رحلة الجامعات العراقية تحت براثن الأحزاب الإسلامية بعد 2003
آخر تحديث GMT12:26:39
 العرب اليوم -

بعدما سيطرت عليها اللحى والجلابيب وحب السلطة والأموال

رحلة الجامعات العراقية تحت براثن الأحزاب الإسلامية بعد 2003

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - رحلة الجامعات العراقية تحت براثن الأحزاب الإسلامية بعد 2003

الجامعات العراقية
بغداد - العرب اليوم

زارنا الناقد الأكاديمي مالك المطلبي في الجامعة المستنصرية شتاء عام 2004، وتزامنت زيارته مع أيام شهر محرم، حيث تنتشر مظاهر التعزية الحسينية في كل مكان تقريبًا. فاستقبله لفيف من الأساتذة والتدريسيين في ممر الجامعة الرئيسي، وهو ممر طويل وأنيق، وقبل أنْ يسلِم علينا صاح بوجهي، هل هذه الجامعة شيعية؟ فقلت: كلَا إنها جامعة وطنية لكل العراقيين، فضحك وقال: ما هذا السواد الذي يلفها إذن؟! ففي شهر محرم الحرام، شأن بقية الأماكن، تتحول جدران أغلب الجامعة ومنها المستنصرية إلى لافتات سود بسبب الاحتفالات الدينية، مما يعني أنَ المد الديني، أو التدين الشعبي، أو الطقوسي زحف بقوة إلى أهم معاقل التنوير والتحديث المفترضة في البلاد. وفق ما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط

أظن أن هذه الحادثة الصغيرة ربما تمثل مدخلاً مناسبًا للدخول إلى عالم الجامعات العراقية بعد 2003، ذلك العالم الذي كنا وما زلنا نعول عليه ليُسهم في بناء البلد، ويدفع بكفاءاته لصناعة المشهد العراقي. لكن المؤسف، أن الجامعات كانت من أوائل المؤسسات التي تعرضت للنهب والسلب والحرق، حتى إنَ المكتبة العظيمة في الجامعة المستنصرية، وتضم بين رفوفها أهم المراجع والمخطوطات، هاجمها السراق أيام الفوضى بعد 2003، فقاموا برمي المخطوطات القيمة والمراجع الكبرى والنادرة وسرقوا خشب المكتبات فقط، علمًا بأن كتاباً واحداً قد يكون بسعر كل الخشب الذي سرقوه!

بعد لحظة 9 أبريل (نيسان) 2003، حاولتْ الجامعات أنْ تستعيد شيئًا من أدائها، لكن المشكلة الكبرى التي طرحت نفسها بقوة حينذاك، هي أن أغلب قيادات الجامعات من رؤساء جامعات، وعمداء كليات، وحتى رؤساء أقسام، كانوا ينتمون إلى «حزب البعث» فحدثت الفوضى في اختفاء البعض، وفي الاعتداء على البعض الآخر، بالضرب والإهانة والطرد من قبل طلابهم، أو زملائهم في الأقسام، لذلك اختفى شيئًا فشيئاً الجيل الذي كان يُمسك الجامعات لأكثر من عشرين عامًا، رغم أن فترة الاختفاء ليست بالطويلة فبعد ما يقارب أربعة أعوام استطاع عدد من القيادات البعثية الحصول على استثناءات من هيئة المساءلة والعدالة (هيئة اجتثاث البعث) سابقًا، وعادوا بمناصب متقدمة في المشهد الأكاديمي، و أبدلوا بجلباب حزب البعث لحى خفيفة، ومسابح، وبالاتكاء على طائفة أو حزب سياسي ما، ومن كل الجهات سنيِها وشيعيِها.

إنَ لحظة الفراغ الرهيب استدعت الصوت العالي والضجيج الذي لم يهدأ طوال ستة أعوام بعد 9 أبريل/ نيسان، فالأحزاب الإسلامية تحركت بشكلٍ قوي وعنيف على مرافق الجامعات، فأسست تجمعات طلابية بديلة للاتحاد الوطني الذي كان يسيطر عليه مقربون من «عدي صدام حسين»، النجل الأكبر للرئيس الراحل صدام حسين، وقد كان ذلك الاتحاد ذراعًا قويًا في الجامعات، برغم صفته غير الحكومية، وكانت تلك الأذرع متحكمة بتفاصيل مهمة داخل الحرم الجامعي، ولها مقرٌ رسمي في كل كلية، وكان أعضاؤها يُنتخبون من قبل الطلاب، ومعظمهم كانوا من المنتمين إلى تنظيمات حزب البعث، حتى إنَ رئيس الاتحاد الوطني في كل كلية، كان يدخل اجتماعات مجلسها وله سطوة على جميع الأساتذة.

عشية هزّة التغيير عام 2003، أُلغي اتحاد الطلبة البعثي مباشرة، ولم يعد له مكان إطلاقًا، لكنه، وتلك واحدة من المشاهد الفنتازية المعادة في البلاد أبدا! استبدِل بمجموعة منظمات طلابية معظمهما من الإسلاميين، وبدأوا يتقاسمون الجامعات مثل أي غنيمة حرب، فالشباب المتحمسون للتيار الصدري مثلا، عمدوا إلى السيطرة على الجامعة المستنصرية التي تقع شرق العاصمة بغداد حيث يقع معقلهم في مدينة الصدر (صدام سابقًا)، بينما تقاسم حزب «الدعوة» و«المجلس الأعلى» السيطرة على جامعة بغداد العتيدة التي تقع وسط بغداد.

وكان نصيب «الحزب الإسلامي» السني الهيمنة على «الجامعة العراقية» في حي الأعظمية، وعلى جامعات المحافظات الغربية، وامتدت أذرع «حزب الفضيلة» إلى جامعة البصرة في أقصى جنوب العراق، وعلى بعض الكليات في بغداد والمحافظات.

و حدث مثلما حدث مع «اتحاد الطلبة البعثي» المنظمة غير الحكومية، أديرت المنظمات الجديدة من قبل طلاب شباب استطاعوا أنْ يتحكموا بمفاصل الجامعات، وأنْ يوجهوها وفق ما يعتقدون، أو وفق المصلحة التي ينطلقون منها، وبذلك ظهرت قيادات شبابية إسلامية في الجامعات فرضت الحجاب على الطالبات في عدد من الجامعات، ومنعت مظاهر الحياة المعتادة في هكذا أجواء كالاحتفالات والسفرات والموسيقى، كما أسهمت كثيرًا بانتشار الموالين لهم في إمساك الإدارات على حساب الكفاءة والمهنية، وأصبحت تلك المنظمات تُدير شؤون عدد من الجامعات، وأضحى هؤلاء الطلبة الجانب الأقوى والمُهاب في الحرم الجامعي، وصاروا مصدرًا للخوف والخشية لوجود أذرع مسلحة تساندهم، وصار بإمكانهم أنْ يعتدوا على رئيس جامعة، أو عميد كلية دون أنْ يُحاسبوا!

وكبر عدد غير قليل من أولئك وتخرجوا وصاروا ملزمين بمغادرة الأروقة الجامعية، لكن ذلك أمر لم يكن ليروق لهم، فوجدوا في مواصلة دراساتهم العليا في الماجستير والدكتوراه سببًا وجيهًا للبقاء على قيد النفوذ والهيمنة في تلك الجامعات، فحصلوا على ما يريدون وتعينوا معيدين وأساتذة في الجامعات نفسها. ثم حدث أن هدأ البعض منهم واستقرَ، والتفتَ إلى نفسه، فيما بقي البعض الآخر صارخًا على طول الطريق.

إنَ فترة هيمنة الشباب الإسلاميين على الجامعات، كانت من أفقر المراحل معرفة وإنتاجًا، ومن أكثرها فوضى، وهي المرحلة التي أنتجت لنا أساتذة يتتبعون خطى أولئك الشباب، عسى أنْ يعطفوا عليهم بمنصب إداري، وللأسف فإن عددًا كبيرًا من الإداريين الذين أمسكوا الإدارة في الجامعات جاءوا بتزكية من تلك المنظمات.

لحسن الحظ، فإن دور تلك المنظمات ضعف كثيرا بعد عام 2010. حين قام الوزير حينذاك، علي الأديب، بإلغاء تلك المنظمات وطارد عددًا من عناصرها، لكنْ رماد أولئك الطلبة بقي يشتعل بين مدة وأخرى.

إن البانوراما السريعة الآنفة، هي عبارة عن لمحات تؤشر لمرحلة من مراحل العراق ولزاوية مهمة من زواياه وهي الأكاديمية العراقية التي بقيت تعمل وتدور عجلتها وإن كانت بطيئة ومتأخرة في بعض الأحيان. كما أن هذا المشهد وهذه السطوة لا تعني خلو الجامعات من الكوادر والكفاءات المهمة التي التزمت الصمت فانزوت جانبًا فبين يدي عشرات الأكاديميين الذين نأوْا بأنفسهم عن صراعات الديكة واكتفوا بالبحث العلمي والدرس فأنتجوا جيلًا يعتد بمعرفته ومكانته العلمية، وهذا الجيل الذي نأى بنفسه في الحقيقة هو الوجه التنويري والمعرفي للأكاديمية العراقية التي تتعالى على فتات ما ترميه الأحزاب لبعض الأساتذة الذين يقفون في طوابير طويلة للحصول على منصب إداري مهم في الجامعات.

شخصيًا ربما أجد العذر للبعض من ناحية هوسه بالمنصب، لأسباب عديدة يقف في مقدمتها الفارق الكبير في الراتب ما بين المسؤول (العميد أو رئيس الجامعة) وبين الأستاذ الجامعي الذي يحمل نفس اللقب العلمي ونفس سنوات الخدمة، حتى أن الفرق في الأجور يصل بينهما لأكثر من ثلاثة أضعاف الراتب.

اليوم وبعد مرور نحو عقد ونصف على لحظة أبريل 2003. يمكن ملاحظة التغيير الذي طرأ على المشهد العام في الجامعات، حيث شكَل الضغط والنقد الذي يُمارس على القيادات الإدارية عاملاً مؤثرًا في تغيير بوصلة اهتماماتهم، حتى إنَ الدولة التفتت إلى أهمية البعثات فأسست ما يسمى بـ«مبادرة رئيس الوزراء» لإرسال آلاف الطلبة للدراسة خارج العراق، ونحن بانتظار أنْ يحصد البلد ثمار هؤلاء المُبتعثين.

ويلاحظ هنا، هو أن معظم الإدارات التي توالت على ملف التعليم العالي انصب اهتمامها كثيرًا على الجانب العلمي التطبيقي، وفي مقابل إغفالها للجانب الإنساني، بل إنَ أحد رؤساء الجامعات المهمة في البلد ينظر بازدراء للعلوم الإنسانية، علمًا بأن أحد التقارير العلمية التي نشرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية عام 2017 يشير إلى أن أغلب المنتمين للجماعات الإرهابية هم من خريجي الاختصاصات العلمية أطباء ومهندسين، كما أشار تقرير نشرته الأمم المتحدة للتنمية البشرية عام 2003، إلى أنَ مناهج التعليم العربية تشجع التسليم والطاعة والتبعية والامتثال بدلًا من التفكير النقدي الحر.

إنَ هذا الاهتمام بالجانب العلمي - على أهميته - على حساب الجانب الإنساني نعتقد أنَه يُسهم بصناعة الفرد الناقد للمجتمع، والمفكك للخطابات المتطرفة والطائفية التي هي سبب من أسباب مشاكلنا، إنْ لم تكن السبب الرئيسي، فعدم الاهتمام بها سيُنتج لنا مجتمعاً مطيعاً لا يناقش ولا يعترض.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحلة الجامعات العراقية تحت براثن الأحزاب الإسلامية بعد 2003 رحلة الجامعات العراقية تحت براثن الأحزاب الإسلامية بعد 2003



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab