بغداد – نجلاء الطائي
لم ينل عالمًا اجتماعيًا من الجدال بين أهل الفكر والعلم، كما ناله عالم الاجتماع العراقي الكبير الراحل علي الوردي، الذي يوافق 13تموز/يوليو2016 ذكرى وفاته الحادية والعشرين، استنادًا إلى طبيعة الرؤية التي كان يؤمن بها وحوّلها إلى نظرية علمية عبر مؤلفات بحثية وأكاديمية ودراسات، ما زالت تحتفظ بها المكتبة العراقية والعربية والأجنبية بل شكلت مرجعا مهما للكثير من الباحثين والدارسين والمؤلفين.
ويمكن القول استطاع العالم الجليل علي الوردي من الوصول إلى حقيقة النفس البشرية عبر سبره لأغوار الإنسان العراقي وفق رؤية علمية استندت إلى أدلة وبراهين من تجارب عاشها في بيئته يوم كان صبيا وكيف تمرد عليه ليكمل دراسته ومن ثم أصبح معلمًا، وليغير زيه التقليدي عام 1932، ونتيجة تفوقه بحصوله على المركز الأول في العراق على مستوى الثانوية أرسل إلى بعثة دراسية إلى الجامعة الأميركية في بيروت ليحصل على البكالوريوس، ومن ثم إرساله في بعثة أخرى لنيل شهادة الماجستير من جامعة تكساس عام 1948 ومن ثم الدكتوراه عام 1950، كما عمل أستاذًا في كلية الآداب في جامعة بغداد ورئيسًا للقسم فيها ومناصب وظيفية وعلمية كثيرة.
وخلال رحلته الفكرية أصدر العديد من المؤلفات منها مهزلة العقل البشري ووعاظ السلاطين وخوارق اللاشعور أو أسرار الشخصية الناجحة، ولمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ٦ أجزاء والأحلام بين العلم والعقيدة ومنطق ابن خلدون وقصة الأشراف وابن سعود وأسطورة الأدب الرفيع ودراسة في طبيعة المجتمع العراقي وشخصية الفرد العراقي، وهو بحث في نفسية الشعب العراقي على ضوء علم الاجتماع الحديث، بالإضافة إلى أكثر من 150 بحثًا مودعة في مكتبة قسم علم الاجتماع في كلية الآداب جامعة بغداد.
وكتب عن مفهوم الشخصية الازدواجية للشخصية العراقية باعتبارها تعيش صراع بين البداوة والحضارة والذي عدّ الأساس الأوَّل والمنطق، الذي اعتمده الدكتور الوردي في تحليله لطبيعة المجتمع العراقي وتاريخه خلال القرون الأخيرة ولجغرافيا العراق أثر في تكوين الشخصية العراقية فهو بلد يسمح ببناء حضارة بسبب النهرين، ولكن قربه من الصحراء العربية جعل منه عرضة لهجرات كبيرة وكثيرة عبر التاريخ آخرها قبل 250 عامًا تقريبًا، واستنادًا إلى ذلك كله فقد غدًا موسوعة حقيقية انهل منها الكثير من الأساتذة والباحثين ليس في حدود العراق فحسب، بل أيضًا على المستوى العربي والعالمي، بل أن الكثير من السفراء الأجانب الذين عملوا في العراق كانوا يعودون إلى كتبه كي يفيدوا منها لمعرفة نفسية المجتمع العراقي.
وتناولت الوردي الكثير من الكتب والبحوث والدراسات، وأيضًا أقيمت الكثير من الندوات والمؤتمرات التي تناولته بإطار اجتماعي وثقافي وسياسي في بعض الأحيان استنادًا إلى ما كانت تمثله كتاباته أو أفكاره من مخاوف للنظام السابق، في الوقت الذي تم تكريمه في الكثير من المحافل المحلية والعربية والأجنبية، وإلى جانب مجموعة من أهل الفكر والإبداع العراقي فقد أطلق اسمه على العديد من القاعات التي تقام فيها المحاضرات والندوات الثقافية والأدبية في المؤسسات الثقافية الحكومية وغير الحكومية باعتباره رمزًا من الرموز التي تبقى خالدة في الذهن.
من الجوانب المهمة التي أشار إليها علي الوردي قبل أكثر من نصف قرن والتي مثلت حلا للواقع السياسي في العراق بان دعا العراقيين أن يغيروا أنفسهم ويصلحوا عقولهم قبل البدء بإصلاح المجتمع؛ لأنَّ التجارب القاسية التي مرّ بها الشعب العراقي علمته دروسا بليغة، فإذا لم يتعظ بها فسوف يصاب بتجارب أقسى منها، وعلى العراقيين أن يتعودوا على ممارسة الديمقراطية حتى تتيح لهم حرية الرأي والتفاهم والحوار دون أن تفرض فئة أو قبيلة أو طائفة رأيها بالقوة على الآخرين.
.
أرسل تعليقك