عمان - طارق الشمري
يستكمل مجلس الوزراء الأردني، الأحد، مناقشته لإلغاء نص المادة ٣٠٨ من قانون العقوبات الأردني بعد أن تقدمت تضامن والتحالف المدني الأردني لالغاء المادة ٣٠٨ بمذكرة بهذا الخصوص، تم تسليمها للمفوض الحكومي لحقوق الإنسان عطوفة باسل الطراونة، منتصف الشهر الماضي، وتضمنت المذكرة ملخص دراسة معمقة لأبعاد المادة ٣٠٨ من مختلف الجوانب وتوجهات الأردنيين والأردنيات منها، والتعديلات القانونية المقترحة التي تعالج الآثار المترتبة على إلغاء المادة.
ونفذت جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" والتحالف الأردني لإلغاء المادة 308 حملة مكثفة تركز على إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات الأردني، من خلال نشر نتائج أول دراسة بحثية وعلمية شاملة والتي حملت عنوان "الجرائم الجنسية ضد النساء – المادة 308 من قانون العقوبات الأردني نموذجاً".
وتعتقد "تضامن" بأن المادة 308 من قانون العقوبات تتعارض مع نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 وعلى وجه الخصوص المادة الثالثة منه والتي جاء فيها: "لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه". وعليه فإن من واجب الدول حماية الضحية وملاحقة الجاني في الجرائم الجنسية كون فعله يشكل اعتداءً على حق الضحية في الأمان الشخصي وانتهاك صارخ لحريتها ويعرض حياتها الى خطر شديد.
وتقول رباب (اسم مستعار) وهي ضحية لجريمة اغتصاب :"التبليغ عن الإغتصاب فوراً ومهما كانت النتيجة لأن السكوت أو الانتظار ليس في صالح المعتدى عليها أبداً... وقد يؤدي الى ضياع الأدلة... بل على العكس قد يفسر ضدها كما حدث معي".
وتثير المادة 308 العديد من التساؤلات حول مدى دستوريتها حيث إن الأصل في التشريعات أن تطبق على جميع الأشخاص دون تمييز أو تفرقة، غير أن الواقع يشير الى عكس ذلك، حيث يقول القاضي علي أبو زيد، مدعي عام محكمة الجنايات الكبرى: " نعم قد يكون هناك أكثر من جاني وفي هذه الحالة المجنى عليها هي من تقرر بمن تريد الزواج ولا يفرض عليها وعلى الأغلب الذي يتقدم مبكراً ويحسم أمره باتجاه الزواج يفلت من العقاب والآخرون يحاكمون، وربما في هذه الحال قد تلمس أن هناك من عوقب وهناك من أفلت من العقاب لأنه سبق بالزواج منها، وربما البعض إمتلك المال أو السلطة أو أسرع بالمبادرة أو امتلك المعلومة قبل الاخرين، لكن هذا هو النص القانوني ونحن ملزمين بالتطبيق والعدالة بالنسبة للقاضي تكمن في تطبيق النص القانوني."
وتضيف "تضامن" بأن المادة 308 تسمح بالتمييز بين الأشخاص في حالة تعدد الجناة أو تعدد المجني عليهن، أو في حالة عجز الجاني المادي عن الوفاء بمتطلبات الزواج من الضحية ، أو في حالة إختلاف الدين، وخاصة إذا لم يكن الجاني مسلماً، أو إذا كانت الضحية متزوجة عند وقوع الإعتداء الجنسي.
كما أن المادة 308 لا تحقق الردع بنوعيه الخاص والعام، وفي هذا الاتجاه يكمل القاضي علي أبو زيد خلال مقابلته أثناء إجراء الدراسة : "كما ويمكن لمرتكب الجرائم الجنسية الزواج من أكثر من ضحية، نعم والتكرار معمول به كظرف مشدد ولم يحدث تغيير على هذا النص ولم يلغ التكرار كظرف مشدد ابداً، والتكرار هنا لا يعني فقط العودة بفعل الاغتصاب نفسه مرة اخرى بل بأي أفعال جرمية يعاقب عليها القانون. بمعنى لو إغتصب ثم عاد وسرق تعتبر السرقة هنا ظرف مشدد للعقوبة وتضاعف له العقوبة، لكن السؤال هو متى يكون التكرار ظرف مشدد للعقوبة؟؟؟؟ يكون ذلك في حال صدور قرار حكم من محكمة الجنايات واكتسابه الدرجة القطعية من محكمة التمييز وهذا يعني (أنه في حالات الاغتصاب أو الجرائم الجنسية التي تتوقف فيها الملاحقة بسبب الزواج لا يكون هناك أحكام اذا كانت ما زالت لدى الإدعاء العام أو حتى لو حولت للمحكمة وابتدأت جلسات المحاكمة ثم خلال ذلك تمت المصالحة بين الطرفين وعقد الزواج وتم إبراز عقد زواج صحيح لطرف المحكمة لا يكون في هذه الأحوال أحكام قطعية مميزة وبالتالي لا مكان لتطبيق التكرار كظرف مشدد "هذه ثغرة ونقطة ضعف بالقانون" لأن ذلك يعني أن المغتصب يستطيع أن يتزوج مرة أخرى من مغتصبة أخرى في حال تمت المصالحة والزواج المرة الاولى قبل وجود أحكاماً قطعية مميزة ."
وعلاوة على ما سبق فقد اظهرت نتائج الدراسة عند سؤال الأردنيين في حال عدم موافقة الضحية على الزواج من الجاني، أجاب 46% منهم بأنها ستكون عرضة للقتل بذريعة "الشرف"، كما أظهرت البيانات فروقات بين نسب الأفراد حسب الفئات العمرية، فكانت غالبية الأفراد الذين اختاروا هذه الإجابة تقع أعمارهم ضمن الفئة العمرية 56 عاماً فأكثر وبنسبة بلغت 59%.
ويعتقد 28% من الأردنيين بأن الضحية ستكون منبوذة من المجتمع، و15% يعتقدون بأن الضحية ستكون قادرة على مواصلة حياتها الطبيعية بالمساندة والدعم.
وأظهرت الإحصائية العامة لمراكز الإصلاح والتأهيل للسبعة أشهر الأولى من عام 2014 والصادرة عن إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل بمديرية الأمن العام ، أن عدد الإدخالات لمركز إصلاح وتأهيل النساء / الجويدة خلال سبعة أشهر بلغ 1981 امرأة في حين وصل عدد الإفراجات إلى 2123 امرأة.
النسبة الأكبر من النساء الموقوفات والمفرج عنهن من مركز إصلاح وتأهيل النساء هن موقوفات ومفرج عنهن إدارياً، بموجب قانون منع الجرائم رقم 7 لعام 1954 والذي يعطي الحكام الإداريين من محافظين ومتصرفين صلاحية توقيف الأشخاص إدارياً .
فخلال عام 2014 وحتى تاريخ 31/7/2014 تم إدخال 184 إمرأة محكوم عليهن بأحكام قضائية ، و 426 امرأة عليهن قضايا لا زالت منظورة أمام المحاكم ، و 1371 امرأة موقوفات إدارياً. وبمقابل ذلك وخلال الفترة نفسها تم الإفراج عن 309 امرأة محكوم عليهن ، و 463 امرأة كانت عليهن قضايا منظورة أمام المحاكم ، و 1351 امرأة موقوفات إدارياً.
إن 69.2% و 63.6% من الإدخالات والإفراجات على التوالي هي لنساء تم إدخالهن والإفراج عنهن إدارياً، وهي نسب تشير الى زيادة في أعداد الموقوفات إدارياً وانخفاض في أعداد المفرج عنهن إدارياً مقارنة بإحصاءات عام 2013 التي بينت بأن 64.8% و 65.4% من الإدخالات والإفراجات على التوالي هي لنساء تم إدخالهن والإفراج عنهن إدارياً.
علماً بأن الإحصائية لم تبين سبب التوقيف الإداري كما لم توضح جنسيات النساء والمدة التي قضينها في مركز إصلاح وتأهيل النساء. وعادة يتم توقيف النساء غير الأردنيات لقضايا تتعلق بالإقامة والعمل في الأردن، فيما يتم توقيف العديد من النساء الأردنيات حماية لهن وخوفاً على حياتهن.
وأشارت دراسة صادرة عن المركز الوطني لحقوق الإنسان عام 2009 بعنوان "التوقيف الإداري: صلاحيات قضائية بأيدٍ تنفيذية" بأن الحكام الإداريين يبررون اللجوء لتوقيف النساء والفتيات إدارياً حفاظاً على حياتهن، وعلى وجه الخصوص في الحالات التي تتغيب فيها النساء والفتيات عن منازل أهاليهن أو أزواجهن، أو في الحالات التي ينهين فيها مدة محكوميتهن عن جرائم الزنا أو غيرها من الجرائم التي تمس الشرف، كون تركهن طليقات قد يؤدي الى قتلهن على أيدي أقاربهن أو أزواجهن.
إن العديد من المشاكل التي تواجه الموقوفات إدارياً بمركز إصلاح وتأهيل النساء تعود لسبب اختلاطهن بالمحكومات والموقوفات قضائياً، خاصة مع صاحبات السوابق الجرمية. كما أن العديد منهن موقوفات إدارياً منذ سنوات عدة.
وترى "تضامن" بأن نص المادة 308 من قانون العقوبات الأردني يتضمن تساهلاً وإهداراً للحق العام، وهو حق المجتمع ممثلاً بالدولة بمعاقبة الجاني عن الجريمة التي يرتكبها ومنها الجريمة الجنسية. ومن حق المجتمع فرض العقوبة على الجاني حتى لو تم إسقاط الحق الشخصي للمجني عليها في الجريمة الجنسية، كون الجريمة قد أخلت بأمن واستقرار المجتمع. والقانون يسقط الحق العام بإسقاط الحق الشخصي في الجرائم البسيطة، والتي لا تشكل خطورة على المجتمع.
أما في الجنايات كجرائم القتل فلا يسقط الحق العام تبعاً لإسقاط الحق الشخصي، لذا فإن "تضامن" تجد بأن المادة 308 من قانون العقوبات تهدر حق المجتمع المتمثل بالحق العام من خلال وقف الملاحقة، أو وقف تنفيذ العقوبة إذا تم تزويج الضحية من الجاني خاصة في الجنايات كجريمة الاغتصاب التي قد تصل فيها العقوبة الى الإعدام، وهذا ما عبر عنه الأردنيون، حينما أشار غالبيتهم الى ضرورة معاقبة الجاني عن الجريمة التي ارتكبها حتى لو تزوج من الضحية وفق المادة 308.
وتُشكل الصكوك الدولية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإعلان ومنهاج عمل بكين والوثائق الختامية والإعلانات المعتمدة بمناسبات عديدة سابقة ، والالتزامات الدولية للمساواة بين الجنسين وتمكين النساء، والاتفاقيات الدولية والإعلانات والقرارات الدولية المتعلقة بالنساء، ومنها القرارات ذوات الأرقام (1325) و (1820) و (1888) و (1889) و (1960) وغيرها من القرارات، وقرارات مجلس حقوق الإنسان، تشكل جميعها الإطار القانوني الدولي الذي من شأنه يمكن اتخاذ التدابير لمنع جميع أشكال التمييز ضد النساء والفتيات والقضاء عليها.
وصادق الأردن على العديد من الإتفاقيات والإعلانات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان بشكل عام وحقوق النساء والأطفال بشكل خاص، ومنها على سبيل المثال إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
وصادق على اتفاقية منع الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير، واتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة، والاتفاقية الخاصة بجنسية المرأة المتزوجة، واتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج، وبروتوكول تعديل الإتفاقية الخاصة بالرق لسنة 1926، والاتفاقية التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرق والاعمال الشبيهة بالرق، والاتفاقية المتعلقة بحقوق الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة.
ووقَّع الأردن على بروتوكولين اختياريَّين بشأن حقوق الطفل بشأن إشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، وبيعهم واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية، وصادق الأردن على نظام روما الأساسي بخصوص المحكمة الجنائية الدولية، وكان الأردن أول دولة عربية تصادق على الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي دخل حيز التنفيذ في 15/3/2008.
وتشكل "خطة عمل إسطنبول" اعترافاً حكومياً للدول الأورومتوسطية ومن بينها الأردن بوجود حالة عدم المساواة بين الجنسين والى ضرورة اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمعالجة ذلك.
إن ذلك كله يرتب على الأردن إلتزامات داخلية تتمثل في موائمة التشريعات الوطنية مع الإتفاقيات الدولية لضمان تعزيز وحماية حقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق النساء والفتيات والأطفال بشكل خاص، كما يرتب التزامات دولية، ومن بينها تقديم تقارير دورية للجان الدولية المختصة خلال فترات معينة؛ لبيان مدى التقدم المحرز بالمجالات المختلفة.
وفي ظل هذه المعطيات، فإن "تضامن" والتحالف المدني الأردني لإلغاء المادة 308 يطالبان الحكومة ومجلس الأمة الاستجابة للمطالب التي عبرت عنها الحركة النسائية في الأردن منذ سنوات، والوفاء بالتزاماته خاصة أمام اللجان الدولية، والعمل سريعاً على إلغاء نص المادة 308 لإنهاء سياسة الإفلات من العقاب، ولتحقيق العدالة الجنائية للنساء والفتيات، ولإنهاء النصوص التمييزية ضدهن في التشريعات خاصة قانون العقوبات الأردني.
يُذكر أن مشروع "نجاة – معاً لملاحقة الجناة وحماية النساء الناجيات من جرائم العنف الجنسي" بدعم من الشعب الأميركي ومن خلال المنحة المقدمة من برنامج USAID لدعم مبادرات المجتمع المدني والمنفذ من قبل منظمة صحة الأسرة الدولية FHI 360 وبتمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID). ويعتبر هذا المحتوى من مسؤولية "تضامن" ولا يعكس بالضرورة آراء الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) أو آراء الحكومة الأميركية أو حتى آراء منظمة صحة الأسرة الدولية FHI 360.
أرسل تعليقك