القاهرة - العرب اليوم
تاريخ 8 مارس (آذار)، هو اليوم الذي تُفتح فيه الملفات الساخنة عن حقوق المرأة وما حصلت عليه منذ نحو قرن من الزمن تقريباً، حين بدأت الحركات النسوية بالمطالبة بتغيير وضعية المرأة وتصحيح مكانتها في المجتمع. في هذا العام، أي 2022. نعيش الموجة السادسة من هذه الحركات النسوية.
فبينما عملت الحركات الأربع الأولى على تحقيق التوازن بين الجنسين، على المستويين الاجتماعي والسياسي، ضمن الأنظمة العالمية المنصوص عليها، والحركة الحركة الخامسة على تفكيك هذه الأنظمة وبناء عالم جديد يُعطي الأولوية للأقليات المهمشة ككل، فإن الموجة السادسة لم تعد تكتفي بالمطالبة بتمكين المرأة في أماكن العمل أو تسليط الضوء على قدراتها وحقها في الحصول على مراكز ورواتب مماثلة لتلك التي يحصل عليها الرجل، بل تريد أن تأخذ زمام الأمور بيدها بإدارة أعمالها وشؤونها الخاصة بنفسها، ومن دون تدخل خارجي يُملي عليها شيئاً أو يُقيم إنتاجيتها. وهذا ما تعكسه الشركات التي أطلقتها نساء في الفترة الأخيرة وتزايد أعداد سيدات الأعمال. الفضل يعود إلى كفاءتها وطموحها الذي لا يعرف حدوداً، لكن أيضاً إلى تطور التكنولوجيا التي مكنتها من الترويج لنفسها وأعمالها بسهولة أكبر. كل هذا ما يجعل المستقبل وردياً حسب إجماع ثلاث نساء من مجالات مختلفة التقت بهن وأدلين بدلوهن حول هذا الموضوع. اللبنانية ديزيريه بولييه سيدة الأعمال والرئيسة التنفيذية لمجموعة «ريتايل فاليو» العالمية، والأميرة السعودية نورا الفيصل، مصممة وصاحبة ماركة «نون» للمجوهرات، والمغربية عواطف مندور، صاحبة «كلينيك ديرماندا» بهارلي ستريت.
«المرأة في عام 2022 تحمل هماً ثقيلاً، لأنه عليها أن تُغير بعض الأمور الاجتماعية والثقافية العالقة في وقت يمر به العالم بأزمة اقتصادية خانقة نتيجة الجائحة واضطرابات سياسية مخيفة، وهو الأمر الذي يمكن «أن يعيدنا 20 سنة إلى الوراء».
امرأة ناعمة في منتصف العُمر. أنيقة تتكلم عدة لغات بطلاقة كونها لبنانية عاشت في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وسويسرا ولندن. لكن عندما نتحدث عن سيدة الأعمال ديزيريه بولييه، فإن أول ما يقفز إلى الذهن إنجازاتها كامرأة اخترقت عالم المال والأعمال لتُحول قرى التسوق مثل «بيستر» في بريطانيا و«لافاليه» في فرنسا وغيرها من القرى التي تنضوي تحت مجموعة «فاليو ريتايل» العالمية من أماكن لتسويق بضائع بأسعار مخفضة إلى أماكن تليق بالنخبة والطبقات الراقية. الآن تضع نصب أعينها دعم المرأة إلى حد أنها عينت منذ سنوات شانتال خويري، رئيسة للقسم الثقافي في المجموعة لدعم أفكارها وتفعيل ثقافة المساواة بين الرجل والمرأة في أماكن العمل. ترى ديزيريه أيضاً أن عدد النساء في المراكز الحساسة والعالية لا يزال قليلاً لعدة اعتبارات، وهو ما تحرص على أن تُصححه حسب إمكانياتها. تقول بفخر «60 في المائة من العاملين معي هن نساء و50 في المائة من أعضاء مجلسنا الاستشاري هن أيضاً نساء. فأنا أومن بأنه بإمكان المرأة أن تُعطي الكثير فيما لو حصلت على فرصتها. فهي بفطرتها معطاء، مُلهمة ومبدعة وهو نلمسه في كل مناحي الحياة اليومية، وهناك الكثير من قصص النجاح والصمود والتحدي، التي نعرف بعضها لكن نجهل الكثير منها، أذكر منهن نساء يقاومن شظف الحياة وقسوتها بشكل يومي ليُسعدن غيرهن. هؤلاء بالنسبة لي بطلات». وتتابع: «أرى أن تخصيص يوم في السنة للاحتفال بالمرأة ليس كافياً. كل يوم يجب أن يكون احتفالاً وتذكيراً بقدراتها وتحدياتها إذا أردنا أن نحقق التغيير فعلياً. وهذا الأمر لا يقتصر على المرأة فحسب، بل يتطلب تكاتف الجنسين معاً لخلق عالم يُكملان فيه بعضهما بعضاً بشكل متساوٍ ومتناغم. ومع ذلك أعود وأقول إن وجود يوم عالمي أحسن من لا شيء، فهو على الأقل يتيح لنا وقفة مع النفس ويدفعنا لإعادة النظر في وضع المرأة وهو ما يساعد على زيادة الوعي لدى شرائح جديدة، بغض النظر عن العمر واللون والثقافة».وصلت للعالمية بفضل تصاميمها الرفيعة، فماركتها التي أطلقتها منذ سنوات ليست بالبعيدة، تفرعت في عدة عواصم عالمية، مثل باريس ولندن وغيرها. مكمن قوتها أنها لا تطرح إلا قطعاً فريدة تعبر فيها عما تعرف مسبقاً أنه مطلب امرأة راقية.
تُركز نورا الفيصل على تجربتها الشخصية، مُعبرة عن مدى سعادتها بواقع المرأة السعودية الجديد. تقول إنه «واقع يُثلج الصدر بالنظر إلى الفُرص الهائلة التي أصبحت متاحة لها». لكنها لا تُخفي أن هذه الفرص خلقت أيضاً تحديات جديدة منها زيادة مسؤولياتها بشكل يتطلب منها العمل على تحقيق المعادلة الصعبة بين متطلبات حياتها الشخصية كأم وزوجة ومسؤولياتها الاجتماعية والعملية الكثيرة. لكنها تعود لتؤكد بأنها لا تستهين أبداً بقوة المرأة وقدرتها على التأقلم مع كل الأوضاع والمتغيرات وأكبر مثال على هذا كيف ارتقت في أصعب الظروف بما في ذلك عامي جائحة (كورونا) إلى مستوى عالمي أكدت فيه مواهبها وإمكانياتها في شتى المجالات. عندما أتأمل في مدى التغيير الحاصل ومدى صلابتها وحماسها، لا تسعفني الكلمات للتعبير عن مدى سعادتي وفخري، وأكاد لا أصدق الفرق بين الماضي والحاضر. بنات إخواني وأخواتي مثلاً لن يفهمن الظروف والتحديات التي عاشتها بنات جيلي. لن تعشن قسوة التمييز الاجتماعي بين المرأة والرجل، فهن أكثر حظاً من ناحية أنه بإمكانهن الحلم والعمل على تحقيقه ما دُمن تمتلكن المؤهلات والكفاءة».
تتابع: «إذا كنت فخورة بالمرأة السعودية في الماضي، فأنا اليوم أكثر فخراً واعتزازاً بعدما أكدت أنها قيادية مرنة بكل المقاييس. وأنا متأكدة أننا لن نكتفي بما تم تحقيقه لحد الآن، لأننا نتطلع للارتقاء بحياتنا وحياة الجيل القادم إلى مستوى أفضل. من هذا المنظور أرى أن اليوم العالمي للمرأة مناسبة مهمة لتسليط الضوء على معاناة المرأة في العالم وكذلك الاحتفال بإنجازاتها، صغيرة كانت أم كبيرة. أتمنى أن يغرس بداخلنا هذا اليوم ثقافة مساندة المرأة للمرأة، وإذا أراد الرجل أن يساندنا فلم لا؟ بالعكس فهذا رائع».
«أن يصبح لك عنوان في (هارلي ستريت) المعروف بعيادات الجمال والتجميل ليس بالأمر الهين. فمهنة التجميل كانت ذكورية إلى حدٍ قريب، مما كان يجعل هذا الشارع بمثابة حصن يصعب على أي كان اختراقه، لا سيما أن ثقة المرأة في الرجل كانت أكبر من ثقتها في بنات جنسها». بهذا تستهل عواطف مندور حديثها. تتحدث بحماس وهي لا تزال تحت تأثير النجاح الذي تحققه مستحضراتها التي أكدت دراسة ألمانية، أجريت على عدد من النساء مؤخراً، أن نتائجها على البشرة كانت ملحوظة وفعالة قد تُغني عن البوتوكس بالنسبة للمرأة التي لا تميل إلى الحُقن. وتجدر الإشارة إلى أن عواطف هي خريجة صيدلة من المغرب، أكملت دراساتها العليا في نفس المجال في بريطانيا. مع الوقت شعرت بأنها مُنجذبة نحو مجال التجميل أكثر، فانخرطت في معهد متخصص وكانت أطروحتها تجمع العلم بوصفات متوارثة عبر الأجيال مثل دمج العسل مع مواد أخرى للحصول على بشرة نضرة.
تقول إنها متفائلة بالمستقبل وسعيدة أن ابنتها لن تعاني نفس معاناتها فيما يخص فرض نفسها في المجتمع. وتشير إلى أنها لم تواجه أي صعوبات تُذكر خلال سنوات الدراسة لكنها تفاجأت بعد التخرج والتخصص أنه كان عليها أن تضاعف من جهودها مقارنة بنظيرها الرجل لفرض نفسها في هذا المجال. تؤكد أن مكمن ضعفها هو نفسه مكمن قوتها «فليس هناك من يفهم المرأة أكثر من المرأة»، حسب قولها «لأنها تمر بنفس التجارب والضغوطات وبالتالي تفهم طموحاتها وأحلامها. وهذا ما يُذكرنا به يوم المرأة العالمي كل سنة، وأتمنى أن يُرسخه لدينا باقي أيام السنة. أنا سعيدة أن الأمور تغيرت في السنوات الأخيرة، وبشكل كبير فيما يمكن أن نقول إنه قفزة بفضل حركة (مي تو) وغيرها من الحركات الاجتماعية. والأهم من هذا زيادة وعي المرأة بضرورة مساندة بنات جنسها، وهو ما أعتبره جديداً لأني كنت أشعر في البدايات بأن أكبر محارب للمرأة هي المرأة، بسبب انعدام الثقة في إمكانياتها. الآن أكدنا كنساء بأننا لا نقل قدرات بغض النظر عن الجنس أو الجنسية».
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
تمكين المرأة السعودية تنمية للمجتمع في شتى مجالات العمل والمناصب العليا
المرأة السعودية أصبحت قريبة من منصب "قاضية"
أرسل تعليقك