يمكن أن تصل الفضيحة التي طفت على السطح خلال الأيام الماضية وطالت مؤسسة الأبحاث البريطانية "كمبريدج أناليتيكا" على خلفية ما قدمته من استشارات انتخابية خلال حملة الرئاسة الأميركية، إلى لندن وموسكو إلا أن كلاًّ من الحكومة البريطانية المحافظة والكرملين نأيا بنفسيهما بعيدًا عن الشركة، التي تتخذ من لندن مقرًا لها، وقالا إنه لا تربطهما أي علاقة معها.
وقالت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي ردًا على سؤال في مجلس النواب الأربعاء إن الحكومة المحافظة لم توقع أي عقد على حد علمها مع كمبريدج أناليتيكا أو شركة التسويق الأم التي تتبع لها «ستراتيجيك كوميونيكيشن لابوراتوريز» ومقرها لندن. كما قال سفير روسيا لدى بريطانيا ألكسندر ياكوفينكو، الخميس، إن موسكو ليس لها أي صلة بمؤسسة الاستشارات البريطانية.
وسُئل ياكوفينكو لماذا التقطت له صورة منذ فترة بجانب ألكسندر نيكس الرئيس التنفيذي لـ"كمبريدج أناليتيكا الذي جرى وقفه الآن عن العمل وقال "في أحد الأيام تلقيت دعوة من نادي وندسور (للبولو)، وطلب مني المنظمون أن أمنح الجائزة الكبرى (لكل أعضاء الفريق. وأضاف خلال إفادة صحافية في السفارة بلندنومنحت الجائزة لنحو عشرة أشخاص أو 12 شخصًا، وكانت هذه هي المرة الوحيدة التي التقيت فيها بهذا ».
وأضاف"لم نقم بأي اتصالات مع كمبريدج أناليتيكا)... وليست لدينا أي صلات بها ولم نجتمع مع أي شخص، وكانت هذه هي المرة الوحيدة عندما قابلت هذا السيد في نادي وندسور للبولو».
أما بخصوص العلاقة مع حكومة ماي المحافظة فقد كتبت صحيفة "ذي تايمز" ، الأربعاء، أن «كمبريدج أناليتيكا» قريبة من حزب المحافظين البريطاني. ولدى الشركة مكاتب في واشنطن ونيويورك ولندن، ومن بين مؤسسيها ستيف بانون المستشار السابق لدونالد ترامب. لكن نفت تريزا ماي ذلك، ووصفت الشبهات التي تحيط بالمؤسسة بأنها «مقلقة للغاية».
ودعتها إلى التعاون مع التحقيق الذي فتحه مكتب مفوض المعلومات البريطاني، وهي هيئة مستقلة مكلفة حماية البيانات الشخصية.
وأعلنت الشركة البريطانية وقف مديرها التنفيذي عن العمل بعد الكشف عن تسجيلات يتفاخر فيها بأن الشركة لعبت دورًا كبيرًا في حملة ترامب الانتخابية، وقامت بكل بحوث وتحليلات الحملة، وكذلك الحملات الرقمية والتلفزيونية، مستخدمة المعلومات الشخصية لأكثر من 50 مليون مشترك في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك».
وأدى ذلك إلى مطالبات من قبل مشرعين بريطانيين وأميركيين لمثول تنفيذيين من "فيسبوك" أمام لجان برلمانية في مجلس العموم البريطاني والكونغرس الأميركي، وهذا ما وافق عليه مؤسس موقع «فيسبوك» مارك زوكربيرغ، الذي خرج، مساء أول من أمس (الأربعاء)، عن صمته الطويل ليعبر عن «أسفه» مقرّاً بحصول «أخطاء» بعد جدل مستمر منذ أيام حول استخدام غير مشروع للبيانات الشخصية لملايين المستخدمين من قبل شركة «كمبريدج أناليتيكا».
وصرح زوكربيرغ في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» بأن ذلك «شكل استغلالاً كبيراً للثقة، وأنا آسف فعلاً لما حصل. نحن مسؤولون عن التأكد من عدم تكرار ذلك».
وتابع زوكربيرغ أنه من دواعي سروره «أن أدلي بشهادته أمام الكونغرس الأميركي. وأمهل نواب بريطانيون زوكربيرغ حتى الاثنين للقدوم وتبرير ما حصل. كما طلب منه البرلمان الأوروبي القدوم للإدلاء بشهادته أمامه»، مضيفاً أنه سيقوم «بالتحقيق بشكل كامل» في القضية..
وقال مسؤول سابق في «فيسبوك» إن «كمبريدج أناليتيكا» استخدمت تطبيقاً ثالثاً يُدعى «ذيس إيز يور ديجيتال لايف» طوره الباحث الروسي ألكسندر كوغان لحصد هذه البيانات، مستغلة ثغرة كان هذا الموقع على عِلم بها.
وأكد ساندي باراكيلاس المسؤول السابق في تطوير «فيسبوك» أمام لجنة في البرلمان البريطاني إنه «ما إن تخرج البيانات من خوادم (فيسبوك)، لا تعود هناك أي رقابة ولا يعرفون على الإطلاق ما سيحدث. إنهم يفضلون ألا يعرفوا». وأضاف باراكيلاس أن "فيسبوك" كان على علم بما يحصل ولم يبلغ أحداً». وأكد كوغان أنه لم يخالف القانون ولكن الشركتين؛ الأميركية «فيسبوك» والبريطانية «كمبريدج أناليتيكا»، تسعيان إلى إلقاء المسؤولية على عاتقه في فضيحة اختراق الخصوصية. وقال كوغان الأربعاء لهيئة «بي بي سي» البريطانية إن «كمبريدج أناليتيكا» طمأنته إلى أن ما يفعله «قانوني تماماً وضمن شروط خدمة» عملاق مواقع التواصل الاجتماعي.
ورغم اتساع رقعة الفضيحة التي باتت مدوية، ظل زوكربيرغ على صمته حتى الأربعاء عندما نشر على صفحته في «فيسبوك» إقراراً منه بحصول «أخطاء»، وأنه يتحمل «مسؤولية ما حصل»، لكن دون أن يعتذر. وبعد ذلك بقليل أعربت المسؤولة الثانية في الموقع شيريل ساندبرغ عن «الأسف». وتعهد زوكربيرغ بأن يحدّ من وصول تطبيقات الجهات الثالثة إلى البيانات الشخصية وإخضاعها لمراجعة دقيقة. كما تعهد بإبلاغ جميع المستخدمين الذين يمكن أن يكون قد تم استخدام بياناتهم دون موافقة منهم، إلا أن «فيسبوك» يقول إنه علم في 2015 بأن كوغان سلم هذه البيانات إلى «كمبريدج أناليتيكا» وأن الباحث نفسه أكد أنه تم مسح هذه البيانات وهو ما تبين أنه غير صحيح. وفي مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، قال زوكربيرغ إنه وحتى بعد منع وصول المطورين إلى بيانات «فيسبوك» كما هو مقرر، «ستظل هناك مشكلة وجود شركات أخرى على غرار (كمبريدج أناليتيكا) أو مطورين مثل كوغان».
وأكد الناشط النمساوي لحماية البيانات ماكس شريمس، كما نقلت عنه الصحافة الفرنسية، أن «فيسبوك» كان على علم منذ عام 2011 بالمشكلات المتعلقة بتطبيقات الجهات الثالثة. وقال شريمس إنه عقد في عام 2012 اجتماعاً مع ممثلين للموقع الأميركي للتباحث في المخاوف التي يثيرها استخدام مثل هذه التطبيقات، إلا أن هؤلاء أكدوا له أنهم لا يرون أي مشكلة في الموضوع.
القضية يمكن أن تكلف "فيسبوك" غاليًا، فقد أعلنت مكاتب محاماة أميركية الأربعاء أنها تقدمت بشكاوى جماعية باسم مواطنين ومالكي أسهم. وتراجع سهم "فيسبوك"الإثنين والثلاثاء، لكنه عاد واستقر الأربعاء في بورصة نيويورك.
أرسل تعليقك