ليلة مرعبة عاشتها أسرة اليمنيّ محمّد بن سعيد عندما تدفّقت مياه الفيضان الغزيرة وغمرت منزله في مدينة المُكلّا عاصمة محافظة حضرموت ومئات المنازل الأخرى في المحافظات الشرقيّة للبلاد خلال مارس آذار وأبريل نيسان الماضيين وشرّدت ساكنيها.وقال بن سعيد إنه وأبناءه الأربعة واجهوا غضب الطبيعة دون مُنقذ أو جبر لضرر يأتي من السلطات أو أيّ جهات أخرى حتّى اليوم، منذ أن أغرقت المياه المنزل وجعلته على وشك السقوط إذا لم يُرمم بسبب الأضرار التي خلّفها الفيضان.
يصف الرجل، الذي يعمل صيّادا في المُكلا، يوم المنخفض الجويّ الذي ضرب المدينة قائلا "عشنا أوقاتا مرعبة طوال ساعات هطول المطر، حين تدفّقت المياه بكميّات هائلة لم نشهدها من قبل إطلاقا. كنّا قد خلدنا للنوم، وتفاجأنا بمياه الأمطار تتدفق من كل جانب".
أضاف "حاولنا الخروج من المنزل؛ لكنّ كثافة المياه كانت تمنعنا من المغادرة... ظننّا أنّ المياه ستقضي علينا داخل المنزل أو ستجرفنا السيول مع الأثاث ومحتويات البيت".
بعد ساعات مُرعبة، خفّت حدّة السيول من جهة شرق المنزل وتمكّن سعيد من الخروج بأسرته من إحدى نوافذ المنزل، الذي لحقت به أضرار يحتاج إصلاحها مبالغ كبيرة لا يملكها الرجل.
وقال إنّ المياه المنهمرة جرفت أيضا جميع محتويات المنزل إلى مجرى السيل القريب، حتى إن الأبواب والنوافذ الخشبيّة أصبحت أثرا بعد عين، وهو ما يضاعف معاناته وأسرته الصغيرة في ظل عدم وجود مسكن بديل.
البقاء راغما
فقد بن سعيد جميع مقتنياته، حتّى الطعام والأسرّة والفُرُش، بينما ما زال يعمل منذ شهر ونصف الشهر تقريبا على ترميم المنزل بجهد ذاتيّ دون أيّ دعم أو تعويض؛ لكنّ ما مضى ليس أكثر ما يخشاه، إذ يقول إنه وأسرته ما زالوا يعيشون في قلقٍ من أيّ فيضانات مشابهة، بسبب موقع بناء المنزل قرب مجرى السيل.
يضطر بن سعيد وأسرته إلى البقاء في هذا المنزل الشعبيّ الذي يستأجره مقابل 100 ألف ريال يمنيّ (حوالي 59 دولارا أميركيّا)، بسبب دخله المحدود وعدم قدرته على توفير مسكن بديل.
واعتبر المهندس صالح العمري، مدير مكتب وزارة الأشغال العامّة والإسكان بحضرموت، أنّ سنوات الحرب أدّت إلى خلخلة دور الأجهزة الحكوميّة وعدم قدرتها على تقديم الخدمات للمواطنين في جميع محافظات اليمن.
وأشار في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إلى ما وصفه بغياب المخطّطات السكنيّة للمحافظات، مع انتشار واسع للبناء العشوائي دون إرشاد أو توجيه من قبل السلطات المعنيّة في محافظة حضرموت خاصة، وفي البلاد بشكل عام.
وبحسب المسؤول الحكوميّ، فإنّ عشوائية البناء جعلت البعض يبنون بيوتا على مخرّات السيول، التي باتت تشكّل خطرا على الساكنين بالقرب منها في ظل التغيّرات المناخيّة المفاجئة والمنخفضات الجويّة في مناطق شرق اليمن خلال السنوات القليلة الماضية "والتي لم تُدرَس بشكل جيد قبل انتشار هذه العشوائية في البناء السكني".
تقلبّات جويّة
وأشار العمري إلى أنّ السلطات في المكلّا تعمل على مشروع لتطهير مصارف مياه الأمطار والسيول حول المُكلّا للحدّ من سقوط ضحايا ووقوع أضرار جراء المنخفضات الجوية، التي توقّع تزايد حدّتها في المستقبل.
وفي ما يخصّ البناء العشوائيّ، قال إنّ مكتب الأشغال العامّة في حضرموت لا يُصدر تراخيص بناء إلا وفقا لقانون الأشغال اليمني حيث "لا يُمكن إصدار تصريح بناء إلّا وفقا لإجراءات متكاملة بين مكتب أراضي وعقارات الدولة ومكتب الأشغال؛ لكن رغم ذلك، تحدُث مخالفات".
أضاف "تتفاجأ السلطات بوجود بناءٍ سكنيّ في مناطق مهدّدة؛ وإن كانت (تلك المناطق) لم تشهد تهديدا في السابق، فإنّ الهندسة المعمارية (لتلك المباني) تشير إلى ذلك، وهو ما يحصل اليوم من تعرّض مناطق لسيول وأمطار لم تشهدها من قبل".
وتابع "حضرموت تُعاني بشكل كبير من التقلّبات المناخيّة المفاجئة، في ظلّ إمكانيات محدودة وقدرات بسيطة للسلطات بجوانب الإنقاذ، بالإضافة إلى تحديات في الإمكانيات وتوفير المعدّات".
وأشار إلى أنّ مكتب الأشغال استمرّ لمدة 40 يوما في العمل على إعادة فتح الشوارع التي أغرقتها مياه الفيضانات خلال المنخفض الجويّ الأخير في حضرموت "بسبب نقص المعدّات وتباعد المناطق ووعورة الطرق وغير ذلك من الإشكاليّات"، بحسب وصفه.
أضرار متعدّدة
ووفقا لشبكة الإنذار المبكّر في اليمن، التابعة للوكالة الأميركيّة للتنمية الدولية، فإنّ محافظات حضرموت والمهرة وشبوة كانت من المناطق التي تعرّضت لأضرار كبيرة ومتعدّدة جرّاء الفيضانات التي ضربت مناطق شرق البلاد خلال الأشهر الماضية.
وذكرت الشبكة في تقرير نشرته يوم الثلاثاء أنّ الأمطار الغزيرة والفيضانات أدّت إلى تعطيل سبُل العيش وتدمير أماكن لجوء النازحين وإتلاف مصادر المياه والطرق والبنية التحتيّة، وتسببت في خسائر في الأرواح والممتلكات بالمنطقة.
وأشارت الشبكة إلى أنّ الأمطار والفيضانات خلّفت 12 قتيلا وتضرّر منها أكثر من ثلاثة آلاف نازح؛ كما تأثّرت مناطق عدة في حضرموت والمهرة بالفيضانات المرتبطة بإعصار تيج في أكتوبر تشرين الأول من العام الماضي.
وعلى الرغم من عدم شدّة الفيضانات الأخيرة، فإنّ الآثار التراكمية على سبل العيش وقدرة الأسر على التكيف تثير القلق، بحسب الشبكة.
من جهتها، قالت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة في تقرير لها حول مستجدّات الأرصاد الجويّة الزراعية نشر في 23 مايو أيار الجاري إنّ اليمن شهد زيادة في هطول الأمطار مع عودة موسمها.
وأشارت المنظمة إلى أنّ ذلك زاد خطر الفيضانات المفاجئة والانهيارات الأرضيّة وتعطيل سبُل العيش والزراعة والبنية التحتية للري بشكل كبير، فضلا عن قطع الطرق الرئيسية.
قد يهمك أيضا
نجاة ضابط في الاستخبارات العسكرية اليمنية من محاولة اغتيال عبر تفجير عبوة ناسفة زرعت بسيارته في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت شرق اليمن.
أرسل تعليقك