بغداد – نجلاء الطائي
رحلت ضحى، الفتاة ذات الستة عشر عامًا وقبلها رحلت أخريات، طالبات ومدرسات، ليس لهن ذنب سوى إنهن يرتدن مدرسة اسمها ثانوية عدن للبنات الواقعة في الشعب شمال شرقي بغداد، وهرع أهالي الحي إلى الشارع لاقتفاء عويل صدر من داخل إحدى الدور القريبة، وإذا بالصراخ يرتفع شيئا فشيئا حتى تبين بعد حين انه صادر من بيت الجار الأستاذ كاظم، المدرس المعروف في إحدى الثانويات القريبة في المنطقة.
"لقد ماتت ضحى" صرخت إحدى شقيقاتها وهي تجهش بالبكاء، وتجمع الجيران على عتبة الباب ليتأكدوا أن والدي ضحى تلقيا الآن مكالمة من المستشفى الذي كانت ابنتهما ترقد فيه حيث فارقت الحياة، ضحى ذات الـ16 عامًا، لم تكن هي الضحية الوحيدة في مدرسة عدن، إنما سبقتها خمس حالات إصابة بمرض السرطان بين مدرسات وطالبات وابنة حارس المدرسة، ما جعل الشكوك تزداد بوجود تلوث إشعاعي في مبنى المدرسة، بالرغم من نفي وزارتي التربية والبيئة ذلك.
ويستذكر أهالي حي التجار في مدينة الشعب، حيث موقع المدرسة المشتبه بتلوثها، الانفجار الهائل الذي حدث في أحد هياكل الدور بعد أيام قلائل من سقوط النظام السابق في العام 2003، حيث انفجرت أطنان من العتاد والصواريخ التي خبأها الجيش السابق حينها في هياكل المباني، ما أدى إلى استشهاد وجرح العديد من المواطنين، وإلحاق أضرار مادية كبيرة في الدور والمباني المجاورة.
كما كان الجيش العراقي حينها يتخذ من مباني المدارس مقار له كمواقع بديلة قبل دخول القوات الأميركية الى المدن بهدف التمويه وتفادي تعرضه الى القصف، إضافة إلى تخزين الأسلحة والعتاد فيها، ويراود أهالي هذه المنطقة الشك بوجود تلوث إشعاعي نجم عن ذلك التفجير، إضافة إلى ما تعرضت له المدينة من قصف إبان الحروب السابقة آخرها في نيسان/أبريل 2003.
وزارتا البيئة والتربية كانتا قد أوضحتا أن التحريات التي أجريت في مدرسة عدن أثبتت خلوها من أية نسب إشعاع، لكن وزارة التربية تراجعت عن ذلك وقالت إنها تشتبه بوجود تلوث إشعاعي في المدرسة، ومدير إعلام وزارة التربية وليد حسين، قال إنه فاتح وزارتي الصحة والبيئة للتأكد من احتمال وجود تلوث إشعاعي في مدرسة عدن للبنات في منطقة الشعب شرقي بغداد، مبينا أنه تم إرسال فريق عمل لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
وبين أن التربية تنتظر ايعازات وزارتي البيئة والصحة حول وجود الإشعاع في المدرسة لتتخذ بدائل لنقل الطالبات إلى مدارس أخرى، مشيرًا إلى أن الوزارة ستتخذ إجراءات كثيرة في حال ثبت وجود تلوث من بينها طمر مكان الإشعاع، ولكن وكيل وزارة البيئة الدكتور كمال حسين لطيف توقع ان سبب حدوث حالات الوفاة المفاجئة في المدرسة هو وجود مادة سمية كيمياوية لم يحددها، مبينًا أن فريقاً من الوزارة قام بثلاث زيارات الى المدرسة حيث قام بفحص الجدران والكهربائيات والشبابيك والزجاج فضلاً عن النفايات الموجودة قرب المبنى، مؤكدًا أن جميع نتائج الزيارات أظهرت أن نسبة الإشعاع الموجودة في المدرسة كانت صفرًا.
وقال مدير إعلام وزارة البيئة مصطفى حميد مجيد إن فرقنا الفنية ذهبت إلى مبنى الثانوية بعد تقارير تفيد بالاشتباه بوجود تلوث إشعاعي فيها ولم تعثر على أي مصادر تفيد بذلك، وأوضح مجيد أن ألفحوصاتها المختبرة تفيد أن الإشعاع الموجود هو ضمن الحدود الطبيعية، لافتًا إلى أن كل المصادر الكيميائية والفيزيائية الموجودة في الطبيعية تتوافر على نسب متفاوتة من الإشعاع.
وكانت معاون مدير مركز الوقاية من الإشعاع في وزارة البيئة مها حميد نافع، أكدت في وقت سابق عدم وجود أدنى نسبة من التلوث الاشعاعي في بناية أو تربة أو ماء ثانوية "عدن"، نافية الأنباء التي تحدثت عن وجود إشعاع خطير عقب فحص فرق البيئة لخمسة نماذج مسحوبة من بناية المدرسة والمناطق المحيطة بها كما تداولتها بعض وسائل الإعلام.
وإذ يؤكد المختصون في وزارة البيئة خلو ثانوية "عدن" للبنات ضمن قاطع الرصافة الأولى، من التلوث الإشعاعي بحسب فحوصاتهم، فأنهم يصرون أيضًا أن الإصابات الخمس المختلفة بمرض السرطان في المدرسة، عرضية وليست بسبب التلوث الإشعاعي، منوهًا إلى أن النوع الذي تم الادعاء بوجوده في المدرسة لايسبب مثل هذا النوع من السرطانات.
وكانت وزارة التربية قررت إخلاء مبنى مدرسة ثانوية في بغداد بعد الاشتباه في وجود تلوث إشعاعي فيها، وذلك على خلفية ازدياد حالات الوفيات والإصابة بأمراض الدم بين طالبات المدرسة وهيأتها التدريسية، وتشير تقارير إلى تسجيل حالات وفاة وإصابات بين الملاك التدريسي وعدد من الطالبات، إضافة الى ما سجل من حالات مشابهة خلال الأعوام الماضية، التي أودت بحياة عدد منهن وهو ما دفع الكادر التدريسي إلى القيام باعتصام أمام مبنى الثانوية.
والد ضحى يصر على أن ابنته راحت ضحية التلوث الإشعاعي في المدرسة التي كانت تدرس فيها قبل أن ينقلها إلى مدرسة أخرى بعدما اكتشف أن ابنته أصيبت بمرض جراء التلوث، وأكد كاظم أن ضحى لم تكن تعاني من أية أعراض مرضية سابقا، وكانت تتمتع بصحة جيدة، إلا انه فوجئ بما أصابها، فقد تدهورت صحة ابنته شيئا فشيئا ما اضطره إلى مراجعة المستشفيات وأطباء متخصصين بشتى الإمراض لتشخيص حالتها.
ويضيف أن مسؤولية موت ابنته تتحملها الجهات المسؤولة في الدولة كونها لم تتدارك حالة التلوث، إضافة إلى الجزء الأخر من المسؤولية يتحملها الأطباء والمستشفيات، إذ يروي بألم قصة مراجعته إلى أحد المستشفيات والتشخيص الخاطئ من جراء إهمال الطبيب الذي أدى الى رحيل ضحى مبكرا بسبب إبدال نتائج التحليلات بين مريضتين.
أرسل تعليقك