القاهره_العرب اليوم
"أصبحت أنا والهواء سواء.. لا قيمة لي، ولا وجود، ولا يشعر بي أحد" هكذا تحدث صلاح الذي قضى 4 سنوات مشردا في شوارع القاهرة وهو في عمر يقترب من الستين عاما.صلاح كان يعيش حياة هادئة وله من البنين والبنات 3، وكان يعمل سائقا إلا أن حاله تبدل بعد وفاة زوجته، حيث دخل في نوبة اكتئاب، فأولاده تركوه ولم يعودوا يسألون عنه وضاق به الحال فلم يستوعبه إلا الشارع.قضى في شمس القاهرة وصقيعها وحرها ما يقرب من 1500 يوم، حتى وجد ضالته في مؤسسة "معانا لإنقاذ إنسان" وهي أول مؤسسة في مصر لاستضافة ورعاية المشردين من كبار السن والشباب.
انطلق صلاح إلى هناك باحثا عن بداية جديدة حيث لم يكن يقبل بحياة الشارع التي اضطر إليها حسب وصفه.البداية الثانية في حياة صلاح بعد عمر الخمسين كانت أروع مما توقع، فقد ذهب إلى هذه المؤسسة آملا فقط في الحصول على مجرد مساعدة، فإذا به يتم استقباله واستضافته وخلال 5 أيام فقط تم توظيفه فيها كسائق براتب منتظم أكبر مما يتخيل، حسب قوله.تمضي الحياة بصلاح داخل الدار معتقدا أنه فقط وجد المأوى الذي ستره حتى انتهاء أيامه الباقية في الحياة. ولكن ما حدث أن قلبه نبض من جديد بحب إحدى نزيلات المؤسسة في أحد فروعها الموجود بمنطقة الهرم وتدعى نورا.
طلب يدها من مدير الدار الذي بدوره سأل هذه النزيلة الخمسينية ففرحت بشدة أن هناك أملا جديدا لها في حياة مختلفة عن تلك التي عانتها مع عائلتها قبل التشرد في الشوارع ثم الذهاب لهذه المؤسسة.وافقت نورا على الزواج بصلاح وتم عمل زفاف ضخم لهما كأي عروسين في مقتبل العمر، وتفاعل المغردون في مصر مع صور زفافهما بشدة.وتضيف: "عشت حياة قاسية جدا مع والدي الذي كان يعذبني ويضربني حتى هربت للشارع ولكن حظي كان أفضل من صلاح لأنني لم استمر في الشارع أكثر من 4 أشهر أي 120 يوما فقط بينما هو قضى فيه 4 سنوات".
خلق حياة جديدة
مدير مؤسسة معانا لإنقاذ إنسان، المهندس محمود وحيد، يقول: "حالة صلاح ونورا ليست الوحيدة التي قامت المؤسسة بتزويجهما فنحن خلال العامين الماضيين أقمنا 4 حفلات زفاف لنزلاء بفروع المؤسسة ممن تم إنقاذهم من حياة التشرد بالشوارع".ويضيف: "هدفنا خلق حياة جديدة لمن ضاق بهم الحال، فالحياة الجديدة تخلق لهم الأمل الذي يدفعهم للاستمرار في المثابرة وعدم اليأس، وليس معنى أن هناك من تشرد في الشارع أنه أصبح موصوما نرمي له لقمة العيش فقط، بل له حقوق كاملة من حياة وزواج وإنجاب أيضا".
"البحث عن المشردين"
ليس هناك أرقام رسمية عن حجم المشردين في شوارع مصر، ولكن الأسباب غالبا ما تكون اقتصادية اجتماعية ناتجة عن خلافات عائلية أو فقدان الزوج أو الزوجة في سن متقدم، بحسب خبراء في ملف التضامن الاجتماعي.وفي يناير 2019، بدأت الحكومة المصرية في تنفيذ مبادرة أُطلق عليها اسم "إحنا معاك" للبحث عن المفقودين والمشردين ومن هم بلا مأوى من الجنسين ومن كافة الأعمار.وقررت وزارة التضامن الاجتماعي تكوين فرق عمل مشتركة من التدخل السريع ومشروع أطفال بلا مأوى، تتولى مهمة البحث في الشوارع لإنقاذ المشردين ومن هم بلا مأوى، وتقديم وجبات ساخنة لهم، مع نقلهم لدور رعاية اجتماعية.
"صناع الأمل"
ويقول مدير مؤسسة "معانا":"واجهنا عراقيل كبيرة وإجراءات معقدة حتى أسسنا هذه الدار"، مؤكدا أن هذه كانت المرة الأولى في مصر لإنشاء دار متخصصة في استضافة كبار السن من المشردين، حيث كان المتعارف عليه هو دور مسنين ورعاية اجتماعية حكومية أو دور أيتام من الأطفال.وتابع: "استلزم الأمر تغيير لائحة قانون الجمعيات والعمل الأهلي ولكن الآن أصبح الطريق ممهدا وهناك مؤسسات انطلقت بعدنا ونتعاون معها، ولأننا كان لنا السبق فقد حصلنا على جائزة صانع الأمل من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي".
وقال محمود وحيد: "نسعى لأن تستوعب الدار وفروعها 500 نزيل وسنجعل النزلاء من كل الأعمار، وحاليا عدد النزلاء 180 فقط ولدينا بلاغات عن مشردين تصل إلى 100 بلاغ يوميا، مما يؤكد أن القضية ضخمة وتستحق".في مؤسسة "معانا" لا تقتصر الحياة على الاستضافة والطعام والشراب فقط، بل هناك أنشطة ترفيهية وحفلات ومناسبات وكذلك العمل على لم شمل النزلاء بعوائلهم حيث يتم مراسلة أهاليهم ويسمح لهم بزيارتهم لرفع الروح المعنوية لهم.أما صلاح ونورا فلم يقتصر الأمر عند الزواج بل قامت المؤسسة باستئجار شقة للزوجين من راتب الزوج، ويتم تجهيزها حاليا لينتقلان إليها، حيث يرغب صلاح في إنجاب طفل ذكر بينما ترغب نورا في إنجاب فتاة.
قد يهمك أيضا:
بروتين في المخ يكشف الصلة بين الضغط العصبي المزمن والاكتئاب
الليبيون يعانون الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة
أرسل تعليقك