تحيي اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة؛ الأردنيات على جهودهن في كل موقع وتشيد بالإنجازات التي حققنها وإسهاماتهن الملموسة للنهوض بالمجتمع وتنميته، ودورهن البارز في تحقيق التقدم الذي وصلت إليه المرأة الأردنية، مؤكدين على ضرورة الاستمرار بالعمل على تذليل كافة العقبات التي تقف أمام مشاركة المرأة في مسيرة التنمية، ذلك أن أي إنجاز تحقق ما هو إلا ثمار للعمل المشترك وبناء التحالفات وحشد الدعم؛ المبدأ الذي تنتهجه اللجنة الوطنية ويقع في سلم أولوياتها، كما أن أهم التعديلات التشريعية تم تحقيقها بجهد تشاركي وتحالفات ما بين اللجنة والمنظمات النسوية والحقوقية ودعم مؤسسات المجتمع المدني، مستمرين في العمل مع جميع الجهات لإزالة ما تبقى من تمييز ضد المرأة في التشريعات والممارسات، وتبني تدابير إيجابية لضمان وصول المرأة إلى مواقع صنع القرار وحمايتها من جميع أشكال العنف؛ استجابة لأحكام الدستور وللالتزامات الدولية المعنية بالمرأة وحقوق الإنسان.
وباستعراضنا لمسيرة العمل خلال عام مضى فقد شهد الأردن استحداث تشريعات وتعديل على العديد منها مثل قانون العقوبات المعدل لعام 2017 فقد ألغيت المادة ٣٠٨ والتي كانت تتيح إفلات الجاني من العقاب بزواجه من الضحية، ولم يعد يستفيد فاعل الجريمة من العذر المخفف إذا وقع الفعل على أنثى خارج نطاق أحكام المادة "340" "بداعي المحافظة على الشرف"، ولا يمكن التذرع بسورة الغضب للاستفادة من العذر المخف، وعاقب على التحرش الجنسي بكافة أشكاله، واستحدث بدائل العقوبة السالبة للحرية "الخدمة المجتمعية". وساوى بين الأم والأب في الرعاية الطبية، وعلى حماية للأشخاص ذوي الإعاقة رجلًا كان أو امرأة.
كما وسع قانون الحماية من العنف الأسري لعام 2017، نطاق المشمولين بالأسرة، وأسس التبليغ عن العنف الأسري واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المبلغين والشهود. إذ تولي إدارة حماية الأسرة تسوية النزاع في قضايا العنف الأسري في الجنح شريطة موافقة الطرفين. واستخدام التقنية الحديثة إن وجدت حماية للمجني أو الشاهد الحدث، وعلى تسريع البت بالدعاوى، وقد تم تعيين هيئات قضائية "107 قضاة" مؤهلة للنظر في قضايا العنف الأسري. كما صدر نظام دور إيواء المعرضات للخطر لعام 2016 لتأمين الحماية والإيواء المؤقت للمنتفعة وتقديم الرعاية الاجتماعية والخدمات المعيشية والنفسية والصحية والإرشادية والثقافية والقانونية اللازمة للمنتفعة. وفي هذا الاتجاه أطلق المجلس الوطني لشؤون الأسرة وثيقة الإطار الوطني لحماية الأسرة من العنف. كما صدر قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في 2017 الذي يعد أول قانون مناهض للتمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة في المنطقة العربية. وجاء نظام العمل المرن لعام 2017 ليوسع آفاق سوق العمل وليخدم بصورة أساسية المرأة العاملة وتمكينها اقتصاديًا، والعامل المنتظم بالدراسة الجامعية، والعامل ذو الإعاقة. كما أضاف قانون المركز الوطني لحقوق الإنسان2017 للمركز مهمة متابعة تعويض متضرري التجاوزات، ومراعاة التمثيل الواسع لشرائح المجتمع عند تعيين أعضائه، بما في ذلك المرأة ومنظمات المجتمع المدني. هذا وقد صدر نظام صندوق تسليف النفقة الذي يهدف إلى تعجيل تنفيذ النفقة المحكوم بها للزوجة والأطفال وكبار السن ولمستحقيها عند تعذر تنفيذها وقد باشر الصندوق عمله.
في انتخابات مجالس المحافظات والبلديات والمجالس المحلية، في آب 2017، وصلت نسبة النساء إلى 28.8%، حيث حصلت النساء على 32% في المجالس المحلية و42.7% في البلديات و12% في المحافظات.
ومن الجهود التشاركية التي تكللت بالنجاح العمل على إعداد الخطة الوطنية الأردنية لتفعيل قرار مجلس الأمن رقم 1325 لضمان مشاركة كاملة وفعالة للمرأة في تحقيق الأمن والسلام، وضمان تكافؤ الفرص المتاحة لها للوصول إلى مواقع صنع القرار على قدم المساواة مع الرجل على جميع المستويات، حيث تمت المصادقة عليها من قبل مجلس الوزراء نهاية العام الماضي، والتي أعدت من خلال ائتلاف وطني ضم المؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني.
وبالرغم من مجمل هذه التعديلات إلا أنه لم تنعكس ثمارها بعد على مؤشرات واقع المرأة في الأردن، في الوقت الذي لا يمكن فيه التقليل من شأن التقدم الذي أحرزته المرأة في الأردن عبر العقود منذ تأسيس الدولة الأردنية؛ لا زال هناك الكثير من التحديات التي تواجه تمكين المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين، حيث جاء مركز الأردن في الفجوة الجندرية العالمية 135 من بين 144 دولة في عام 2017. وبالرغم من أن الأردن قد شارف على إغلاق الفجوة الجندرية في التعليم والصحة، وحقق تقدمًا ملموسًا في مشاركة المرأة السياسية خاصة في المجالس المنتخبة. إلا أن مؤشر الفرص والمشاركة الاقتصادية قد تراجع ليصل إلى 138 من بين 144 دولة. ولا زالت المرأة تعاني من الفجوة في الأجور بمعدل 33%، وتتركز بشكل أساسي في القطاع الخاص.
وفي الوقت الذي لا يمكن إنكار تأثير تداعيات الأحداث التي عصفت بالمنطقة منذ عام 2011 على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، إلا أن الصعوبات التي تواجه الوصول للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة تعود إلى تحديات تمتد إلى ما قبل ذلك بعقود وترجع للتداخل ما بين مجموعة من العوامل البنيوية والاجتماعية والسياسية والتي حالت دون حدوث تغيير جذري في نظرة المجتمع بمؤسساته وأفراده لدور المرأة وحقوقها ضمن المنظومة السياسية والمؤسساتية والمجتمعية القائمة عليها الدولة الأردنية منذ تأسيسها.
مما يؤكد على أهمية تنقية التشريعات مما تبقى فيها من مواد تميز ضد المرأة، مثلًا تعديل المادة السادسة من الدستور للنص على مساواة الأردنيين أمام القانون بسبب الجنس، وضرورة وجود إطار وطني شامل لعدم التمييز ضد النساء والفتيات في قوانين "العقوبات، الضمان الاجتماعي، الجنسية، الأحوال الشخصية، العمل، المالكين والمستأجرين، قانون التقاعد المدني" وإصدار قانون خاص لحقوق الطفل يراعي الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ضمن معايير مصلحة الطفل الفضلى، وتعليمات لتنفيذ تطبيق العمل المرن في القطاع العام وفق أحكام نظام الخدمة المدنية.
وفي هذا المجال توالي "اللجنة النيابية للعمل والتنمية" مناقشة قانون العمل المؤقت لعام 2010 حيث نجحت الحركة النسائية في تبني تعديلات على القانون منها إنصاف أبناء الأردنية من خلال استثنائهم من الانضواء بالقيود المفروضة على العمالة الوافدة ومعاملتهم كما العامل الأردني للاستفادة من كفاءتهم، إدخال مفهوم إنصاف الأجور والالتزام به، وإلزام الشركات بتوفير حضانات لأطفال العاملين والعاملات بها إذا كان عدد الأطفال 15 أو أكثر، وتبني الإجازة الوالدية والتي نأمل أن تحظى هذه التعديلات بموافقة مجلس الأمة ومرورها في باقي القنوات التشريعية.
هذا ويجري العمل على مراجعة قانون الأحوال الشخصية المؤقت مع اللجان ذات العلاقة في مجلس الأمة للعمل على تبني تعديلات تحقق المزيد من العدالة والمساواة للمرأة داخل الأسرة وتحقيق المصلحة الفضلى للأطفال وضمان استقرار الأسرة والمجتمع.
كما أن تعديل التشريعات يتطلب أيضًا أن تواكبه جهود في تعديل الممارسات والثقافة المؤسسية وخلق بيئة مجتمعية مؤمنة بحقوق المرأة وبناء القدرات على جميع المستويات لضمان تبني السياسات والبرامج اللازمة للنهوض بدور المرأة في المجتمع أينما وجدت، حضرًا وريفًا وبادية ومخيمات.
ويذكر أن الأردن قد تبنى ضمن رؤية 2025 والبرنامج التنفيذي التنموي "2018 – 2021" مجموعة من الأهداف الإستراتيجية المتعلقة بتمكين المرأة ضمن محاور الصحة والتعليم والفقر والحماية الاجتماعية والتشغيل والمشاركة في القوى العاملة. حيث تستهدف الرؤية رفع مشاركة المرأة الاقتصادية التي بلغت 12.7% في عام 2016 لتصل إلى 27% عام 2025. ويعتبر تبني أجندة وأهداف التنمية المستدامة 2030، والهدف الخامس بشكل خاص والغايات المرتبطة بالمساواة بين الجنسين في الأهداف الأخرى فرصة لإحداث تحول حقيقي في نهج وآليات التخطيط للتنمية والمبادئ التي تبنى عليها، بمشاركة جميع أفراد المجتمع لضمان كفاءة وعدالة التنفيذ، حيث لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة والشاملة بمعزل عن تحقيق المساواة وتمكين المرأة في المجتمعات أينما وجدت.
على المستوى الرسمي، تقود اللجنة الوطنية جهود موائمة أهداف التنمية المستدامة مع الخطط الوطنية منذ 2015 من خلال العمل مع الحكومة لمراجعة البرنامج التنفيذي الحكومي والتشبيك وبناء التوافقات مع المجتمع المدني، ولمأسسة هذا الجهد تم إعادة تشكيل اللجنة العليا للتنمية المستدامة لتضم الأمينة العامة للجنة بالإضافة لممثلين من ائتلافات المجتمع المدني، وتم تشكيل فريقيين إضافيين لفرق العمل في البرنامج التنفيذي التنموي الحكومي هما فريق عمل النوع الاجتماعي والمساواة بين الجنسين برئاسة الأمينة العامة للجنة الوطنية الذي يضم ممثلين عن المجتمع المدني والوزارات والمؤسسات الحكومية والوطنية ذات العلاقة وفريق الحريات العامة وحقوق الإنسان، ولضمان التنفيذ يجب وضع مخصصات ضمن الموازنة العامة للبرامج والمبادرات الخاصة بتنفيذ الهدف الخامس والغايات المرتبطة به. ومن هنا تأتي أهمية العمل على مأسسة تطبيق الموازنة المستجيبة للنوع الاجتماعي في إعداد وإقرار وتنفيذ ومتابعة الموازنة العامة واستخدام تحليل النوع الاجتماعي في تحديد المشاريع ومدى استجابتها للاحتياجات المختلفة للنوع الاجتماعي ونسبة المشاريع الموجهة نحو تمكين المرأة الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
وسيباشر العمل هذا العام على مراجعة وتحديث "الإستراتيجية الوطنية للمرأة الأردنية "2013-2017" المقرة من مجلس الوزراء بجهد تشاركي يراعى في الإستراتيجية إدماج أهداف التنمية المستدامة 2030 خاصة الهدف الخامس، وربطها مع الأطر الإقليمية "أجندة المرأة العربية 2030" والخطط الوطنية واستخدام قاعدة بيانات موحدة لمتابعة تنفيذها لتعكس المؤشرات المرتبطة بأهداف التنمية المستدامة 2030.
واليوم ونحن نحتفي بيوم المرأة نعي جميعًا أن هناك الكثير من الصعوبات والتحديات التي تواجه الوصول للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، بالإضافة إلى أهمية تنقية التشريعات مما تبقى فيها من مواد تميز ضد المرأة، مما يستدعي تظافر الجهود الوطنية بمشاركة مكونات المجتمع رجالًا ونساء وفق رؤية شمولية تنظر لأهمية العمل من قبل كافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي كل في مجال عمله من خلال خطط عمل مدروسة وفق أطر زمنية، يحدونا الأمل أن نعمل مجتمعين على قلب واحد لتحقيق المزيد من التنمية والرفعة لوطننا الحبيب.
أرسل تعليقك