الأخطاء في القراءة، يمكن أن تؤدي إلى نتائج كارثية، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالعدد والرقم، أو بالاسماء.
ويشار في المصطلحات العربية التقليدية، إلى جملة الأخطاء في الكتابة التي أدت إلى جملة أخطاء في القراءة، بمصطلح (التصحيف) الذي وقع فيه، حتى كبار اللغويين والقضاة والعلماء والكتّاب، بحسب الأصفهاني، حمزة بن الحسن (280-360) للهجرة، في كتابه الموضوع لهذا الشأن والمعروف باسم (التنبيه على حدوث التصحيف).
وكان من يقع بالتصحيف، يمنَع أخذ العلم منه، لما في التصحيف من مخاطر جمة. ونقل العسكري، الحسن بن عبد الله بن سعيد (293-382) للهجرة، في كتابه المصنف لهذه الغاية والمعروف باسم (شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف) قولاً يؤكد خطورة التصحيف الكتابي: "لا تأخذوا العلِم من صَحَفي" أي من مصحِّف.
وفيما أصل تلك التسمية، مرتبط بالكتابة، بصفة غالبة، يشرح العسكري مصدرها، فيقول: "فأما معنى قولهم الصَّحَفي والتصحيف، فقد قال الخليل: إن الصحفي الذي يروي الخطأ على قراءة الصحف، بأشباه الحروف".
أقرأ أيضًا صورة لطلاب من تعز يدرسون تحت شجرة تثير الجدل و"إعمار اليمن" يتفاعل
حسب الصيفَ ضيفاً فقام له!
ولقد أدى تشابه الحروف، إلى كوارث عندما تم تصحيفها في القراءة التي غيرت معناها، بالكامل. وفي كتب التصحيف التي اطلعت عليها "العربية.نت" أمثلة كثيرة توضح منشأ التصحيف وهو تشابه الحروف، من مثل "تغرة أن يقتلا" التي صحِّفت إلى "بعده أن يقتلا!" و"جنة" تصحف "حية" والعكس، وذقنه تصحف دفيه، أو العكس، والخمُس تصحف إلى الخمص، والعكس، ورفوني إلى رقوني. وكلمة الصيف التي تصحف بالضيف، وفيها تهكّم أبو نواس في بيت مشهور له:
رأى الصيفَ مكتوباً فظنّ بأنه -
لتصحيفه - ضيفٌ فقام يواثبه!
والتصحيف، توسّع، كمصطلح، وأصبح يشير إلى خطأ في الحركات التي تضبط الأسماء، حتى لو كانت غير مكتوبة، إنما يجمعها مع التصحيف الكتابي، السبب ذاته، وهو تشابه الحروف، من مثل الباز التي تصحّف النار، أو العكس. وكان يقال "أشدّ التصحيف، التصحيف في الأسماء".
ووقع التصحيف في كل أنواع المصنفات، يؤكد العسكري السابق ذكره، في أسماء الشعراء، وفي أسماء أيام العرب، وأسماء الفرسان، وأسماء الوقائع والأماكن، وفي علم الأنساب بصورة خاصة، كونه يتضمن جملة واسعة من الأسماء. ويقرّ بأنه حتى من يصفهم بـ"الخاصة" يقعون في التصحيف الذي وقعت فيه غالبية "العامة" بحسب قوله.
وبحسب ما طالعته "العربية.نت" في كتب التصحيف المشهورة، فإن الطبقة الأولى من اللغويين والنحويين، صحَّفَت! كالخليل بن أحمد الفراهيدي، صاحب العين، وكأبي العلاء بن عمرو، أحد رجال الطبقة الأولى في العربية، ومثله عيسى بن عمر، ومعمّر بن المثنى، والأخفش، والجاحظ، والأصمعي عبد الملك بن قريب. إلا أن المصنفين يستعملون عبارة "الوهم" أكثر من التصحيف، كنوع من الاحترام والتبجيل للشخص المتهم بالتصحيف خاصة إذا كان من الطبقة الأولى، فيقال "ما وهم به" فلان أو فلان.
لكن على الرغم من جميع الاحتياطات التي وضعت لتفادي الوقوع في التصحيف، كالتركيز على الحركات الإعرابية، والتركيز على دقة رسم الخط وإبراز النبرة الفاصلة بين الحروف، إلا أن التصحيف استمرّ، ولا يزال، ولذات السبب الذي هو تشابه الحروف.
الجنيه المصري من بنات الجِن!
وبحسب ما طالعته "العربية.نت" فإن التصحيف، لا يحصل بالضرورة بسبب خطأ في النص المرسوم حروفاً وحركات إعرابية، حيث يؤدي تشابه الكلمات الخالية من الضبط في حركاتها، إلى تغيير جذري في الاسم المقصود، فيصبح مشيراً إلى شيء مختلف كليا عما يشير إليه، في الحقيقة، مثلما حصل في اسم (الجنيه) المصري الذي كتب في فترة معينة، بدون ضبط في الحركات، فتمت قراءته على أنه "جنّيّة" من الجن والجان!
وبحسب سلسلة من المؤلفات المعنية بتاريخ النقود عند العرب،التي صدرت عام 1939، في القاهرة، ضمن مصنف واحد تحت عنوان (النقود العربية وعلم النمّيات) وفيه نخبة مما كتب في تاريخ النقد الإسلامي، منذ عصر ما قبل الإسلام، حتى فترة صدور الكتاب، نشرت جميعها على يد اللغوي المشهور الأب أنستاس ماري الكرملي البغدادي الذي كان عضواً في مجمع فؤاد الأول، للغة العربية في القاهرة، فإن أهالي إحدى المدن العربية، صحَّفوا باسم الجنيه المصري، عبر قراءته بصفته مؤنثاً للجنّي!
وفي تفاصيل الظاهرة الواردة في (النقود العربية..) يقول المؤلف، إن بعض من لم يعرف باسم الجنيه المصري، من العرب، عندما قام بقراءته منشوراً في الصحف المصرية هكذا: جنيه، أو قام بقراءته في الكتب المطبوعة في مصر، برسم: جنيه، فقد قام بلفظ الكلمة على أنها "جِنّيَّة" من مؤنث الجنّي!
وأشار إلى أنه "حاول مراراً" تصحيح "غلط من يقرأها هذه القراءة السيئة" كما ورد في الكتاب الذي نقل إصرار أصحاب تسمية الجنيه بالجِنّيّة، تحت هذا المبرر، فينقل ردّ الناس عليه بقولهم: "يجب أن تلفَظ جِنّيّة، لأن هذا الذَّهَب المصري، يسحر العقول والأنظار، كبنات الجِن!"
وينتهي إلى القول معبراً عن يأسه وقتذاك من ذلك التصحيف الجسيم: "وهذا كان جواب كل من أردنا ردَّه إلى القراءة الصحيحة" مما اضطره إلى إكمال هذا القسم من كتابه، لإيضاح حقيقة وتاريخ اسم الجنيه المصري، فيقول: "والصحيح أن الجنيه دخل مصر على يد الإنكليز" موضحاً أن أصل التسمية في الإنجليزية، جاء من اسم بلد في إفريقيا مشهور بالذَّهَب.
قد يهمك أيضًا
الجامعة "الألمانية - الأردنية" تشارك في مؤتمر دولي عن اللاجئين والتعليم في برلين
وزير التعليم العالي المصري يُعلن جاهزية مكاتب التنسيق لاستقبال طلاب الثانوية العامة
أرسل تعليقك