية، وهو الراحل عبد الله بن حمود الطريقي، كان أول مبتعث سعودي للدراسة في أميركا. ووفق المعطيات التاريخية، تم افتتاح أول مكتب ثقافي للإشراف على المبتعثين السعوديين في أميركا وذلك عام 1952، الذي كان في البداية مكتب ملحق في مندوبية السعودية لدى الأمم المتحدة في نيويورك. وانحصرت مسؤوليات المكتب في الإشراف المالي والاجتماعي فقط، وصولاً إلى عام 1956 الذي يمثل التاريخ الرسمي لافتتاح أول مكتب ثقافي في تاريخ الابتعاث السعودي بأميركا، وأطلق عليه المكتب الثقافي السعودي في نيويورك.وقال الدكتور محمد العيسى الملحق الثقافي السعودي في واشنطن إن أبناء السعودية الذين تم ابتعاثهم إلى أميركا على مدى أكثر من ستة عقود كانوا خير سفراء للوطن.
وأشار العيسى خلال اتصال هاتفي مع "الشرق الأوسط" إلى أن الابتعاث الذي قفز من تسعة طلاب إلى أكثر من 125 ألفا قبل أن يتخرج عشرات الآلاف وفق إحصائيات عام 2015، تطور بشكل كبير، وتجاوز الدور الهامشي في حصد الجوائز العلمية إلى بلوغ درجة عالية من المنافسة على المراكز الأولى بين مختلف دول العالم في مختلف حقول العلم.في هذه الأثناء، أكدت السفارة الأميركية في الرياض وجود 75 ألف مبتعث من قبل الحكومة السعودية في أميركا حاليا، فضلاً عن 15 ألفاً آخرين من الدارسين على حسابهم الخاص، واصفة ذلك بـ"الاستثمار الضخم للموارد البشرية من أجل مستقبل أفضل للمملكة العربية السعودية".
وتتقدم الولايات المتحدة الأميركية على مختلف دول العالم في استقبال المبتعثين السعوديين ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، باستحواذها على ما نسبته 30 في المائة من المبتعثين، ثم بريطانيا بما نسبته 15 في المائة، ثم كندا بنسبة 11 في المائة، ثم أستراليا البالغة حصتها 8 في المائة من المبتعثين السعوديين.وهنا شرح الملحق الثقافي السعودي عمق دور العلاقات الثنائية بين الرياض وواشنطن في نجاح تجربة ابتعاث الطلاب السعوديين إلى أكثر من 1.7 ألف جامعة ومعهد، مبيناً أن العلاقات الراسخة بين البلدين منذ عهد مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز أسهمت في إيجاد علاقات ثقافية وتعليمية وعلمية فارقة، فضلاً عن العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية المتميزة.
وأظهر العيسى فخرًا بالطلاب السعوديين، بناء على ما توصلوا له من مستويات علمية عالية، مؤكدا «وجود أكثر من 850 مبتعثاً ومبتعثة في الجامعات العشر الأوائل، وأكثر من 1600 طبيب وطبيبة قيد الزمالة والإقامة في الولايات المتحدة، فضلاً عن الكثير من المبتعثين السعوديين الذين قدموا نماذج مشرقة تعكس تميزهم الأكاديمي والعلمي، وحصولهم على الكثير من براءات الاختراع".وعلى صعيد السرد التاريخي للابتعاث، بدأ إيفاد أول بعثة دراسية سعودية إلى مصر عام 1935، ثم تطور الابتعاث ليصل إلى أوروبا، قبل أن تحط أولى بعثات السعوديين في أميركا التي تحتل حاليا المركز الأول بين دول الابتعاث.
وعَدّ المختصون في مجال التعليم، السابع من شهر أغسطس (آب) 1956، التاريخَ الرسمي لافتتاح أول مكتب ثقافي في تاريخ الابتعاث السعودي إلى أميركا، وأطلق عليه «المكتب الثقافي السعودي في نيويورك»، مما أدى في تلك الفترة إلى تضاعف أعداد المبتعثين السعوديين إلى الولايات المتحدة الأميركية، ليبلغ عددهم 800 مبتعث عام 1974، ولم يمضِ العام حتى قفز هذا العدد بصورة غير مسبوقة إلى نحو 2039 مبتعثاً، وأدت هذه الزيادة إلى إعادة النظر في طريقة الإشراف على الطلاب والتفكير في إنشاء المكاتب الفرعية، وانتقال إدارة الإشراف على المكاتب الثقافية إلى وزارة التعليم العالي، بدلاً من وزارة المعارف، كما انتقل المكتب الثقافي من مدينة نيويورك لمدينة هيوستن عام 1975.وفي النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي، قررت الحكومة السعودية إنشاء ثمانية أفرع للمكتب التعليمي السعودي في أميركا، يتولى كل منها عملية الإشراف العلمي والاجتماعي والمالي على الطلاب المبتعثين وأسرهم في مناطق تجمعهم. ويمثل المكتب الفرعي الذي تم افتتاحه في لوس أنجليس بولاية كاليفورنيا عام 1978 بداية فعلية لتجربة إنشاء هذه المكاتب، ليرتفع عدد المبتعثين إلى 11 ألف مبتعث بعد عامين من ذلك العام.وشكل عام 1988 البداية الفعلية للملحقية الثقافية في ممارسة مهامها من العاصمة الأميركية واشنطن بأسلوب يتماشى مع السياسة الجديدة التي وُضعت من أجل تركيز المسؤولية في جهة رسمية واحدة، وُمنحت الصلاحيات التي مكنتها من تمثيل السعودية ووزارة التعليم والجامعات السعودية وجهات الابتعاث المختلفة تمثيلاً مناسباً في كل ما يتعلق بالشؤون الثقافية والدراسية والعلمية في الولايات المتحدة.
وتعكس هذه الفترة ثمار ابتعاث الطلاب والطالبات السعوديين وإنجازاتهم، حيث عاد إلى السعودية 5436 مبتعثاً خلال السنوات الأربع الأولى منذ بداية عمل الملحقية عام 1988، بينهم 519 خريجاً حاصلاً على درجة الدكتوراه.وبحسب الملحقية الثقافية السعودية في أميركا، كان عام 2005، منعطفاً مهماً في تاريخ العلاقات بين البلدين، إذ تم الإعلان عن بدء الابتعاث الخارجي، ووضعت الضوابط الضرورية لتذليل العقبات أمام السعوديين الراغبين في دخول أميركا، بما في ذلك الطلاب الذين يرغبون في مواصلة تعليمهم فيها، والإعلان عن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي بدأت نواته في أميركا، وامتد فيما بعد ليشمل دولاً كثيرة لها مكانتها وباعها في تصدير العملية التعليمية واستقبال المبتعثين السعوديين.
وهنا يعود الملحق الثقافي السعودي الدكتور محمد العيسى ملتقطاً أطراف الحديث مجدداً، ليستشهد بإحصائيات الملحقية التي شهدت عام 2015 ذروة تعداد المبتعثين، بوصول عدد الدارسين الذين تُشرف عليهم الملحقية إلى 125.5 ألف طالب وطالبة، منهم 75.2 ألف مبتعث ومبتعثة، إضافة إلى 40.8 ألف من المرافقين والمرافقات.
وتسعى الملحقية إلى تقديم أفضل الخدمات للمبتعثين والدارسين في الولايات المتحدة على وجه العموم. وفي هذا السياق، تم إنشاء مراكز وكراسي علمية في الدراسات العربية والإسلامية في عدد من الجامعات الأميركية، للتعريف بالثقافة العربية وإرساء دعائم التفاهم بين الشعوب، منها: كرسي الملك فهد في جامعة هارفارد - ماساتشوستس المعني بدراسات الفقه الإسلامي وعدد من الدراسات الأخرى، ومركز الملك فهد لدراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية بجامعة أركنساس - فاييتفيل، المعني بالدراسات الآسيوية والأوروبية وأميركا اللاتينية والشرق أوسطية والروسية، وكرسي الملك فيصل للفكر الإسلامي والثقافة بجامعة جنوب كاليفورنيا - لوس أنجليس، ويهتم بدراسات الفكر الإسلامي والثقافة، ووقْف الأمير سلطان بن عبد العزيز للدراسات العربية بجامعة كاليفورنيا - بيركلي لدراسات العلوم الاجتماعية والإنسانية.وتنوعت برامج التعاون الثقافي بين المملكة وأميركا، إلا أن الحدث الثقافي الأبرز هو إقامة معرض «المملكة ما بين الأمس واليوم»، في محطته الثامنة بالولايات المتحدة، وذلك برعاية ومتابعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله (حينما كان أميراً للرياض ورئيساً للجنة العليا للمعرض)، واستمرت عروضه لمدة عام تقريباً تَنَقّل خلالها ما بين أهم المدن الأميركية، ليُسهم في نشر الروابط الثقافية والعلمية بين الشعبين السعودي والأميركي.
أرسل تعليقك