عمّان - العرب اليوم
"بعد عشر سنين من المعاشرة، وجدت نفسي خاوية اليدين،. خسرت كل أموالي واستحوذ زوجي على كل شيء. أحسست كأنني عدت إلى نقطة الصفر".
تروي سارة (اسم مستعار) ما حصل لها فور انفصالها عن زوجها، إذ كانت هي من أقدمت على طلب الطلاق حماية لنفسها وأولادها من العنف اللفظي والجسدي الذي تعرضت له بعد تدهور أوضاع زوجها المادية.
سارة سيدة في أواخر الثلاثينيات من عمرها، كانت تعمل موظفة في أحد البنوك في العاصمة الأردنية، عمّان، وتحصل على راتب يقارب راتب زوجها، الموظف كذلك.
تزوج الاثنان بعد قصة حب بدأت في الجامعة ودامت سنوات، ولم تضع عائلة سارة على الخاطب أعباء كثيرة على حد تعبيرها: "أنا من عائلة ميسورة، ليس لدي كثير من الطلبات، يُمكننا أن نبدأ مشوار حياتنا يدا بيد" - هذا ما قالته سارة له عند الخطبة.
توضح سارة أنها هي من أعطت مهرها لخطيبها في الخفاء ليبدو خطيبها بمظهر "جيد" أمام عائلتها.
ولكنها بعد مرور سنوات وحين طلبت الطلاق، أي أصبحت في حكم من طلبت الخلع ووجب عليها رد المهر بحسب القانون في هذه الحالة، اضطرت لدفع مهرها ذاته للمرة الثانية، وتوضح: "في المحكمة، المحامي الموكل عن زوجي طلب المهر المقدم. مهري كان ليرة من الذهب، وهذه الليرة أنا اشتريتها من مالي الخاص".
وتضيف: "شعرت بغصة في قلبي، هل يعقل أن أدفع مهري مرتين!".
بعد انتهاء زواجهما، كان بحوزة طليقها بيت مفروش بشكل كامل، إضافة إلى سيارة ومدخرات في حسابه البنكي، على عكس سارة التي لم ترحل هي وأولادها الثلاثة عن البيت إلّا بحقيبة الملابس.
"المنزل مسجل باسمه، كل شيء أصبح ملكه، لم يقبل أن يعطيني أي شيء، ذهب تعبي أدراج الرياح"، تقول سارة.
وتضيف في حديثها لـ "بي بي سي": "في البداية، كنت أعطيه راتبي ومدخراتي بمحض إرادتي، ولكنني لم أتوقع أن يتحول الأمر إلى الإجبار لاحقا، بطريقة غير مباشرة. أصبح متوقعا مني أن أدفع كل ما أملك بداية كل شهر خلال العشر سنوات التي دام فيها زواجنا، وإلا فكان يبدأ بافتعال المشاكل والصراخ وممارسة العنف ضدي".
كانت سارة قد ساهمت بشراء المنزل مناصفة، إضافة إلى العديد من قطع الأثاث والأجهزة الكهربائية، ودفعت كذلك القسط الأول من سيارة زوجها، لكنها لم تسجّل أي من ذلك باسمها في نهاية المطاف.
"حتى الجزء المتبقي من راتبي بعد سداد أقساط المنزل والسيارة كان يذهب لسداد الفواتير وشراء الطعام والمستلزمات المنزلية. كان يعدني دائما بأن حقوقي ستكون محفوظة وأنه سيعيد لي ما أنفقت لاحقا، لكن هذا لم يحدث".
وفقًا للمادة (320) من قانون الأحوال الشخصية الأردني، لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن الآخر. فلا يجوز للزوج التصرف بمال الزوجة بدون إرادتها، إلّا أن ما يحصل في بعض الحالات التي تضطر فيها المرأة للمشاركة في شراء العقارات والأصول أو الإسهام في تأثيث المنزل وتغطية حاجياته أثناء الحياة الزوجية، يحدث بسبب الإكراه أو الإحراج أو حتى تحت التهديد اللفظي أو المعنوي أو الجسدي، كما حدث مع سارة.
وهناك حالات أخرى تعطي المرأة فيها زوجها مالها من باب الإحسان والمساعدة ومنح الثقة الكاملة، فلا تقوم بتوثيق هذه التعاملات المالية. هذا ما تؤكده الناشطة الاجتماعية، سالي أبو علي، التي أنشأت مجموعة "دعم الأمهات المعيلات" على موقع فيسبوك، فهي تعتقد أن الثقافة المجتمعية تلعب دورا هاما في ديمومة هذه الممارسات، وخاصة أن بعض النساء يضعن استقرار أسرهن على رأس قائمة أولوياتهن.
وتقول: "قد تُتهم المرأة بأنها مادية إذا طالبت بتوثيق حقوقها أو مشاركة الزوج في ملكية عقار ساهمت بتسديد قرضه، ربما تتعرض للضغط العاطفي والنفسي من أقرب الناس إليها، كأهلها".
تعتقد المحامية الشرعية والنظامية، سميرة زيتون، المختصة بقضايا الطلاق والنفقة، أن وعي المرأة بحقوقها هو المفتاح الذي يضمن لها عدم ضياعها، وتقول: "يلزم توثيق العلاقات المالية بين الزوجين، ولا تشكل المحبة والمودة عائقا لذلك، وهذه ليست دعوة للتحريض بين الأزواج وإنما دعوة لحفظ الحقوق".
وكان الأردن قد شهد وقوع حوالي 20 ألف حالة طلاق في المحاكم الشرعية والكنسية عام 2019، بحسب أرقام دائرة الإحصاءات العامة.
وتضيف المحامية زيتون أن هناك مخرجا قانونيا قد لا تعيه بعض النساء في المجتمع الأردني أو المجتمعات الأخرى، وهو "المانع الأدبي" الذي يتيح لها تحصيل المبالغ التي قد يكون الزوج قد استدانها من زوجته بدون توثيق أو في حال قام مثلا ببيع الذهب الذي قدمه عند الزواج كمهر لها.
ففي حال الطلاق، قد تقبل المحكمة النظامية البينة الشخصية أو الشهود أو استخدام قسم اليمين والاستشهاد بكشوفات الرواتب مثلا بدون وجود أوراق رسمية موقعة بسبب الحالة الخاصة التي تخلقها طبيعة العلاقة الزوجية.
ويرى قاضي استئناف عمّان، الدكتور جمال التميمي، أن هناك مجالا لتطوير التشريعات، إلا أن القوانين "عادلة في حد ذاتها"، ويضيف: "المرأة بنظر القانون شخص بالغ عاقل مختار، بالطبع، فعندما تأتي بنفسها لسحب قرض أو إعطاء الزوج مبلغ من المال فالقانون لا يمنعها من ذلك ولا يجبرها على شيء".
من ناحية أخرى يؤكد القاضي التميمي على ضرورة أن "تشهد التشريعات بعض التحسينات، كما أن هناك حاجة إلى تطوير المنظومة الفكرية للمجتمع في ظل ما يقتضيه هذا العصر". هذا ما ينادي به كذلك العديد من الخبراء والقانونيين من تطوير التشريعات والإجراءات بصورة تضمن حماية حقوق المرأة بشكل أكبر.
ويوضّح التميمي أنه ليست هناك دراسة أو إحصائية لتلك الحالات التي تشهد فيها المرأة انتهاكات من هذا القبيل لحقوقها المالية، إلا أن "مثل هذه القضايا موجود في المحاكم للأسف" ومن ناحية أخرى "هناك حالات إيجابية يقوم فيها بعض الأزواج بإعطاء المرأة أكثر مما ساهمت به أو تسجيل المنزل مناصفة باسمه واسمها بدون أن تدفع المرأة أي مبلغ مالي".
ومن بين الاقتراحات المتعلقة بتطوير التشريعات، هو ضمان التنوع الجندري للخبراء؛ فالمحكمة الشرعية تستعين مثلا بخبيرين في قضايا الطلاق لتحديد قدرة الرجل المالية والتعويضات المترتبة عليه.
وعلى الرغم من عدم وجود نص قانوني يميز بين الجنسين أو يمنع أن تشغل الأنثى منصب خبير، إلا أن وجودهنّ في أروقة المحاكم وعلى أرض الواقع يندر مقارنة بالرجال. وحتى في المحاكم النظامية الأردنية، نسبة الخبيرات في مختلف المجالات لا تتجاوز 3.5 بالمئة من ما مجموعه 2359 خبيرا، وفقا لسجلّ الأسماء المعتمدة للخبراء المنشور على موقع وزارة العدل الإلكتروني عام 2021.
لذا، يقترح بعض القانونيين إيجاد نص قانوني صريح يضمن التعددية في تعيين كل من الرجل والمرأة كخبيرين.
كما يقترح المحامي هيثم الربضي، تيسير وصول المحكمة الكنسية إلى بيانات وكشوفات الزوج المالية، سواء في البنك المركزي أو غيره، ويوضّح: "في السابق قبل سنوات، كان لدى المحكمة الكنسية صلاحية الوصول إلى مصادر الزوج المالية عن طريق اتفاقية تتيح ذلك، فلم يكن بالإمكان أن يخفي الزوج قدرته المالية، مما ضمن صدور حكم عادل بناء على ذلك".
إلا أن متابعة القضية في المحاكم قد يكون "رفاهية" لدى بعض النساء، فمنهن من يتعرضن للضغط من قبل الأهل ويسمعن عبارات من قبل: "لا يوجد لدينا بنات يذهبن إلى المحاكم"، أو "لا نريد أن نفسد الودّ بين العائلتين" خاصة في حالات زواج الأقارب. وفي أحيان أخرى، قد تخاف المرأة من زوجها وطليقها المعنِّف.
تقول سارة إنها لم تتمكن من متابعة قضيتها في المحكمة وقد اضطرت للتنازل تحت وقع ضغط طليقها وتهديده لها بإيذائها والأولاد، "كانت حالتي النفسية سيئة في تلك الفترة، لم أتابع مع المحامي تفاصيل القضية، وبدا لي المحامي غير مكترث بتحصيل كامل حقوقي، كما أني لم أكن واعية مثل الآن. لقد كنت، ولا زلت، منهكة ولا طاقة لي بخوض سباق آخر".
قد يهمك ايضًا:
أرسل تعليقك