يلقبها البعض بـ"المرأة العنكبوت"، بشرى بيبانو، سيدة مغربية في الخمسينيات من عمرها تهوى تسلق القمم العالية، وهي أول امرأة مغربية تصل إلى قمة إفريست، أعلى جبل على وجه الأرض.اكتشفت المهندسة المغربية شغفها برياضة تسلق الجبال في ريعان شبابها، عند بلوغها سن الخامسة والعشرين، عندما أحبت بشرى بيبانو المشي وممارسة الرياضات التي تتطلب قدرة التحمل.وواصلت بيبانو هذا الشغف إلى أن داهمتها فكرة تسلق جبل توبقال أعلى قمة في شمال إفريقيا، والذي يوجد في المغرب.
استطاعت الشابة إقناع والديها آنذاك بفكرة تسلق الجبال، فأطلقت العنان لساقيها، واستجمعت قواها متوجهة نحو مراكش ثم إلى ضاحيتها حيث يقع جبل توبقال، في جبال الأطلس وهو أعلى قمة جبلية في المغرب وشمال إفريقيا وسابع أعلى قمة في القارة السمراء، بعلو يبلغ 4167 مترا أحبت خريجة المعهد الوطني للبريد والمواصلات بالرباط والحاصلة على دبلوم الدراسات العليا في التدبير بجامعة HEC بمونتريال بكندا، رحلتها نحو القمة، وأدركت أنها خُلقت لتحدي الصعاب والثبات في الطريق إلى القمة.
ورغم المهام المنوطة لها وانشغالاتها المهنية، كونها مهندسة دولة في المعلوميات في وزارة التجهيز والنقل المغربية، فإن مسارها المهني المتسم بالنجاح لم يمنعها من المضي قدما في تحقيق حلمها وتسلق القمم. وزادها تمسكا بأحلامها؛ زواجها من رجل يشاطرها شغف بلوغ القمم. وتقول بيبانو في : "لقد ساعدني زوجي كثيرا في ممارسة هوايتي، وتسلق عدة قمم برفقتي. بعد أن صعدنا معا إلى قمة توبقال، أقنعته بالسفر إلى تنزانيا لتسلق أعلى قمة في إفريقيا. وتمكنت من تحقيق ذلك الهدف برفقته في فبراير 2011".
وأشارت إلى أنه خلال تلك الرحلة، خطرت ببالها فكرة جديدة، وقررت خوض تحدي "القمم السبع".وأضافت أن تسلق الجبال يتطلب كثيرا من التجلد والإصرار، لهذا فإن المتسلقة المغربية عندما تشد الرحال إلى إحدى القمم، فإنها تعتمد على كثير من التركيز. واسترسلت قائلة: "هناك تركيز بدني وآخر ذهني، ويجب الجمع بينهما لتحقيق هدف الوصول. أنا أستحضر تركيزا آخر، وهو التركيز الروحي، فباستحضار وجود الله، أحس بأنني في كنفه، مما يعطيني عزيمة كبيرة للصبر والاستمرار، فالعديد من المتسلقين يحسون بالتعب أو الملل ولا يستطيعون المواصلة إلى آخر نقطة".
منذ سنة 2011، اشتعلت الشرارة في عيني بيبانو، فأمسكت عزيمتها بكِلتا يديها، واضعة أمامها هدف تسلق أعلى القمم بالقارات الخمس. فراكمت البطلة الإنجاز تلو الآخر، من قمة إلى أخرى، غرست خطواتها بثبات وعزيمة في سبيلها نحو أعلى مناطق في العالم. في يونيو من سنة 2011، تسلقت الجبل الأبيض Le Mont Blanc 4810 m وهي أعلى قمة في أوروبا الغربية. وبعد ذلك تسلقت قمة البروس وهي أعلى قمة في أوروبا وتقع في سلسلة جبال القوقاز، في يونيو 2012.وفي مطلع سنة 2014، شدت بيبانو الرحال إلى أميركا اللاتينية، وتسلقت قمة "أكونكاگوا" وتقع في الأرجنتين بعد محاولة فاشلة سنة 2012.
وفي صيف عام 2014، تسلقت البطلة المغربية، قمة دينالي، وهي أعلى قمة في أميركا الشمالية، تقع بألاسكا في الولايات المتحدة الأميركية.وفي نوفمبر 2015، توجهت المغامرة إلى آسيا حيث تسلقت قمة"بيراميد كارستينس"، وهي أعلى قمة في إندونيسيا. بعد كل هذه الإنجازات، لم يبق أمام بيبانو سوى تحقيق هدف أخير وهو تسلق أعلى قمة في العالم. وفي مايو 2017، حققت بيبانو، وهي أم لفتاة يبلغ عمرها حاليا 15 سنة، الحلم الأكبر واستطاعت تسلق قمة إيفرست وهي أعلى قمة في العالم، لتصبح بذلك أول امرأة مغربية وشمال أفريقية وثالث عربية تحقق هذا الإنجاز.
خلال رحلاتها، تحكي بيبانو أنها واجهت صعوبات عديدة، لعل أبرزها البرد القارس، إذ تنخفض درجات الحرارة إلى أدناها في المرتفعات الجبليّة الشاهقة. واسترسلت: "مشينا بين الثلوج في ظروف جدّ قاسية، وسط انخفاض حاد في مستويات الأوكسجين وفي قلب العواصف". وكانت قد تسلقت جبل إيفريست وسط برد شديد، حيث تصل درجة الحرارة إلى 40 درجة تحت الصفر.
وأضافت: "كانت الظروف قاسية جدا، حتى أنني أوشكت أن أموت، صعدت في ظروف صعبة للغاية، زلّت قدمي وكدت أن أتزحلق. كما أن الأوكسجين يكون فيها قليلا جدا". وذكرت أنها مرت على جثة لشخص فقد حياته على قارعة الطريق، مضيفة: "لقد كانت تجربة قوية، لأن تسلق قمة إيفريست ليس تسلقا عاديا، وإنما مجموعة من الدروس في الحياة". وتابعت: "من خلال هذه التجربة، غيرت نظرتي للأشياء وللحياة وللأمور، وصلت إلى مرحلة تلاشت فيها كل السطحيات والتفاهات، أتساءل فقط عن هدفي في الحياة ولماذا أنا هنا.. حقا لقد تغيرت نظرتي للحياة كليا".وتعد بيبانو أول مغربية تمكنت من بلوغ أعلى "سبع قمم في العالم" في فترة 4 سنوات (2011 - 2015).
وتفتخر المتسلقة المغربية بتاريخ 21 غشت 2015، الذي سيبقى راسخا في ذهنها إلى الأبد، حين وشحها الملك محمد السادس بوسام الاستحقاق الوطني من درجة قائد، خلال احتفالات عيد الشباب.وأعلنت بيبانو أنها تعتزم تسلق مجموعة من القمم العالمية، من بينها قمة الهمالايا. وبصفتها رئيسة للجنة النسوية داخل الجامعة الملكية المغربية للتزحلق ورياضة الجبل، أكدت البطلة أنها تحاول أن تدفع بالفتاة المغربية لتخوض هذا المجال الذي يعد حكرا على الرجل بالدرجة الأولى لتمثل المغرب في المحافل الدولية.
وتقول: "هذه الرياضة لم تكن معروفة من قبل، لذلك نحاول اليوم الاشتغال مع مجموعة من الفتيات لخوض التحدي، مثلا هذه السنة استطاعت أكثر من 40 فتاة أن يصلن إلى قمة توبقال، في انتظار أن يصلن إلى قمم أخرى عالمية".
قد يهمك ايضا
السجن 20 عام لامرأة مغربية قتلت خادمتها حرقًا
كانون الثاني 1979 يقلب موازين حياة "الزهرة أمسكين"
أرسل تعليقك