في أول حكم من نوعه القضاء اللبناني يعيد أم وأولادها إلى منزلها بعدما طردهم الوالد
بيروت – جورج شاهين
أثمَرت جهود المجتمع المدني في قضية حماية النساء من العنف الأسري، قرارًا قضائيًا جريئًا، الخميس، هو الأول من نوعه في تاريخ القضاء المستعجل، على رغم من عدم صدور القانون، ليُضيء بوضوح على قدرة القضاء اللبناني في استعادة دوره كضامن للعدالة.
لم تنتظر المحامية العامة الاستئنافية في جبل
لبنان القاضية أرليت تابت، "هِمّة" النواب في إقرار قانون حماية النساء من العنف الأسريّ، لتضع حدًّا لمعاناة أمّ وطفلتين، فاتخذت قرارًا جريئًا لحمايتهنّ من ظلم الزوج والأب.
وفي التفاصيل، غادرت إحدى السيدات (نتحفّظ عن ذكر الاسم) منزلها الزوجي، في قرنة الحمراء (قضاء المتن)، الأربعاء، مع طفلتيها (أربعة أعوام وسنتين وشهرين)، لتعود بعد بضع ساعات، فتجد أن أقفال باب المنزل قد تغيّرت، فاتصلت بزوجها للاستفهام عن الأمر، إلا أن الأخير أبلغها أن لا مكان لها في المنزل بعدما باعه إلى أحد أصدقائه المقرّبين، وأن عليها العودة مع الطفلتين إلى منزل والديها.
وقع الخبر كالصاعقة على الزوجة، فرغم وجود بعض الخلافات الزوجية السابقة، إلا أن هذه الخلافات لم تبلغ حدًّا يتوقّع معه أن يتخذ الزوج هذا الموقف.
ولجأت السيدة إلى النيابة العامة الاستئنافية، فاطّلعت القاضية تابت على القضية، لتسارع إلى إصدار إشارة إلى قوى الأمن الداخلي، بفتح المنزل وإعادة العائلة إليه، ريثما يؤمن الزوج منزلاً بديلاً، على أن يتعهّد بذلك، وأمرت بتوقيف الزوج، الذي ادعت ضدّه الزوجة بأخذ مصاغها، ثم أطلقته لاحقاً بعد إعادة ما أخذه.
أثار القرار الجريء ضجة كبيرة في الأوساط الحقوقية، لا سيما تلك الداعمة لحقوق المرأة، ويُعد سابقة لعدم وجود نص قانوني نافذ يحمي الزوجة والأولاد في مثل هذه الحالات، سيما أن قانون حماية النساء من العنف الأسري، الذي نصَّ على تأمين منزل بديل للزوجة، لم يصدر بعد، في وقت لا تزال بعض نصوصه موضع جدل بين هيئات المجتمع المدني وبعض النواب، رغم إقراره في اللجنة النيابية الخاصة.
وانسجم القرار مع مبدأ تطبيق القضاء للعدالة والإنصاف في غياب النصّ القانوني، وأتى ليترجم حرية التقدير الممنوحة للقضاء الجزائي، في سبيل رفع الظلم وحماية الأشخاص من أي خطر محتمل.
من جهة أُخرى، أثار القرار تساؤلاً قانونيًا عن مصير عقد البيع الذي نظّمه الزوج لمصلحة صديقه، وفي هذا الإطار أوضح وكيل الزوجة المحامي إلياس مارون أن المنزل لا يزال مسجّلاً على اسم الزوج، مرجّحًا أن يكون البيع صوريًا، ومستبعدًا في الوقت عينه لجوء المشتري إلى أي اعتراض على إشارة النيابة العامة، سيما وأن علاقته تنحصر بالبائع.
ونوّه مارون بموقف النيابة العامة، معتبرًا أن "تحرّكها السريع حمى الأسرة من خطر التشرّد".
بدورها، رحّبت منظمة "كفى عنف واستغلال" بالقرار، وأشارت المسؤولة الإعلامية لديها مايا عمّار إلى أن القرار "يعكس أحد أبرز مواد مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري، التي تنص على وجوب تأمين مسكن بديل للزوجة، حال تعرّضها للعنف أو الطلاق وذلك ضمن قرار الحماية".
قرار تابت يعكس في نظر إحدى ناشطات المجتمع المدني مدى تأثير حملات التوعية الإجتماعية، وما رافقها من دورات تدريبية للمعنيين في القضاء والأمن، ويعيد إلى الذاكرة، القرار الذي اتخذه القاضي جون القزّي، خلال تولّيه رئاسة محكمة الدرجة الأولى في جبل لبنان، والذي سمح بموجبه لوالدة لبنانية بمنح جنسيتها لأولادها من زوج غير لبناني.
القراران المتباعدان في الزمن استعادا الدور الجوهري للقضاء، في حماية الضعيف، وأعطيا حقوق الإنسان الأولوية على حرفية النص القانوني.
أرسل تعليقك