عليهن تنظيف ما بين 20 إلى 30 غرفة يومياً
تقول أماليا: «نحن نعامل بشكل أسوأ من الحيوانات»، وتصر على أنها لا تبالغ، مؤكدة: «يمكنهم فعليا فعل أي شيء معنا».
وبكلمة «نحن»، تعني أماليا (52 عاما) التي تتحدر من مدينة أليكانتي، نحو 200 ألف خادمة غرف بفنادق إسبانيا يشتكين من «الاستغلال الوحشي المتزايد» من قبل مديري فنادق البلاد، وأماكن إقامة السائحين الأخرى.
ولكن الآن تقول هؤلاء الخادمات «كفى!». ففي أواخر أغسطس (آب) خرجت خادمات غرف الفنادق إلى شوارع العديد من المدن الإسبانية لجذب الانتباه إلى محنتهن والمطالبة بتغييرات على وضعهن. وفي جزيرتي إيبيزا وفورمينتيرا بجزر البليار، أضرب العديد من الخادمات عن العمل لمدة 48 ساعة - طوال عطلة نهاية أسبوع كاملة - في منتصف ذروة الموسم السياحي.
ونظمت الاحتجاجات والإضراب بواسطة الفروع الإقليمية لمجموعة «لاس كيليز» التي تأسست في عام 2016، وهي عبارة عن تلاعب بالكلمات الإسبانية لعبارة «أولئك اللائي ينظفن».
وتقول ماريا فريسندا (60 عاما)، المتحدثة باسم المجموعة في مدينة أليكانتي: «لم تساعدنا النقابات على الإطلاق... أدركنا أنه يتعين علينا مساعدة أنفسنا».
فما مدى البؤس الذي تعيشه خادمات الفنادق في إسبانيا؟ ترى «لاس كيليز» أنه يتعين على الخادمات تنظيف ما بين 20 و30 غرفة يومياً، وأحياناً أكثر، وتستغرق عملية تنظيف الغرفة ما يتراوح بين 15 و20 دقيقة.
ونظراً لأنهن مسؤولات أيضاً عن تنظيف مناطق أخرى من الفندق، فغالباً لا توجد ساعات كافية في يوم عملهن المحدد. والنتيجة هي عمل إضافي غير مدفوع الأجر وسباق مرهق مع الوقت يجبرهن على التضحية بشكل متكرر بوجباتهن وفترات راحتهن.
وأشارت خادمة غرف (40 عاما) تدعى فيكي إلى «أن الأمر يكون سيئا للغاية في الأيام التي تشهد مغادرة عدد كبير من النزلاء للفندق... حيث تحتاج (الخادمة) غالبا إلى ساعة أو ساعة ونصف لتنظيف الغرفة تماما».
وتقول فيكي إنها وزملاءها يجدن أثار قيء ورمال الشاطئ وزجاجات مكسورة وحفاضات قذرة و«أكثر من ذلك بكثير» في الغرف بعد مغادرة النزلاء لها.
وتلقي المتطلبات البدنية للوظيفة بثقلها على القائمين على نظافة الغرف في إسبانيا، و99 في المائة منهم من النساء. ويستلزم العمل نقل بعض قطع الأثاث ورفع المراتب ودفع عربات الغسيل الثقيلة من غرفة إلى أخرى. إنهن يكررن باستمرار الحركات نفسها ويستخدمن مواد تنظيف قوية يمكن أن تسبب الحساسية.
ويتعرض معظمهن في نهاية المطاف لمشكلات في الظهر والمفاصل. وخضعت أماليا لعمليات جراحية في فقرات عنقها؛ لذا تصف نفسها بأنها «حطام دائم».
وتقول ماريا: «تعاطي المنشطات محظور في الألعاب الرياضية، إلا أن هذا أمر طبيعي بالنسبة لنا... لا يمكنك تحمل العمل اللاإنساني الذي نقوم به، دون تناول العقاقير لتخفيف الألم والتعب والاكتئاب».
وأوضحت وكالة الأنباء الألمانية أن السياحة مزدهرة للغاية في إسبانيا، حيث ارتفع عدد السائحين الأجانب من 68 مليون في عام 2015 إلى ما يقرب من 83 مليون في العام الماضي، أنفقوا ما يقرب من 90 مليار يورو (99 مليار دولار أميركي)، بزيادة قدرها أكثر من 3 في المائة عن عام 2017، وفقا لوزارة السياحة الإسبانية.
وفي أحد أيام الصيف الأخيرة على شاطئ بوستيغويت المزدحم في أليكانتي، يشمل صخب اللغات، كلا من الإسبانية والإنجليزية والإيطالية والفرنسية والألمانية. وقال مارتن، وهو سائح ألماني (23 عاما) من بريمن، إنه كان في إجازة مع زملائه، «ولا أعتقد أن النساء اللائي ينظفن الفنادق يواجهن مثل هذا الوقت الصعب... هذه ليست أفريقيا، في نهاية الأمر».
من جانبها، كانت ستيفاني (45 عاماً) وهي ألمانية، أكثر تعاطفا إلى حد ما، حيث قالت «إذا علمت أنهن يتلقين معاملة سيئة، فسيكون هذا سببا كافياً لي للإقامة في فندق آخر في المرة القادمة».
وتقول «لاس كيليز» إن نزلاء الفنادق لم يعودوا يدفعون إكرامية (بقشيش) لخادمات الغرف، وأصبحت الكلمات الرقيقة نادرة أيضا، مضيفة أن العديد من النزلاء الآن يتقدمون بشكوى إذا لم تكن غرفهم مرتبة جيدا بعد الإفطار مباشرة.
وتقول فيكي إن «موظفي مكتب الاستقبال ومدير الطابق يضغطون علينا»، مضيفة أنها وزميلاتها يتعرضن لضغوط نفسية وتنمر وإساءة لفظية وتهديدات.
وتقول ماريا، التي كانت تعمل في فندق كبير على شاطئ بوستيغويت لمدة 30 عاماً قبل أن تتقاعد «كان علينا أيضاً أن نعمل بجهد كبير في السابق، ولكن كنا نسمع كلمات رقيقة من رؤسائنا، وأحياناً يقدمون لنا فنجاناً من القهوة، ولكن منذ إصلاح سوق العمل في عام 2012، أصبح وضعنا أسوأ بكثير... الزميلة التي تبدأ الآن لن تتمكن من الاستمرار في العمل لمدة خمسة أعوام».
وقد عالج الإصلاح الذي قامت به حكومة إسبانيا المحافظة آنذاك البطالة الهيكلية المرتفعة، وذلك جزئياً من خلال السماح بعقود قصيرة الأجل للغاية، حتى لبضع ساعات. كما سمح للفنادق بشكل قانوني أن تقوم بتوظيف أشخاص توفرهم وكالات التوظيف المؤقت، الذين يتمتعون بحماية أقل ضد الفصل التعسفي وانخفاض الأجور.
وتقول فيكي «نحن نكسب 1000 يورو شهرياً في المتوسط، بينما تحصل زميلاتنا العاملات في الشركات الأجنبية على أقل من 700 يورو».
ويقر عدد قليل من أصحاب الفنادق الراغبين في معالجة هذه القضية علناً بأنه قد تكون هناك مشكلات هنا وهناك، لكنهم يقولون إنها ليست واسعة الانتشار.
ودعا أنطونيو كاتالان، رئيس فنادق «إيه سي ماريوت»، ومن الشخصيات البارزة في قطاع الفنادق في إسبانيا، إلى إلغاء الإصلاح وتفضيل الموظفين العاملين بشكل دائم.
وقال: «إذا كان عليك أن تؤذي موظفيك لكي تكسب المزيد من المال، فأفضل أن أجني أموالا أقل».
وأشارت ميلاجروس كارينو (54 عاما) ممثلة مجموعة «لاس كيليز» والتي ساعدت في تنظيم أول إضراب لخادمات الفنادق في جزر البليار «لدينا خادمات يضطررن إلى تنظيف 37 غرفة يوميا».
وإلى جانب القواعد الملزمة المتعلقة بعبء العمل، فإن المطالب الرئيسية لمجموعة «لاس كيليز» هي الحق في التقاعد المبكر، والاعتراف بمزيد من المشكلات الصحية كأمراض مهنية ووضع حد لاستخدام موظفات من مصادر خارجية.
وأعلن ريس ماروتو، وزير الصناعة والتجارة والسياحة في الحكومة الاشتراكية الإسبانية، مؤخرا، أن الأوضاع ستتحسن قريبا.
ولكن هذا متأخر للغاية بالنسبة لخادمات غرف الفنادق في إسبانيا، اللائي نفد صبرهن وخرجن إلى الشوارع للاحتجاج على ظروف عملهن.
قد يهمك أيضا:
لعنة "إهانة الخادمات" تُلاحق الفنانات العرب وتفتح باب الجدل
عدم التحدث عن الأخطاء من اتيكيت التعامل مع الخادمات
أرسل تعليقك