أحد عشر عامًا مضت على بدء عمل السيدة ناهدة النمر (أم محمد)، في مهنة صناعة وبيع "القطايف"، على بسطة صغيرة، تُصمم تفاصيلها بدقة، مع بداية كل شهر رمضان، في أحد شوارع حي "تل الهوا" الفرعية الذي يقع جنوب مدينة غزة؛ حيث يتجمع الزبائن يوميًا قبل أذان المغرب بوقت قليل، ليحصلوا على ما يرغبون فيه من الحلوى الشهيرة التي تصنعها بنفسها.
تقول ناهدة النمر لـ"الشرق الأوسط": "خلال هذه السنة توقعت أن تكون الحركة الشرائية ضعيفة بسبب جائحة (كورونا)؛ لكن الأمر لم يختلف كثيرًا عن الأعوام الماضية، فالناس في غزة يخرجون إلى الشوارع والأسواق بشكلٍ اعتيادي"، موضحة أنَّ بسطتها من بين مئات البسطات الموسمية التي يفتتحها بعض المواطنين، ليساهموا في إعالة أسرهم، ولإحياء أجواء شهر رمضان. وتتابع: "علمني زوجي هذه المهنة قبل سنوات، ومنذ ذلك الوقت أخذت على عاتقي العمل بها بشكل موسمي، لمساندة عائلتي في تجاوز أعباء الحياة، لا سيما في السنوات التي تبعت فرض الحصار على قطاع غزة، والتي عانى فيها الناس من ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة للغاية"؛ مؤكدة أنها علَّمت المهنة لأبنائها وهم يساعدونها في العمل اليوم.
وتعدُّ النمر السيدة الأولى في غزة التي تعمل في هذه المهنة الشعبية التي بقيت على مدار السنوات الماضية حكرًا على الرجال؛ لأنها تتطلب وقوفًا في الشارع وجهدًا بدنيًا، ومواجهة مباشرة للزبائن، وتشرح أن هناك بعض النساء بدأن بعدها في العمل ببيع "القطايف"، وهي فخورة جدًا بهذا الشيء، وتأمل في أن تكون كل امرأة في القطاع، قادرة على العمل في المجال الذي تريده، من دون أي قيود أو نظرات مجتمعية مستنكرة.
وتحيط نظرات الدهشة التي يُطلقها المارة في المنطقة التي تبيع بها السيدة، كل تفاصيل ذلك العمل المرهق الذي باتت تعتبره جزءًا من المسلمات المرتبطة بشهر رمضان. وتروي أنّ حلوى القطايف تُعتبر بالنسبة لأهالي قطاع غزة، بمثابة طقس رمضاني ثابت بشكلٍ يومي في معظم المنازل، وهذا الأمر يزيد من بيعها وربحها.
وتُصنع حلوى "القطايف" الشهيرة من خلال خليط عجين مكون من الدقيق والسميد، وبعض المكونات الأخرى التي تزيد من جمال طعمها، وفقًا لكلام الأربعينية "أم محمد"، مضيفة: "بعد أن تهدأ العجينة وتأخذ قوامها المناسب، تُوضع في أوعية معدنية خاصة، ليتم سكبها بعد ذلك فوق طبقات أفران النار الحديدية التي تكون درجة حرارة أسطحها عالية جدًا".
وتشير النمر إلى أن حبات "القطايف" تترك فوق تلك الأسطح لثوانٍ معدودة، حتى تنضج وتُحمَّر، وبعد ذلك تبرَّد باستخدام المراوح الكهربائية، من ثم تبدأ هي وأبناؤها في تغليفها بالأوراق والأطباق البلاستيكية، لتصير جاهزة للبيع للزبائن، موضحة أن تلك الحلوى تُجهَّز داخل المنزل من خلال حشوها، إما بالمكسرات أو اللبن أو الفواكه المجففة والتمر، وتُعرض مرَّة أخرى للحرارة، إما في الفرن وإما في إناءٍ مليء بالزيت المغلي.
مرَّ وقت قصير على حديث "أم محمد" الذي طلبت فيه من ابنها أن يسرع في تغليف ما تبقى من حبات "القطايف" لأن الزبائن على وشك القدوم، حتى توقفت إحدى السيارات، ونزل منها طفلان بينما بقي رجل خلف المقود. بادلتهما السيدة الضحكات، وقالت: "شو أخبار الحلوين اليوم؟"، فرد طفلٌ يُدعى أمجد: "تمام يا خالتو الله يسعد قلبك. بدنا كيلو مع الحشوة بسرعة لأنه مستعجلين".
ناولتهما ما طلبا، وحمَّلتهما سلامًا لوالديهما ومضيا، وعاودت الحديث لافتة إلى أن علاقتها مع الزبائن صارت قوية جدًا، فهي تعرف جيدًا مواعيد زيارتهم لها، والكميات والأصناف التي يحتاجونها، منوهة إلى أنها تحرص على إرضاء الزبائن بشتى الطرق، وتحرص على استقبالهم وتوديعهم بالابتسامة، كما أنها تبادلهم الحديث عن أحوالهم وصحتهم، وأوضاعهم الاجتماعية وغيرها.
ولا بد من التنويه إلى أن تاريخ صناعة "القطايف" يعود إلى العهد المملوكي؛ حيث جمع أحد الملوك المملوكيين صانعي الحلوى، وطلب منهم تقديم صنف لم يصنعه أحد من قبل، فابتكر أحدهم فطيرة محشوة بالمكسرات، وبقيت متداولة بين الناس إلى هذا الوقت، بعد أن أخذت اسم "القطايف".
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
تعرفي على طريقة إعداد " القطايف"
طريقة تحضير القطايف بالكريمة والفستق
أرسل تعليقك