يلازم هاجس الإقبال على الدراسات العليا خارج العراق، خريجي طلبة الكليات على نحو كبير، ويأتي ذلك في وقت انتشرت فيه الإعلانات على نحو كثيف في مناطق مختلفة من العراق عن طريق مكاتب خاصة وشركات تتولى عمليات القبول في الجامعات، لاسيما في دول شرق آسيا وروسيا وأوكرانيا.
وأشار عدد من الطلبة، إلى أنّ الدراسة في الخارج لها جوانب مفيدة، فضلًا عن الجانب العلمي؛ تتمثل في الانفتاح على مجتمعات جديدة والتعرف عليها، فيما يلفت أكاديميون إلى أنّ هناك إشكالية في حاجة إلى إجابة من وزارة "التعليم العالي" نحو الاعتراف في بعض الجامعات، فضلًا عن معادلة الشهادات.
وأوضح أحد أصحاب المكاتب التي تسهل الحصول على القبول للطلبة الراغبين في الدراسة خارج العراق، أبو طريف، لـ"العرب اليوم"، أنّ الإقبال الآن، في تزايد مستمر من الطلبة على الدراسة خارج العراق، خصوصًا من الخريجين للأعوام الماضية، وهناك مئات المعاملات التي ما بين تم انجازها أو ستنجز لهذا الغرض.
وأضاف أبو طريف، أنّ من أسباب زيادة الإقبال على الدراسة في الخارج؛ أنّ الجامعات في الخارج تقبل الطلبة بغض النظر عن المعدل والعمر، أيضًا أنّ تكلفة الدراسة تعد رخيصة نسبيا قياسًا مع دول أخرى في اختصاصات مهمة كالطب والهندسة وغيرها.
وأشار إلى أنّه يسهل الحصول على القبول للطلبة في الجامعات الروسية والأوكرانية، كما أنّ هناك مكاتب وشركات أخرى توفر القبول في جامعات ماليزيا والهند وغيرها من الدول، وأضاف، كما أنّ المكاتب تقدم خدمات أخرى للطالب كإجراءات الحصول على القبول الدراسي واستخراج الفيزا التدعيمية من خارجية الدولة التي يرغب الدراسة فيها، فضلًا عن الاستقبال في المطار، وإكمال إجراءات التسجيل في الجامعة.
وتابع، وأيضًا المساعدة في إجراء الكشف الطبية، ومساعدة الطالب للحصول على الإقامة والسكن، فضلًا عن المساعدة في عملية فتح حساب مصرفي وعمل بطاقة الائتمان، والتعرف على المدينة التي يدرس فيها.
أما مدرس اللغة العربية قصي مأمون، فأبرز أنّه أقدم على خطوة صعبة حيث قدم إجازة من دون راتب من وظيفته للحصول على شهادة الماجستير، ولم يكن الوحيد الذي فكر في الإجازة من دون راتب مقابل التنازل عن بعض الضروريات مثل البيت والسيارة، فأبدى عدد من موظفي دوائر الدولة العراقية، لاسيما ممن تتجاوز رواتبهم الـ مليون دينار عراقي اعتمادهم الطريقة نفسها.
وبيّن الاختصاصي في علم النفس مهند الصالحي، لـ"العرب اليوم"، أنّ هذه الموجة الكبيرة من المتقدمين للدراسات العليا إلى درجة القبول، عبر أخذ إجازة لمدة عام، من دون راتب؛ لأسباب اجتماعية، في الدرجة الأولى واقتصادية في الدرجة الثانية بعيدًا عن الروح العلمية أو تحقيق المستوى المطلوب من الدراسة الأكاديمية.
بدورها، قالت مديرة الإجازات الدراسية عبير عبد الحسين الخفاجي في تصريح إلى "العرب اليوم"، إن وزارة "التعليم العالي" وافقت على المقاعد الدراسية التي تم تخفيضها إلى 800 مقعد، بعد المداولة مع وزارة "التخطيط" حول تخفيض عدد المقاعد الدراسية، وكان التركيز على الاختصاصات العلمية من دون الإنسانية، فضلًا عن اختصاصي الانجليزية والقانون.
وأضافت الخفاجي، أنّ شروط التقديم للإجازات الدراسية؛ العمر بالنسبة إلى الماجستير، ويجب ألا يتجاوز 45 عامًا، ومعدلًا دراسيًا 65%، والدكتوراه 50 عامًا، ومعدلًا دراسيًا 70%، فضلًا عن توفر الاختصاص وخدمته الوظيفية لعامين بعد آخر شهادة حصل عليها، مبينة، أنّه سيتم إضافة الذين لم يحصلوا على إجازة دراسية خارج العراق، العام الماضي، وتحويلهم إلى داخل العراق خارج المقاعد الـ800.
من جانبه، ذكر أحد الطلبة الذين يسعون للحصول على قبول على نفقتهم الخاصة، أنّه على الأكيد أنّ إقبال الطلبة العراقيين على الجامعات في خارج العراق له الكثير من الدواعي والمسببات، الفشل في التعليم في العراق أولًا ومساوئ التعليم والفساد الإداري ثانيا، وعدم توفر فرص جيدة للدراسة على حساب الدولة كبعثات أو ربما زمالات أو في الأحرى عدم الاهتمام في منح الطلبة تلك الفرصة المهمة.
ولفت الطالب فيصل حسام، إلى أنّ تفضيل البعض على الآخر من مقربي المسؤولين وبعض الحزبيين، لتخبط الدولة في قراراتها التعليمية، بعد يأسهم من وزارة "التعليم"، للدراسة على النفقة الخاصة في الدول التي يمكن أن تسمح في الدراسة وفق أجور مناسبة مثل: ماليزيا والهند وأوكرانيا وروسيا.
ويشرح حسام خريج كلية الإدارة والاقتصاد من جامعة "بغداد" فرع إدارة إعمال، المشاكل التي تواجه الطلبة، خصوصًا الموظفين منهم، أهمها الوزارة نفسها، حيث لا ترحم ولا تترك لهم رحمة الرب، فبينما يسعى الطلبة إلى الدراسة على حسابهم تعمل الدولة على قطع نصف راتبهم بدلًا من مساعدتهم، ما يؤدي إلى تقليص راتبهم على نحو يعجزهم تقريبا، عن الدراسة في تلك الدولة، وأردف، أنّه وسط تلك المعوقات والمشاكل ترفض الوزارة الأمر لحجة التريث.
أما أيسر رائد، موظف أيضًا يروم إكمال شهادة الدكتوراه، فأفاد لـ"العرب اليوم "، أنّ الإقبال على الدراسة في الخارج ليس رغبة في تلقي المعرفة الأكاديمية في تخصص ما فحسب؛ بل رغبة ملحة للفرد العراقي للانفتاح على مجتمع آخر وحياة ثانية، واكتشاف ثقافات وتقاليد جديدة والهروب في الوقت ذاته من واقع متقهقر ومريب في انحداره، ويعتقد بأن دعم الدولة هكذا مشروع يسهم في صناعة أجيال جديدة وبناء أسس رصينة تحفظ المجتمع وأفراده من آفة الانغلاق.
ويتأسف مأمون على تفكير الدولة التي مازالت تتعامل مع الأستاذ والطالب العراقي وفق مبدأ الحجر وتبتكر المعوقات دائما أمامهما ومن بينها إيقاف الدراسة على النفقة الخاصة، ودعا الجهات الحكومية إلى تسهيل أي جهد يصب في هذا الاتجاه على الأقل أن المتعلمين في الدول الأخرى سيتمكنون من نقل تجارب جديدة من الدول التي يدرسون فيها إلى المجتمع الذي أنهكته الحروب.
أرسل تعليقك