حكايات حزينة لروَّاد مستشفى دار العجزة ترصد واقعهم المأساوي
آخر تحديث GMT05:38:21
 العرب اليوم -

سكانها يعيشون بين ذرف الدموع وحسرة انقضاء العمر دون صحبة

حكايات حزينة لروَّاد مستشفى دار العجزة ترصد واقعهم المأساوي

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - حكايات حزينة لروَّاد مستشفى دار العجزة ترصد واقعهم المأساوي

المرضى داخل مستشفى دار العجزة
بيروت - عنوة دريان

ترتبط الصورة الذهنية لمستشفى دار العجزة عادة بأنها "منفى" أو "صرف نهاية الخدمة"، فهو الانطباع الأولي الذي يتبادر إلى الذهن لدى الحديث عنها. والواقع يظهر أنها مأوى أحياناً ومنفى في أكثر الأحيان وربما هذا ما ينبغي أن يدركه كثيرون. في هذه الدار المنسية حكايات حزينة لأشخاص نحلت وضعفت أجسادهم وقدراتهم العقلية. فيهم الشيخ العجوز والطفل، حاجاتهم خاصة جداً، وبعضهم يذرف الدمع ويعيش حسرة انقضاء العمر وحيداً وقد تخلى عنهم من صرفوا عمرهم من أجلهم وأودعوهم في ذاكرة النسيان.

حالات مختلفة تقفز أمام زائر الدار فتدفعه لطرح أسئلة كثيرة عن الدار وقاطنيها، هل هي دار لإيواء العجزة ورعايتهم نفسياً واجتماعياً في هزيع عمرهم الأخير، أم أنها منفى للآباء والأمهات أم هي مشفى لذوي الحاجات الخاصة صغاراً أم كباراً؟ وهل هذا المكان هو المناسب لإيواء العجز!

ولم يكن سعيد ذو السبعة والسبعين عاماً يعلم أنه في طريقه إلى دار العجزة أخبره ابنه الوحيد أنه ذاهب وإياه إلى الطبيب، وإذا به يفاجأ بوجوده هناك، وقد جرى ذلك بعد مشادة كلامية حصلت بينه وبين زوجة ابنه التي يقول انه بسببها أودع في ذلك المكان الذي لا يرى فيه سوى السجن، ويسرد سعيد قصته وعيناه ممتلئتان بالدموع ويحمل سيجارة في يده، ويقول إنه غير مرتاح لوجوده في الدار على الرغم من زيارات ابنه المتكررة له، فهو لم يتأقلم مع الأجواء، وليس لديه أصدقاء، وهو يرى أنه من الأفضل أن يهتم كل شخص بنفسه، وأن لا يتدخل بشؤون الآخرين هذا الشعور رافق سعيد منذ اللحظة الأولى لدخوله الدار. لم يكن سعيد يعاني من إعاقة جسدية أو عقلية، ولكنه كان يجلس على كرسي متحرك بسبب إصابته بكسر في رجله.

وبالنسبة للنشاطات الأسبوعية التي تنظمها دار العجزة، يرى سعيد فيها تمييزاً فهي "ليست للجميع بالتساوي وإنما لناس وناس". ويقول الطبيب نبيل نجا عن حالة سعيد أنها "خاصة"، وهو يرد سبب عدم تأقلمه مع الأجواء إلى الرفاهية التي كان يعيشها من قبل، ولذلك "هو لن يعجب أبداً بالحياة داخل الدار ولا بالنشاطات التي تجري فيها". سعيد هذا الرجل السبعيني يعيش حالة من الإحباط واليأس وهو يرى أن "الأمل في الخروج من المستشفى صعب جداً مع وجود زوجة ابنه في المنزل".

قصة أخرى محورها نبيل البالغ من العمر ثلاثة وستين عاماً. دكتور في الفلسفة يتقن اللغتين الإنجليزية والفرنسية إلى جانب العربية. يجلس نبيل على كرسيه المتحرك لأنه لا يستطيع المشي ولا التحدث على نحو مفهوم، كما يعاني من اضطراب نفسي. تقول شقيقته إن "أحداث 11 أيلول/سبتمبر وما تبعها من ضغوط اجتماعية واقتصادية عليه تسببت بتدهور حالته الصحية. نبيل درس الفلسفة في الجامعة الأميركية في بيروت، ثم إدارة الأعمال في لندن، وسافر بعدها إلى الولايات المتحدة الأميركية ليؤسس حضانة للأطفال، وكانت  هجمات 11 أيلول /سبتمبر سبب إقفال الحضانة التي يديرها وإفلاسها. ولم يستطع نبيل تحمّل الصدمة فدخل في غيبوبة لفترة طويلة استفاق بعدها مصاباً بشلل واضطراب نفسي.

والتكاليف الباهظة للعلاج في الخارج أجبرت عائلة نبيل على إحضاره إلى لبنان ووضعه في مستشفى دار العجزة الإسلامي لأنه المكان الأنسب لحالته وفق ما تقول شقيقته التي تشكر الدار على اهتمامها واستقبالها مثل هذه الحالات، كما تؤكد أنه "لن يغادر الدار طالما أن الطبيب لا يسمح له بذلك، فهو لن يحظى بنفس العناية في المنزل أو في أي مكان آخر" وهذا ما يوافق عليه نبيل.

أما هبة طفلة في الحادية عشرة من عمرها ونزيلة في الدار أيضاً، لكنها لا تستطيع الكلام فتتحدث بالدموع لتعبر عما في داخلها تارة، وبالابتسامة الصفراء أحياناً أخرى. واكتشفت والدة هبة ان ابنتها عاجزة عن السير والنطق ومصابة بمرض السكري وهي في سن الثلاث سنوات. بعد مرض هبة ارتحل والدها إلى ربه فاضطرت هبة للانفصال عن والدتها التي أحضرتها إلى الدار لأنها عجزت عن إعالتها، فالوالدة التي لا تعمل رأت في الدار المكان الأنسب لرعاية ابنتها.

الأم وبالرغم من ارتياحها لوجود ابنتها في الدار إلا أنها في الوقت نفسه تشعر بألم الابتعاد عن ابنتها، فهي تعيش في صيدا ولا تستطيع أن تزورها يوميًا. وتعرب الأم عن أملها بأن تتحسن الظروف لتأخذ ابنتها لتعيشا معاً وهو ما تطلبه هبة عند كل زيارة، والتي تنتهي عادة بنوبة من البكاء والصراخ، وتقول الأم الحزينة إنّ "الأمل لا يزال موجوداً بخاصة أنّ قدرة هبة على المشي تحسنت منذ أن جاءت إلى المستشفى، ويعود الفضل بذلك إلى الأطباء والعلاج الفيزيائي الذي تخضع له".

أما وفاء (43 عاماً) فتقول إنها منذ اليوم الأول لدخولها دار العجزة أقنعت نفسها بفكرة التأقلم والتكيف على عكس سعيد، وهي اليوم تشكر الله لأنها موجودة في الدار، ولا تجد سبباً يدفعها للعودة إلى المنزل الذي يذكرها بوالديها حيث تسمع أصواتهما في كافة أرجائه. وتعاني وفاء من تصلّب لوحي يؤدي إلى نوع من التليّف في خلايا الدماغ، وبالتالي تأخر في استقبال الإشارات والاستجابات. ويوضح الطبيب يحيى صقر أن "المرض أخذ أكثر من حقه في جسدها، فهي لا تستطيع المشي، كذلك لا تنطق بوضوح، ناهيك عن العوارض غير المرئية، ورد سبب ذلك إلى الاكتشاف المتأخر للمرض وعدم انتظام تناول الدواء".

ويؤكد د. صقر أنه على الرغم من قدرة وفاء على الاستيعاب وتمتعها بقواها العقلية إلا أن الهدف من معالجتها هو أن تكمل بقية حياتها على نحو لائق وليس الشفاء، لأنها معرضة بأية لحظة لنكسة صحية قد تودي بحياتها". ومع ذلك ترغب وفاء في أن تكمل ما تبقى من حياتها في منزل تملكه لتعيش فيه بمفردها.

ويُشير الدكتور نبيل نجا في حديثه عن الوضع في الدار، إلى أن "70% من المرضى لديهم مشاكل ذهنية، قد تكون بسيطة أو معقدة، و30 % لديهم مشاكل صحية جسدية، وبعضهم قد تكون لديه مشاكل عقلية وجسدية معاً". لكنه يؤكد أن الموجود في مستشفى دار العجزة هو "مسن عاجز" والمسن الطبيعي لا تقبله الدار. ويضيف أن الكثير من الحالات الموجودة سببها التدهور الصحي للمرضى وغياب من يعيلهم، ويحمّل مسؤولية هؤلاء للجهات الرسمية والشرعية التي لا تسن قوانين تحمي حقوقهم، ويعرب عن عتبه على وزارة الصحة التي "لا ترسل من يراقب هذه المستشفيات" إذ لا أحد يأتي ليراقب ويحاسب، فضلاً عن عدم وجود قانون ضمان الشيخوخة، كما يستغرب كيف أن بعض الدول الأكثر تخلفاً تهتم بمسنيها في حين ينبغي على مسنينا أن يتسولوا على أبواب الوزارات للحصول على الدواء.

وينتقد د. نجا دور أهل المريض "الذين ما أن يصل مريضهم إلى الدار حتى يضعوه في دفتر الذكريات ويتجاهلون أن لديهم من ينتظر زيارة قد تنعشه من وقت لآخر". ويتمنى لو أن القانون يعاقب هؤلاء المقصرين كما يحصل في الخارج. ويشيد الدكتور نجا بالدور الذي يقوم به الممرضون، فمنهم من يهتم بالعجزة كما تهتم الأم بطفلها، ومنهم من يطلب إذناً من الإدارة بأخذ المريض في زيارة إلى منزله أو للقيام بنزهة.

ويطلب د. نجا من الإعلام أن "يلعب دوراً إيجابياً في تحسين صورة هذه المؤسسات في المجتمع والكف عن تصويرها وكأنها مؤسسات للتعذيب"، معرباً عن أمله بأن تقوم محطة إعلامية واحدة بتسليط الضوء على إيجابيات مستشفى دار العجزة أو المؤسسات المشابهة، مشيراً إلى ضرورة فصل المريض المسن عن المريض الطفل والشاب في هذا النوع من المستشفيات، وهذا دور وزارة الصحة التي عليها تحسين هذه الصورة من خلال المراقبة وتسليط الضوء على احتياجات المسنين".

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكايات حزينة لروَّاد مستشفى دار العجزة ترصد واقعهم المأساوي حكايات حزينة لروَّاد مستشفى دار العجزة ترصد واقعهم المأساوي



GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان

GMT 23:05 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا تتابع نشاط برنامج حماية الطفل من الإساءة

فساتين سهرة رائعة تألقت بها ريا أبي راشد في عام 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:44 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة
 العرب اليوم - كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة

GMT 02:31 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

زلزال قوي يضرب جزر الكوريل الروسية ولا أنباء عن خسائر

GMT 08:54 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 05:53 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أكبر معمرة في إيطاليا عمرها 114 عاما

GMT 08:49 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

جنوب لبنان... اتفاق غير آمن

GMT 05:50 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

محكمة روسية تصادر ممتلكات شركة لتجارة الحبوب

GMT 07:55 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي يودي بحياة 9 فلسطينيين بينهم 3 أطفال في غزة

GMT 05:29 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار جسر في البرازيل لـ10 قتلى

GMT 12:22 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

مدير منظمة الصحة العالمية ينجو من استهداف مطار صنعاء

GMT 02:29 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

زلزال بقوة 5.7 درجة يضرب الفلبين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab